موقف الإسلام من تعنيف الأطفال

عبد السلام أجرير
2019-11-02T12:19:21+01:00
آراء ومواقف
عبد السلام أجرير3 يوليو 2017آخر تحديث : السبت 2 نوفمبر 2019 - 12:19 مساءً
موقف الإسلام من تعنيف الأطفال

عبد السلام أجرير
عبد السلام أجرير
الإسلام اسم على مسمى، فالإسلام من معانيه “السلام والسلم”، واسم الشيء ينبغي أن يعكس جوهره وكنهه، وهذا ما نجده في الإسلام. فهذا الإسلام يتنافى مع الإكراه والقهر والعنف. بل الدخول في هذا الدين بغير رضا وبغير طواعية لا يجعل الداخل إليه مسلما بتاتا. وهذا الدين لا يجيز إكراه الناس على الدخول فيه، فقد قال تعالى: {لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي}. [البقرة: 256].

فإذا كان الإسلام في اسمه وجوهره لا يتوافق مع الإكراه والقهر، فهل يجيز “العنف” مع الأفراد؟ وخصوصا مع الأطفال؟

* العقوبات شريعة كل مجتمع:

لقد كان العنف في المجتمعات البشرية –ولا يزال- سبيلا من سبل التأديب والعقوبة لمن يستحقها، هذا العنف يبدأ من العنف المعنوي البسيط ليصل إلى درجة إزهاق الروح وقتل النفس. والإسلام كدين منظم لحياة الناس وموجه لسلوكهم لم يحرم العقوبات والجزاءات، وإنما وضعها في محلها وألصقها بمن يستحقها، فقد أصّل للحدود والقصاص والتعزير بقواعد مضبوطةٍ بها يصلح المجتمع وتنمو الحياة. وهذه الحدود والعقوبات لا تمثل في الفقه الإسلامي إلا نحو الخمسة بالمائة مقارنة مع باقي أقطاب الشريعة الأخرى، مما يدل على أن معظم الشريعة اهتمت بشؤون المعاملات والعبادات الأخرى أكثر من العقوبات؛ أي أن العقوبات طارئة وليست هي الأصل.

ولهذا فإن من يحصر الشريعة في الحدود والعقوبات نقول له قد جعلت من القلة حاكمة على الأغلبية، وهنا مخالف لكل الأعراف الدولية.

والذي يهمنا في هذا الموضوع ليس الحديث عن العقوبات في الإسلام بصفة عامة، وإنما هذا من باب التوطئة، ولكن يهمنا تلك العقوبات التي قد تمس الأطفال، فهل الإسلام يسمح بها ويجيزها؟ وإذا أجازها فهل قننها أم تركها بدون ضوابط؟

* العنف قسمان:

إن العقوبة أو “العنف” تنقسم إلى قسمين: عنف مادي وعنف معنوي. ولا يقل الأخير في الوقع والتأثير عن الأول، بل قد يكون أخطر منه. وطالما أن موضوعنا مقيد ب”موقف الإسلام من تعنيف الأطفال”، فإنه وجب من الناحية المنهجية- أن نستعرض بعض النصوص الدينية المتعلقة بالموضوع.

وقبل ذلك لا بد من التنبيه إلى أن الإسلام لم يسم عقوبة الأطفال عنفا، بل سماه أدبا أو ضربا إذا كان مصادفا لمحله. والتأديب يحمل معنى لطيفا، وأقل حمولة من العنف والتعنيف.

* وهذه أهم النصوص الدينية التي تشرع للضرب والتأديب:

– النص الأول: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»i. وفي بعض طرق هذا الحديث جاء: «وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِثَلَاثَ عَشْرَةَ«ii.
– النص الثاني: قال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ»iii.
– النص الثالث: سُئِلَتْ عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما عَنْ أَدَبِ الْيَتِيمِ، فَقَالَتْ: «إِنِّي لَأَضْرِبُ أَحَدَهُمْ حَتَّى يَنْبَسِطَ»iv. أي: يعتدل حاله وينعدل.
– النص الرابع: عن أبي بردة الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا يُجلدُ أحدٌ فوق عشرةِ أسواط إلا في حد من حدود الله»v.

