جمال البنا والتراث

دينبريس
2019-11-01T22:01:49+01:00
تقارير
دينبريس13 مارس 2013آخر تحديث : الجمعة 1 نوفمبر 2019 - 10:01 مساءً
جمال البنا والتراث
جمال البنا
جمال البنا
تنقية التراث ليست دعوة جديدة، ولم تأت من المستشرقين، وإنما هى دعوة قديمة استكشفها علماء وفقهاء أجلاء، أستشهد بواحد منهم، لأنه كان من أعلام الأزهر هو فضيلة الشيخ عبدالمنعم النمر، الذى دعا إلى ذلك فى مقال مسهب بمجلة «العربى» الكويتية (عدد أكتوبر سنة 1969) تحت عنوان «التفسير والمفسرون»، فبعد أن أشار إلى تفسير الطبرى، الذى عُد أفضل التفاسير وآثرها لدى الناس، وقيل عنه إنه لو سافر الإنسان إلى الصين لطلبه لما كان كثيراً، وبعد أن أشار إلى أن عصر الطبرى والاعتماد على الرواية وتَهَيُّب التفسير بالرأى فتح الباب واسعاً لدخول حشد هائل من الروايات غير الصحيحة، قال: «وجاء الطبرى، فحشدها فى تفسيره وكنا نحب ألا تنقل إلى ما بعد عصره وألا تحويها الكتب حتى تموت بموت من يحملونها، ولو تدريجياً، ولكن وجودها مع ذلك يعطينا جانباً من صورة الجو الفكرى، الذى راجت فيه رواجاً جعل الطبرى وأمثاله يعنون بتدوينها.
وإن ذلك يحملنا مسؤولية ضخمة هى «تجريد هذا التفسير وأمثاله من كل رواية غير صحيحة، سواء أكانت إسرائيلية أو موضوعة.. وإخراج الكتاب بعد ذلك للناس بريئاً من هذه العيوب.. ثم جمع كل النسخ الأصلية من الأسواق ووضع ما أمكن منها فى المكتبات العامة ويحظر الاطلاع عليها لغير الخاصة، كما يحظر نقل ما لم ينقل منها فى التجريد» (انتهى).

هل يستبعد أحد بعد هذا أن يكون للأزهر دور بارز فى العناية بالتراث؟!

أعتقد أن كل واحد يوافق بداهة على أن الأزهر هو أولى الهيئات بالدفاع عن الإسلام وتدعيم أصوله وتفنيد ما يوجه إليها من شبهات.

وقد صدر القانون رقم 103 لسنة 1961م بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها نصوصه، فألزم مجمع البحوث الإسلامية وحده بهذه المهمة، وحددت المادة (15) من القانون المشار إليه مهام مجمع البحوث الإسلامية وواجباته، حيث نصت على أن «مجمع البحوث الإسلامية هو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية وتقوم بالدراسة فى كل ما يتصل بهذه البحوث، وتعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسى والمذهبى، وتجليتها فى جوهرها الأصيل والخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفى كل بيئة، وبيان الرأى فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة، وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة».

والمادة (17) من اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه قد نصت على أن «يباشر المجمع نشاطه لتحقيق الأهداف المنصوص عليها فى القانون، وعلى الأخص ما يأتى:

1- البحث العميق الواسع فى الفروع المختلفة للدراسات الإسلامية.

2- العمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وتجليتها فى جوهرها الأصيل الخالص.

3- توسيع نطاق العلم بالإسلام والثقافة الإسلامية لكل مستوى وفى كل بيئة.

4- تحقيق التراث الإسلامى ونشره.

5- بيان الرأى فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية أو اقتصادية.

6- حمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

7- تتبع ما ينشر عن الإسلام والتراث الإسلامى من بحوث ودراسات فى الداخل والخارج للانتفاع بما فيها من رأى صحيح أو مواجهتها بالتصحيح والرد».

■ ■ ■

ولكن الذى حدث كان غير ذلك، فلم يهتم مجمع البحوث الإسلامية بهذه المهام، ولكنه ركز جهده فى إعادة طبع «جمع الجوامع» للسيوطى الذى كلفه قرابة مليون جنيه، ولم تشتر نسخة واحدة من النسخ التى ملأت المخازن.

وكان مما عهد إلى المجمع من مهام مراقبة طبع المصحف، والتثبت من أن كل طبعة سليمة من الأخطاء، خالية من الخطأ أو ما يمس قداسة المصحف.

ولكن تطرق إلى ذلك مراقبة الكتب عن السُـنة، بل والكتب التى تتناول موضوع الإسلام نفسه، ومن الواضح أن «مراقبة» المطبوعات وظيفة تختلف عن مهمة الدفاع عن الإسلام، وأنها إذا كانت لازمة بالنسبة للمصحف، فمن غير المعقول أن تراجع كل الكتب الإسلامية عن طريق المجمع.

فضلاً عما هو معروف، فإن حرية الفكر والتعبير حرية مقدسة وهى أحد حقوق الإنسان الأساسية، وأن الإسلام نفسه قررها مراراً وتكرارا.

