ريادة مغاربة العالم في صياغة المستقبل واستلهام الدروس من التحولات العالمية

محمد عسيلة
آراء ومواقف
محمد عسيلة27 أبريل 2024آخر تحديث : السبت 27 أبريل 2024 - 10:38 صباحًا
ريادة مغاربة العالم في صياغة المستقبل واستلهام الدروس من التحولات العالمية

محمد عسيلة *
تقف الجالية المغربية المنتشرة حول العالم في طليعة الجهود الرامية إلى تشكيل المستقبل الثقافي والاجتماعي للمغرب. هذه الجالية، التي تمد جسوراً ثقافية وروحية بين المغرب والعالم لا يمكن لأية جهة معادية الوقوف في وجهها او التأثير فيها لقدسيتها واستقرارها كجزء من الايمان الراسخ بالوطن و بالأصول.

فمع السرعة الفائقة للتغيرات العالمية، يظل مغاربة العالم في حالة يقظة ومتابعة لكل ما يحدث، بما في ذلك التحولات داخل دور عبادات الطوائف الدينية الاخرى مسلمك كلنت تو مسيحية سواء كانت كنائس أو مساجد أو بيع.

في ظل هذه التحولات، يبرز سؤال مهم: كيف يمكننا، كمغاربة العالم ومؤسيلت وصية على الشأن الديتي والثقافي والهوياتي للمغاربة ، الاستفادة من التجارب والاستراتيجيات التي تعتمدها المؤسسات الدينية الأخرى لمواجهة التحديات المستقبلية؟ وكيف يمكن لهذه الدروس أن تساعدنا في الحفاظ على الثوابت الدينية المغربية وتعزيز الروابط مع الوطن للأجيال القادمة في ظل التحديلت الراهنك والمستقبلية؟

من خلال تحليل الاستراتيجيات المتبعة من قبل الكنائس في ألمانيا، والتي تعاني حسب الاخصائيات الاخيرة والدراسات من تراجع في عدد المنتمين والمتخرطين، نجد أن هناك العديد من الأفكار التي يمكن استلهامها ومحارلة ملاءمتها وتطبيقها للسياق الثقافي والديني والسيادي لمغاربة العالم.

ففي سياق الانخفاض العالمي في عدد المنتمين إلى الكنائس، كشفت دراسات حديثة عن تراجع ملحوظ في عضوية الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا، حيث بلغت نسبة الخروج من الكنيسة 359,338 شخصًا في عام 2021، بزيادة قدرها 60% مقارنة بالعام السابق. ويعكس هذا التراجع اتجاهًا يشهده العالم الغربي بوجه عام، مما يشير إلى الحاجة الملحة لتبني استراتيجيات مبتكرة وفعالة لإعادة جذب الشباب والحفاظ على الروابط الثقافية والدينية في المجتمع.

من جهة أخرى، في الولايات المتحدة، شهدت الكنيسة الكاثوليكية انخفاضًا في نسبة الأعضاء المنخرطين بمقدار 18 نقطة مئوية منذ عام 2000، حيث أفادت دراسة أجرتها غالوب أن فقط 58% من الكاثوليك يعتبرون أنفسهم أعضاء في كنيسة في الفترة من 2018 إلى 2020، مقارنة بـ 76% في أواخر التسعينيات (المصدر: Catholic News Agency)​.

هذه الأرقام في السياق اللاهوتي المسيحي تجعلنا نطرح السؤال حول مدى الابقاء على الترابط والتماسك بين المساجد والشباب المغربي في الخمسين سنة المقبلة! في غياب استراتيجيات ودراسات ميدانية.

ومن هنا تبرز الحاجة – اليوم وليس غدا – إلى تبني استراتيجيات تعتمد على تصورات ومناهج علمية بيداغوجية نجعلها رهن اشارة مساجدنا المغربية لتقوم بتجربتها وملاءمتها وتبنيها مع ضمان توفير موارد لوجيستيكية وبشرية تشمل استخدام التكنولوجيا والمضامين الفكرية والتربوية والتعليمية التي تلائم اهتمامات الشباب لضمان استمرارية وجاذبية الممارسات الدينية والثقافية وتعزيز الروابط مع الوطن، خاصة في مجتمعات ما بعد الهجرة.

