جائحة كورونا وبداية الموسم الدراسي الجديد

ذ محمد جناي
المغرب
ذ محمد جناي18 أغسطس 2020آخر تحديث : الثلاثاء 18 أغسطس 2020 - 9:27 صباحًا
جائحة كورونا وبداية الموسم الدراسي الجديد

janay - دين بريسذ. محمد جناي
يعد التعليم عن بعد أحد أهم المفاهيم والتقنيات الحديثة للتعليم بكافة مستوياته، وقد أصبح هذا النوع من التعليم ركنا مهما للإقتصاد المعرفي، ومن الجدير بالذكر أن التعليم عن بعد، أو ما يُسمى أحيانًا التعلم الإلكتروني المحوسب أو التعلم عبر الإنترنت، لا يعني تدريس المناهج وتخزينها على أقراص مدمجة، ولكن جوهر التعليم عن بعد هو النمط التفاعلي، حيث يعني وجود مناقشات متبادلة بين المتعلمين وبعضهم، والتفاعل مع المدرس، فهناك دائما مدرس يتواصل مع التلاميذ، ويحدد مهامهم واختباراتهم.

وحتى كتابة هذا المقال قبل بداية العام الدراسي الجديد 2021/2020 بأقل من أسبوعين لم تكن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي قد أعلنت عن كيفية عودة التلاميذ إلى مدارسهم ما جعل أولياء الأمور في حيرة وقلق على مستقبل أطفالهم ، وكانت الوزارة قد أصدرت في الأسبوع الماضي مقررا وزاريا إعتياديا ولكن هذا الأخير لم يتطرق إلى كيفية عودة التلاميذ إلى مدارسهم على وجه التحديد، ما إذا كانت بالطريقة التقليدية الحضورية في المدارس وكما هو متبادر من المقرر، أم بواسطة التعليم الإلكتروني، أم بالتعليم عن بعد، غير ما أشارت إليه بعض المصادر الإعلامية المغربية من مناقشة ترجيح الدراسة عن بعد.

وتقوم وزارات الداخلية والتعليم والصحة وفي ضوء تطور الحالة الوبائية -والتي لاتبشر بخير – بدراسة الاحتمالات الأكثر مناسبة لبداية العام الدراسي الجديد وهناك على الأقل ثلاث صيغ محتملة أولها: العودة التقليدية بالحضور اليومي إلى المدرسة، وهذا الخيار تكتنفه كثير من التحديات المتعلّقة بتطبيق الاحترازات الوقائية من انتشار الفايروس؛ وثانيها: التعليم عن بعد وهو المعتمد على مصادر مختلفة قد تكون تقنية مسموعة أو مرئية، مسجلة مسبقاً أو تبث حيَّة على الهواء، أو قد تكون ورقية مصورة أو مطبوعة، وقد تكون خليطاً بين ذلك، من غير اتصال مباشر بالأساتذة ؛ وثالثها التعليم الإلكتروني: وهو تعليم يعتمد على الإنترنت باستخدام تطبيقات إلكترونية توفر خاصية التفاعل المباشر بين الأستاذ وتلاميذته في الوقت ذاته مع تباعد المكان، ويساند التعليم الإلكتروني الأستاذ بمحتوى رقمي مرئي ومسموع حول موضوع الدرس الإلكتروني، وتتوفر به إمكانية اختبار مستوى تحصيل التلاميذ وتقييم واجباتهم، وتسمح تطبيقات التعليم الإلكتروني بفتح فصول افتراضية (تيمس مثلا) لكل مقرر على مستوى المدرسة، حيث يمكن لكل مدرس أن يلتقي بمتعلميه في فصل افتراضي تفاعلي لا يميزه عن الفصل التقليدي غير عدم الاجتماع بالحضور المباشر.