بل إن المراقبة يمكن أن تكون ضد الدفاع عن الإسلام وتعريفه، لأن الحكم فيه لا يمكن أن يكون دقيقاً دقة الخطأ والصواب، وقد لا يفرق بين النقد السليم الذى لابد منه والإبقاء على الخرافة والأسطورة، وقد أدى ذلك إلى تكفير الدكتور حامد أبوزيد والتفرقة بينه وبين زوجته.. إلخ.

فى سنة 2008 قدم الأستاذ محمود رياض مفتاح، المحامى بالإسكندرية، دعوى يطلب فيها من الأزهر ومن مجمع البحوث الإسلامية تطهير كتب التراث، وبوجه خاص السُـنة، وقالت جريدة «الدستور» فى 27/4/2008 بالبنط الكبير «محامى الأزهر يتهم من يطالبون بتنقية كتب الأحاديث بأنهم أعداء السُـنة»، ورئيس المحكمة يرد عليه: «أعداء السُـنة هم الذين يمتنعون عن البحث عن الحقيقة»، وجاء فى الخبر أن الدائرة الأولى أفراد بمحكمة القضاء الإدارى نظرت القضية، وأن محامى الأزهر قال عن الذين قدموا الدعوى إنهم «أعداء السُـنة»، فرد عليه المستشار أحمد الحسينى، رئيس المحكمة: «أعداء السُـنة هم الذين يمتنعون عن البحث عن الحقيقة»، وشدد الحسينى على أنه على الأزهر أن يدرس كتب الأحاديث النبوية دراسة دقيقة، ويستبعد الأحاديث غير المسندة لراو موثوق به، مضيفاً أن الأزهر قد أنشئ من أجل ذلك.
وطلب الحسينى من محامى الأزهر ضرورة إحضار ما يوضح الجهود المبذولة من قِبَل الأزهر فى تنقية كتب الصحاح الستة من الأحاديث الدخيلة، إلا أن محامى الأزهر لم يتقدم بأى دفاع أو مستندات، الأمر الذى جعل المحكمة تؤجل الحكم فى الدعوى ثلاث مرات متتالية وتقرر تغريم الأزهر للامتناع عن الرد.

وقد ألِف الأزهر أن يندد بكل من يدعو لتنقيتها، ويرى فيه ــ كما قال مندوب الأزهر فى المحكمة ــ «عدواً للسُـنة».

فى سنة 2008 رفضت المحكمة ما قاله ممثل المجمع عن الذين يطالبون بتنقية كتب الحديث بأنهم «أعداء السُـنة»، ولكن المحكمة وافقت فى سنة 2011م على مذكرة المجلس، الذى قال فيها «لا نعرف أين الخلل والشوائب التى يزعمها بعض المخبولين، ويطلبون من الأزهر وشيخه ومجمع البحوث الإسلامية أن ينقى صحيح البخارى منها؟»، جازمة بأن كتاب البخارى (هو أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل)، مضيفة أن «إثارة الشكوك والشبهات حوله غرضها إثارة البلبلة والطعن فى الإسلام والسُـنة النبوية» (كما جاء فى جريدة التحرير اليومية فى 16/9/2001م).

هذا رغم أن الأستاذ مفتاح أرفق فى دعواه صوراً ضوئية لصفحات من البخارى يروى فيها قصة القردة الذين كانوا يقيمون حد الزنى ــ الرجم ــ على قرد زان، وصفحات من كتاب «تحفة الأحوذى بشرح جامع الترمذى» جاء فيها «كانت امرأة تصلى خلف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حسناء من أحسن الناس، وكان بعض القوم يتقدم حتى يكون فى الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون فى صف المؤخرة فإذا ركع نظر من تحت إبطيه، فأنزل الله تعالى «وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ»، وقدم كذلك صوراً لصفحات من كتاب ابن ماجة عن عائشة أنها قالت «نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كانت فى صحيفة تحت سريرى، فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجن، فأكلها».

يا صاحب الفضيلة الإمام الأكبر.. لماذا لا تريح الأزهر من هذه المهمة التى لا يُحسد عليها أحد، مهمة مراقبة الفكر، وأن يكون المجمع بوليساً للآداب؟ هل تعلم أن لدينا والأزهر قضية تعود إلى عام 2008م، عندما رأى أن يُراجع خمسين كتاباً من كتبنا قد طلبتها مكتبة كويتية، وعندما طلبت الشركة الناقلة إذن الأزهر استبقى الكتب لديه، ولما رفعنا دعوى رد المجمع بأنه نظر فى عدد منها وصرح به، ونظر فى عدد آخر وأمر بعدم نشره، ولايزال أمامه عدد آخر لم ينظر فيه، فهل هذا كلام.. أن يتولى الأزهر مراقبة الكتب التى تعالج أى جانب من جوانب الإسلام عندما تخرج هذه الكتب للتصدير أو عندما تدخل للاستيراد ويصبح الأزهر مراقب استيراد وتصدير، وقبل هذا فى سنة 2004م رأى أحد علماء المجمع عدم التصريح بنشر كتابنا «مسؤولية فشل الدولة الإسلامية فى العصر الحديث»؟

وأبشركم بأننا قد قمنا بما تمناه الدكتور النمر من سنة 1969م، فقمنا بــ«تجريد البخارى ومسلم من الأحاديث التى لا تلزم»، وهذه الأحاديث التى لا تلزم بلغت قرابة 600 حديث.

المصدر: موقع جمال البنا

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.