فمن خلال تقديم التعليم الثقافي والديني بطرق تحترم الثقافات المتنوعة (فقه الواقع) وتستضمر بشكل روحي واعي أصولنا (الكليات)، يمكن لمغاربة العالم أن يلعبوا دورًا رئيسيًا في صياغة مستقبلهم الديني والثقافي

لقد استخدمت هذه الكنائس طرقًا مبتكرة لإعادة جذب الشباب، مثل تنظيم فعاليات محلية تلائم اهتماماتهم واستخدام التكنولوجيا لخلق تجارب دينية وثقافية تفاعلية. هذه الاستراتيجيات ستفتح بابًا لشباب مغاربة العالم لفهم أهمية التكيف مع الزمن والواقع المعيش واعتماد أساليب جديدة تضمن استمرارية وجاذبية الممارسات الدينية التي تقدمها المساجد المغربية بشكل تطوعي وقي نكران ذات للساهرين على تسيير وادارة هذه المساجد جزاهم الله خير الجزاء على هذا العطاء اللامشروط..

تعزيز الثوابت الدينية المغربية والروابط مع الوطن يجب أن يكون أرضية أساسية وصلبة لبناء هوية أوروبية او هوية كسموبوليتية دينامية في هذه المجتمعات والسياقات ما بعد الهجرة مع التفكير في طرق لتقديم التعليم الديني الذي يحترم ثقافات ودساتير هذه البلدان ويستضمر بشمل روحي واعي وتربوي منهجي مكونات الثقافة والدين والاعراف المغربية ويعزز الفهم المتعمق للدين بطريقة تجذب الشباب وتحافظ على ارتباطهم بالمغرب اعتمادا على طرق ومناهج حديثك مثل العمل بمنهجية الورشات والمحطات التعلمية ومناهج الموائد الحوارية المستديرة والرحلات والزيارات الاستكشافية الثقافية والروحية لأرض الوطن ولمواطن اخرى عالمية لتوسيع الرؤى والفكر والفهم تحت اشراف خبراء يعرفون ويعلمون سبر أغوار التحديات ويتقنون اللغة القلبية والثقافية لهاته الفئات المستهدفة.

إن الاستثمار في برامج تعليمية وتكوينية بهذا النهج سيقدم خدمات جليلة لتعلم اللغة العربية وفهم الدين والارتباط بالمعنى الإنساني الحقيقي للعيش المشترك والكلمة السواء والبناء العمراني المسطر في ديننا بشكل واعي يقوي المناعة ويحافظ على الاستمرار في الايمان بحب وعشق لهذا الوطن، للمغرب، ثقافة وتاريخا واعرافا وتقاليد ولغات ومرجعية وحضارة وعمران عبر الاجيال والأزمنة.

فهذا ما قد أسميه “الاستباقية” او المقاربة الاستباقية البعيدة عن التخويف المَرَضي (بفتح الميم والراء) وعن نظريات المؤامرة وتقمص دور الضحية في التعامل مع التحديات والتي تستدعينا لاعادة ترتيب منظورنا وقناعاتنا وبيتنا الداخلي وكل الترسبات الساكنة دواخلنا من داخل الوحدة؛ وحدتنا كمغاربة العالم، وايمانا بعيشنا في مجتمعات متعددة ثقافيا ودينيا وإثنيا، تفرض علينا شئنا أم أبينا التعامل مع التحديات المصحوبة بالرقمنة والوسائط والمنصات الاعلامية.

وهنا وداخل هذه المقاربة الاستباقية يجب علينا التفكير في كيفية استخدام الاعلام والتكنولوجيا للتواصل مع الشباب المغربي وتقديم محتوى ديني وثقافي يلبي احتياجاتهم ويحفز تفاعله حيث إن استخدام منصات رقمية لتوفير دروس دينية وثقافية تفاعلية وتنظيم ندوات عبر الإنترنت يمكن أن يساعد في الحفاظ على الروابط الثقافية والدينية بين المغاربة في الشتات وبلدهم الأم.

إن تطوير استراتيجية شاملة تعالج هذه النقاط سيمكن مغاربة العالم من لعب دور رئيسي في صياغة مستقبلها الديني والثقافي، مما يضمن للأجيال القادمة الحفاظ على رابط قوي مع التقاليد المغربية والاستفادة من التجارب العالمية لتحقيق التجديد والتطور المستمر.
ـــــــــــــــــــــــ
* استاذ باحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة
استاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
مستشار في قضايا الاندماج والتربية والتعليم لدى هيئات تعليمية ومدرسية ولائية بألمانيا

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.