* الملاحظات على هذه الأحاديث:

قبل ذكر الملاحظات على هذه الأحاديث لا بد من التذكير بأن هناك نوعا من الأطفال لا يثنيهم عن التمرد والسلوك السيئ إلا الضرب، وهم قلة في حياتنا لحسن الحظ، ولكن يبقى وجودهم حاضرا، فمن سوء التدبير أن تزيل المنظومات التربوية التأديب بالضرب، بل هو عنصر حاضر في التأديب لعناصر خاصة من الأطفال، لكن بشروط معلومة سوف نذكرها.

وإذا نظرنا إلى المؤسسات التربوية –على سبيل المثال- في الدول المتقدمة في مجال حقوق الإنسان والطفل كأوربا وأمريكا… نجدها لا زالت تحافظ على التأديب بالضرب غير المبرح في المؤسسات التعليمية الأولية ولا زال الأمر معمولا به إلى اليوم.

والإسلام لم يحرم ضرب الأطفال في التربية والتأديب، ولكن قننه وضبطه وضيق عليه. وهذا ما سيظهر لنا قريبا.

إن هذه الأحاديث المذكورة آنفا تثبت بصريح العبارة جواز ضرب الأطفال من أجل التربية والتأديب، ولكن هذا الضرب ليس على إطلاقه. وهذا ما سأعرض إليه في هذه الملاحظات:

 

حديث ضرب الطفل على تركه للصلاة إذا بلغ سن العاشرة، وهو الأصل في هذا الموضوع، فيه آداب عظيمة، ومن يقف عند لفظ “الضرب” فقط، كمن يقف عند {فويل للمصلين}.

فقد أخبر النبي عليه السلام أننا نأمر أطفالنا بالصلاة؛ والصلاة هنا رمز للتربية الحسنة، وعنوان لكل صلاح؛ لأنها عمود الدين، وذِكْرها في الحديث من باب ذكر الأهم، وإلا فكل عبادة وخلق حسن وجب على الآباء أن يعلموه أبناءهم. والأمر بالصلاة يبدأ مع الطفل منذ أن يبدأ في التمييز، وهذا يكون في السنوات المبكرة، وخاصة في سن السابعة. ثم تستمر التربية الحسنة من قبل الأب حتى يصل الطفل إلى سن العاشرة.

والمفروض أن الطفل إذا وصل إلى العاشرة يكون قد تعلم الآداب الواجبة، وهذا يتطلب عدم التقصير من الوالدين والمربين، فإذا كان ذلك كذلك وكان الطفل من النوع الذي يحتاج بين الفينة والأخرى إلى الضرب، وكان الضرب فعلا يُردعه ويرد إليه رشده من خلال التجربة، جاز للوالد ضربه كما في الحديث.

* شروط الضرب والتأديب:

ولكن ضرب الطفل وتأديبه له شروط شرعية، وهذه أهمها:
1- الضرب -كما يقول العلماء- لا ينبغي أن يكون أول الآداب ولا مبدأ التأديب، بل هو مثل الكيّ، وآخر الدواء الكي. فهو اضطرار وليس اختيار.
2- لا يُضرب الطفل ولا يعنف على الأمور التافهة، أو حتى على الأمور الدنيوية التي يمكن تعويضها، وإنما الضرب ينسحب على الأمور العظيمة كترك الواجبات الشرعية عمدا مثل الصلاة.
3- لا يُضرب الطفل على العبادات والواجبات ونحوها حتى يصل إلى سن العاشرة، وهذا منطوق الحديث، فلا ينبغي أن يضرب قبل هذه السن على الأمور الشرعية. جاء في كتاب: “مواهب الجليل” للشيخ الحطاب المالكي: «وأما العقوبة فبعد العشر»vi.
بل في بعض الروايات أن الضرب على الصلاة يكون في الثالث عشرة، كما في بعض طرق هذا الحديث، وهذا ينبهنا إلى أن العقوبة لا تكون إلا من باب تنبيه الغلام أو الفتاة على أنهما قد وصلا سن البلوغ الذي سيحاسبا فيه على المخالفات الشرعية، فيكون هذا الضرب تنبيها لهما على ذلك، وليس انتقاما منهما.
والطفل غير البالغ لا يحسن ضربه على ترك الواجبات الشرعية؛ لأنه غير مكلف بها، ولا يصير مكلفا حتى يبلغ. والطفل غير البالغ مكلف بفعل المندوب وترك المكروه، غير مكلف بترك الحرام وفعل الواجب.
4- ومن الشروط تجنب ضربه أمام غيره؛ لأن ضرب الطفل أمام غيره -وخصوصا أمام طفل مثله- يحرجه ويسيء إليه، فلا ينبغي أن يضرب أمام غيره؛ لأن فيه عقوبة نفسية زائدة غير مقصودة ولا مشروعة.
5- وجوب تبيان سبب ضربه؛ لأن ضرب الطفل دون أن يعرف جُرْم ما ارتكب فيه إهدار واستهتار، فالغاية من العقوبة هي التأديب والتربية وليس حب الإيلام والتعنيف. ويجب على المربي أن يوصل رسالة للطفل يعلمه فيها بأنه ما ضربه رغبة في الانتقال، وإنما في التأديب وتهذيب أخلاقه.
6- قلنا إن الضرب ليس هو الأصل في التربية، بل هو فرع احتيج إليه مع نوع خاص من الأطفال، ولذلك يبقى الأصل هو التربية بالتي هي أحسن حتى مع هذا النوع الذي لا ينزجر إلا بالضرب، فالطفل الذي يضربه أبواه بانتظام لا يستشعر حب والديه، ويفقد جانب الحنان فيهما، فيتولد لديه جنوح عنهما ورغبة في التخلص من مراقبتها وسلطتهما، فالضرب إذا حصل ينبغي أن يكون نادرا لا متكررا.
7- ومن الشروط أيضا وجوب تجنب الضرب المبرح الذي يترك الآثار في الجسد، ويُرعب الطفل، فهذا عنف محض، لا يجوز، وليس بتأديب. فقد نهى عليه السلام أن يُضرب الإنسان على الوجه كما مر معنا في الحديث. وقد قاس العلماء على الوجه كل الأماكن الحساسة، فكلها لا يجوز الضرب عليها.
8- وقد ذهب بعض السلف إلا التشديد في عدم الضرب، وأنكر التعنيف في التأديب. فيُروى عن سعيد بن جبير، أنه كان يقول: «من ضرب مملوكا له ظلما أُقيد منه يوم القيامة». فقال له السائل: يا أبا عبد الله، الرجل يضرب ولده ويضرب أخاه يريد أن يقيمه! قال: «إن الله لا يخفى عليه المفسد من المصلح»vii. يريد أن صلاح الأبناء توفيق من الله، وفسادَهم خذلان منه تعالى.

* خاتمة:
وخلاصة الأمر أن جنس الطفل نوعان: طفل يردعه التأديب بالضرب أكثر من التأديب اللفظي (وهذا النوع قليل جدا)، وطفل يؤثر فيه مجرد التخويف والتأديب المعنوي، (وهذا هو الغالب في الأطفال). وعلى هذا –وعملا بقاعدة “أن النادر له حكم الغالب”- نقول إن الضرب لا ينبغي أن يُستعمل في التربية والتأديب رأساً، ولا يُصار إليه إلا في الحالات النادرة. ويبقى التأديب بالترغيب والترهيب المعنوي أهم سبل التربية.

ولا بد من التنبيه هنا إلى أن صلاح الآباء والمربين فيه بركة عظيمة، تظهر –ولا شك- كرامتها في صلاح الأبناء. فأول باب من أبواب التربية والآداب هو أن يكون المربي صالحا وقدوة حسنة، فإذا كان كذلك فإن الله يعينه على تربية أبنائه. فقد تواتر عن النبي عليه السلام أنه ما ضرب ولدا له ولا غلاما ولا عنفهم ولا أغلظ لهم في القول. ويشهد لهذا حديث أنس المشهور، قَالَ: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا أَعْلَمُهُ قَالَ لِي قَطُّ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ وَلَا عَابَ عَلَيَّ شَيْئًا قَطُّ»viii.
والله الهادي إلى الصواب

{jathumbnail off}

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.