التعليقات اليسيرة حول فتوى الدكتور الحسين أيت سعيد في مسألة جواز صلاة التراويح عن بعد وراء التلفاز أو المذياع

حمزة النهيري
2020-06-13T10:13:13+01:00
آراء ومواقف
حمزة النهيري20 أبريل 2020آخر تحديث : السبت 13 يونيو 2020 - 10:13 صباحًا
التعليقات اليسيرة حول فتوى الدكتور الحسين أيت سعيد في مسألة جواز صلاة التراويح عن بعد وراء التلفاز أو المذياع

 النهيري  - دين بريسالدكتور حمزة النهيري

استمعت باهتمام إلى فتيا الشيخ العلامة الدكتور الحسين أيت سعيد حفظه الله وسدده في مسألة جواز صلاة التراويح خلف التلفاز أو المذياع، و قد طلب مني بعض الأصدقاء الفضلاء ممن يحسنون الظن بالعبد الفقير إلى الله تعليقا على هذه الفتوى إذ علموا مني تأييدا مطلقا لفتوى الشيخ أيت سعيد فقلت مستعينا بالله تعالى متبرئا من الحول والقوة إلا بحوله وقوته سبحانه وتعالى:

1- شيخي العلامة الدكتور أيت سعيد من العلماء الراسخين في الفقه والأصول والمقاصد، وهو بلا مجاملة مفخرة من مفاخر المغرب وهو عضو المجلس العلمي الأعلى للإفتاء، ولا أخفيكم أنني فرحت بسماع كلامه في المسألة جوابا عن سؤال الشيخ التجكاني – حفظه الله- لما أعرفه عن الشيخ من تحقيق في العلم وبعد نظر في الفتوى قل نظيره في هذا الزمان، وكتبه ودراساته الفقهية شاهدة بذلك، فإذا تكلم في مسألة فهو النجم ولا نزكي على الله أحدا، وتعليقاتي اليسيرة على كلامه وكلام العلماء الآخرين الأخيار هي من قبيل الحاشية الفقهية التي يقال فيها لاعطر بعد عروس.

2-بنى الشيخ أيت سعيد فتواه في جواز صلاة التراويح خلف التلفاز ووسائل الاتصال الحديثة من خلال الاعتماد على قواعد الفقه والأصول المعتبرة و على منهج التخريج في فروع مالك، و علم التخريج من العلوم المهمة التي يعتمدها المفتون في الفتوى، (يمكن مراجعة كتاب جليل بعنوان التخريج عند الفقهاء والأصوليين دراسة تطبيقية تأصيلية.. ، للشيخ العلامة عبد الوهاب الباحسين).

فهذه القضية التي يتم مناقشتها قد جاء في مدونة ابن القاسم التنصيص على أصلها، وهو قول مالك بإجزاء الصلاة وجوازها خلف إمام بعيد من غير اشتراط لتمام الصفوف، مادام المأموم يمكنه سماع الإمام وهو المنصوص عليه في كلام العلامة خليل في مختصره، وهو مذكور في كلمة الشيخ فلتراجع.

ومقتضى الصناعة الفقهية في التخريج الفقهي الفروعي يقضي بصحة تخريج الشيخ أيت سعيد على قول المالكية.

ومن المعاصرين الذين تكلموا في المسألة الشيخ الحافظ أحمد بن الصديق الغماري في كتابه الإقناع بصحة صلاة الجمعة في المنزل خلف المذياع والشيخ العلامة الحنبلي عبد الرحمن بن سعدي وهي في مجموع فتاويه.

وقد كتب الشيخ هذا الكتاب في خصوص مسألة الجمعة بسبب ماحدث في مصر إذ كان الغالب على خطباء مصر ضعفهم في فن الخطابة فجرى الحديث عن صحة الصلاة خلف المذياع وهو مما اختلف فيه الفقهاء في مصر مع الشيخ أحمد بن الصديق الغماري (كالشيخ محمد بخيت المطيعي وآخرين) في ذلك الزمان، فكتب كتابه “الإقناع” يصحح القول بجواز ذلك واطرد قوله إلى الجواز مطلقا في سائر الصلوات.. ، أما الشيخ السعدي فنص على أنه لا دليل يمنع من الصلاة خلف من يمكن سماعه ولو حيل بين الامام والمأمون مسافة..(فتاوى الامام عبد الرحمن بن سعدي).

وقد قدم لكتاب الإقناع شقيق المؤلف عبد الله بن الصديق مؤيدا لفتوى أخيه من غير مجاملة في العلم، وأشار إلى تشنيع الكثيرين على فتوى الحافظ أحمد بن الصديق نظرا لقصورهم في توظيف القواعد الأصولية والفقهية على النوازل والحوادث المستجدة.