وكانت الوزارة الوصية في الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي 2020/2019 قد اضطرت إلى تعليق الدراسة في جميع المؤسسات التعليمية، وفق ما قضى به القرار الحكومي في سياق الاحترازات المشددة من انتشار فيروس كورونا، حرصاً على سلامة التلاميذ والأساتذة والإداريين، ولكنها استمرت في عرض الدروس وشرحها بطريقة التعليم عن بعد (التعلم الذاتي) من خلال منظومة التعليم الموحّدة وقنوات تلفزية ، ورغم الجهود التي بذلها المختصون في الوزارة لسد الفراغ وتخفيف الأثر السلبي على مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ من خلال تلك القنوات، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها أولياء الأمور في المنازل لحفز أولادهم لمتابعة الدروس المبثوثة عبر القنوات التلفزيونية والإلكترونية، إلا أن مستوى تحصيلهم لا يكاد يذكر مقارنة بمستوى تحصيلهم من التدريس المباشر لعدة أسباب منها: عدم فاعلية التعليم عن بعد لافتقاره لخاصية التفاعل بين الأستاذ و تلاميذته ، وافتقار بعض المدرسين الذين كلّفوا بتسجيل الدروس إلى كثير من مهارات التدريس، وضعف جودة التصوير والصوت والإضاءة والإخراج، وعدم قدرة أغلب الأسر على توفير الأجهزة الإلكترونية لأولادهم وخصوصا في العالم القروي.

إن لجوء العالم أجمع لآليات وتقنيات التدريس عن بعد، لم يكن بناء على خطط أو دراسات أو استعدادات لكي تخضع التجربة للتقييم العام بمفاهيم الحسابات التقليدية لنجاح أو فشل تجربة ما، بل إنها كانت خطة إنقاذ للتعليم بشكل عام، فالغريق أي الوزارة يبحث عن أي شيء يتمسك به كي لا يغرق ويموت، فكانت تقنيات وآليات التدريس عن بعد بمثابة طوق النجاة للمتعلمين والمؤسسات التعليمية من أجل ضمان الاستمرارية البيداغوجية التي بشرت بها الوزارة الوصية ، فيجب أن يكون حكمنا بناء على هذه المعطيات منصفين في الحكم على التجربة.

إن التعليم عن بعد أثبت نجاحه النسبي بمواجهة جائحة كورونا (كوفيد 19) التي صدمت العالم أجمع، وكان طوق أمان جيد استطاع أن ينقذ الأهم في رحلتنا ومسيرتنا، فصحيح أنه لم ينقذ المركب بالكامل ولكنه أنقذ الأهم منه، وتتفاوت التجربة من مؤسسة لأخرى، كما تتفاوت من بلد لآخر.

ويجب ألا تذهب تجربة التعليم عن بعد دون تقييم منصف وجاد وتطوير السلبيات التي ظهرت، فلا نستطيع أن نرفض وسيلة تعليم أنقذت العالم أجمع وأنقذت السنة الدراسية للجميع، ودائماً ما تكون الحاجة أم الاختراع وأتوقع أن يتم تطوير التجربة والتحسين من آليات التفاعل والتعاطي معها.

وفي حال استبعاد عودة حضور التلاميذ لمدارسهم، فإن التعليم الإلكتروني هو الخيار الأنسب لضمان جودة التعليم، وخاصة في المرحلتين الإبتدائية والثانوية الإعدادية ، وهو خيار يتطلب توفر الإنترنت للتلاميذ بسرعات عالية أينما كانت منازلهم، وإرشاد أولياء الأمور بمتطلبات تلقي الدروس الافتراضية من حيث الأجهزة والتطبيقات الإلكترونية، والتصميم الملائم للغرف الافتراضية في البيوت عند تعدد التلاميذ في البيت الواحد، وتقديم التسهيلات المالية للأسر المحتاجة لتوفير متطلبات التعليم الإلكتروني لأولادهم، كما يتطلب الأمر تدريب الأساتذة على جودة تقديم التعليم الإلكتروني إلى متعلميهم.

ونظراً لطبيعة تلاميذ (التعليم الأولي) الصفوف المبكرة من الناحية الفسيولوجية التي تتسم بزيادة النشاط الحركي وسرعة نمو الإدراك الحسي والنمو الجسدي والعقلي والنفسي واللغوي، وميلهم إلى التعلّم باللعب والمحاكاة والملاحظة والمشاهدة فإن الحضور التقليدي إلى المدرسة قد يكون هو الأنسب، مع اتخاذ كافة الاحترازات المشدّدة، وأن يخصص لكل طفل أربعة أمتار مربعة من مساحة الفصل، وفي حال عدم كفاية مباني المدارس الابتدائية لاستيعاب تلاميذتها فتستغل مباني الثانويات الإعدادية والتأهيلية لتحقيق التباعد الاجتماعي للأطفال.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.