3- هذه المسألة تجرنا إلى الحديث عن عناصر القوة في الفقه الإسلامي، ذلك أن كثيرا من الأئمة تكلموا عن الفقه الافتراضي تأصيلا و تنظيرا وعلى رأسهم الامام أبو المعالي الجويني الذي يمكن اعتباره الواضع لهذا العلم، فكما أن علم الوضع والجدل فرعان من فروع أصول الفقه فكذلك علم الخلافيات والفقه الافتراضي يمكن عدهما من فروع علم الفقه، وقد ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح كلاما عن صحة الاحرام في السماء .. ذلك أن بعض الصوفية كان يزعم ذهابه إلى الحج عن طريق الطيران فذكر ابن تيمية أنه يلزمه الاحرام عند المرور من الميقات.. فكان قوله هذا معتمدا للفقهاء في مسألة الإحرام في الطائرة.

فقول الشيخ أيت سعيد بقدم المسألة هو باعتبار أصلها لاباعتبار عين المسألة وخصوصها.

4- استمعت كذلك باهتمام إلى فتوى الشيخين الجليلين العلامة الدكتور بن حمزة والعلامة الدكتور محمد الروكي ويمكن القول أنهما لم يحررا المسألة تحريرا علميا دقيقا، وإنما جنحوا إلى القول بالمنع احتياطا وسدا للذرائع.

وتعتبر قضية الايغال في سد الذرائع من المطبات الفكرية التي تسيطر على العقل الفقهي المعاصر والقديم، ذلك أن الفقهاء يبالغون في سد الذرائع منعا للفساد والقوع في المحظور، والحق أن الشريعة جاءت بالوسطية في كل قواعدها وأصولها.. فكما يجوز سد أبواب ذرائع الفساد فكذلك يجب فتح ذرائع المصلحة المعتبرة.. ، والاحتياط وسد الذرائع هو الذي غلب على فتوى الشيخين ، والكلام عن هذه الحيثية قد خصصناه بمقال غير هذا.

– ممايلفت انتباهنا في كلام الشيخين الجليلين أنهما يتكلمان عن هذه المسألة وكأننا في الوضع المعتاد حيث المساجد عامرة والحجر الصحي غير موجود وهذا ليس بسديد، وقد لوحظ ذلك جليا في كلامهما خوفا من أن يتخذ الناس ذلك ذريعة لترك الجماعات والمساجد.. مع أن الترك كان ضرورة، والحق أن الأمر ليس كما تصوروا، فكما أفتى علماء الأمة قاطبة بترك الجماعة درءا للوباء فكذلك المسألة تتعلق بنازلة صلاة التراويح التي تعد من أبرز مميزات الشهر الفضيل رمضان، حيث يتم الحديث عن مسألة جواز صلاة التراويح عن بعد خلف التلفزة والمذياع لأجل الحاجة والضرورة المفروضتان في وباء كورونا، فإذا ارتفع الوباء فلا غنى عن المسجد اتفاقا..

أما التعليل بكون هذه الصلاة فيها مظنة انقطاع البث وغير ذلك من الأمور التي قد تطرأ.. ، فنقول بأن الطوارئ قد تحدث في المسجد كذلك، ولطالما عايشنا انقطاع الكهرباء ومكبرات الصوت، وهي أوصاف طردية ملغاة لايمكن التعليل بها في منع الصلاة مادام يمكن رؤية الامام وسماعه مع الاتحاد في الزمن، ومدة التخلف الزمني يسير، فلا تعتبر والقاعدة الفقهية تقول ماقارب الشيء أعطي حكمه.

وإمكان رؤية الامام وسماعه متحقق عبر التلفاز، ولايشترط رؤية الامام فلو قلنا بشرطية الرؤيا لماصحت صلاة الأعمى والمصلي في السطح وخارج المسجد، وإذا انقطع البث فيتم الصلاة أو يقطع صلاته – إن شاء- لأنها نافلة.

– غاب عن مشايخنا الفضلاء أن كثيرا من الناس لايعرفون القراءة والكتابة ولايحسنون قراءة القرءان فضلا عن تجويده، ولذلك فمنعهم من الاتمام وراء إمام مجود للقرءان حسن الصوت غير سديد..، خصوصا أن النوافل يتوسع فيها بما لايتوسع في الفريضة طلبا لتحقيق مقصد التعبد، وقد كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه يشرب في صلاة القيام، وهو ما جعل الفقهاء يرون أنه يتوسع في النافلة مالايتوسع في الفرائض.

وفي عصرنا هذا فالأمر جد متيسر وواسع فيمكن بث صلاة التراويح والعشاء من مسجد من المساجد في البلد واتمام الناس خلفه لأنهم إن فعلوا ذلك تحقق فيها مجموعة من الأمور والمقاصد نذكرها على التوالي:

١-تحقق صلاتهم جميعا في الوقت(فوقت العشاء من الأذان إلى الفجر على الصحيح من أقوال الفقهاء وهو ترجيح العلامة الشتقيطي في أضواء البيان).
٢-أنهم يشاهدون الامام ويأتمون بصلاته وهو أدعى للخشوع .
٣-مظنة الانقطاع البث التلفزي نادر الوقوع بخلاف الاعتماد على الانترنت لاحتمال انقطاعها، ومع ذلك فهي تصح بالانترنت كما تصح بالتلفاز.
٤-أن الأمر فيه تحقق و تحقيق لمعنى الجماعة والاقتداء والاتمام بمعنى من المعاني.

ولذلك يمكن القول إن حجج الشيخين في منع الصلاة لا ترقى إلى قوة رأي الفقيه أيت سعيد، و أما قول الدكتور الروكي – حفظه الله- بأن الصلاة خلف التلفاز هو ائتمام بالتلفاز لا بالإمام فبعيد عن النظر، ولو قلنا بذلك لكانت الصلاة وراء الامام في المساجد الكبرى والصغرى اعتمادا على مكبر الصوت (الميكروفون) هي ائتمام بالمكروفون لا بالإمام، لأن الميكروفون هو السبب في نقل صوته وهذا قول بعيد وحجة لايلتفت إليها.

وأما دعوى بعض الفقهاء كالشيخ مولود سريري من أن أمر الصلاة خلف التلفاز من شأنه إحداث هيأة جديدة في الصلاة، فهذا أيضا بعيد لما أسلفنا ذكره، فالاقتداء والائتمام حاصلان ومتحققان في النقل عبر التلفزة.

5- صلاة التراويح سنة مؤكدة وقد سنها النبي صلى الله عليه وسلم ثم امتنع عنها خوفا على أمته أن تفرض عليهم، وقد قام عمر بجمع الناس على إمام واحد، فمن شاء صلى وراء الامام حتى يتم فيأخذ أجر قيام ليلة كاملة ومن شاء صلى في بيته وله فضل صلاة النافلة في البيت. ولابد أن نشير إلى أن الصلاة خلف وسائل الاتصال الحديثة معين على القيام موجب لترك الكسل عن القيام والختم. فمن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه، وهذا حكم،عام، فمن قام على أي هيأة فهو متعرض للأجر إن شاء الله تعالى.

وفي نازلة الوباء كورونا أرجو أن يكون المؤتم خلف الإمام قد حصل الأجرين معا:
-أجر صلاة نافلة التراويح جماعة في البيت.
-أجر الاستماع للقرءان عن طريق الصلاة جماعة خلف إمام البلد الذي يمكن مشاهدته وسماعه.

وقد أشرنا إلى أن نقل الصورة قد يتأخر ثواني معدودة وهو غير مؤثر لأن ماقارب الشيء أعطي حكمه. وهي من القواعد الفقهية المعلومة في الفقه الاسلامي.

-تحصل في هذه القضية مجموعة من الأقوال (صحة الصلاة خلف التلفاز والمذياع في الفرض و النفل مطلقا-صحة الصلاة خلف التلفاز والمذياع في النافلة دون الفرض وهو قول العلامة أيت سعيد – عدم صحة الصلاة خلف المذياع والتلفاز مطلقا وهو أضعف الأقوال حجة). وقد بلغني من بعض الأفاضل أن العلامة البويحياوي يوافق الشيخ أيت سعيد في فتواه والله تعالى أعلم.

7- وبهذه التعليقات اليسيرة يمكن القول: إن أسعد الأقوال بقوة الدليل والنظر المقاصدي هو قول شيخنا المقاصدي المحقق العلامة الدكتور أيت سعيد حفظه الله، بجواز صلاة التراويح خلف إمام البلد عن طريق التلفاز أو المذياع لمن شاء تحصيل أجر الجماعة و الاستماع للقرءان في شهر القرءان، ولأنه القول المخرج تخريجا علميا فروعيا صحيحا على مذهب إمامنا مالك الأصبحي رضي الله عنه وأرضاه وعلى قواعد الفقه والأصول المحررة، ومذهب مالك هو معتمد الفتوى في المملكة المغربية الشريفة حرسها الله وسائر بلاد المسلمين من كل وباء وبلاء.
هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم تسليما.
كتبه الدكتور حمزة النهيري غفر الله له ولوالديه ومشايخه وسائر المسلمين والمسلمات

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.