مقاربة فلسفية لمفهوم الدستور عند أرسطو (2)

خديجة منصور
2020-06-15T08:42:14+01:00
آراء ومواقف
خديجة منصور27 فبراير 2020آخر تحديث : الإثنين 15 يونيو 2020 - 8:42 صباحًا
مقاربة فلسفية لمفهوم الدستور عند أرسطو (2)

خديجة منصور

أطلق اليونان مفهوم السياسة على النظام السائد داخل المدينة الدولة، معتبرين أن هذا النظام تحكمه قواعد وقوانين، ينطبق عليها اسم السياسة، إذن فالسياسة هي مجموعة القوانين المتحكمة في العلاقات السائدة داخل المجتمع بمعنى آخر هي الدستور.

فكلمة السياسة عموما تعني الدستور، استعملها القدامى في مقابل كلمة القانون، فعندما تناول اليونان علم السياسة فيما يخص المجتمع أصبح العلم بين أيديهم بنوع خاص وبصورة مؤكدة، علما أخلاقيا، فكان أرسطو يرى أن الدستور هو الدولة، فهو هيكل تشريعي.

تحيل كلمة الدستور في اللغة العربية بالضم النسخة المعمولة للجماعات، فهي جمع دساتير، أقر الشعب دستور البلاد أي قانونها الذي يحكم سلطات البلاد ونظام الحكم فيها وقواعدها الأساسية وتشريعاتها، أما في اللغة الفرنسية والإنجليزية Constitution وتعني باللاتينية التأسيس والإنشاء والتكوين.

ويعرف أرسطو الدستور: “هو تنظيم مختلف الهيئات القضائية في المدينة وبشكل خاص تلك التي تضمن السلطة السياسية في كل مكان، وفي الواقع، الحكومة تمتلك السلطة العليا في المدينة، ومن هنا الدستور هو الحكومة “(1)، هذا التعريف يستند على فكرة أن الدستور يتعلق مباشرة بالتنظيم وفصل السلطات السياسية داخل المدينة مشبها الحكومة بالدستور. وقد عرض أرسطو دستوره الجديد من خلال مؤلفه “دستور الأثينيين” بين سنتي 325 و328 ق.م، فهو مرجع مهم في الفكر الفلسفي اليوناني، حيث قسمه إلى بابين، الباب الأول تضمنت فصوله الأربعة الأولى تاريخ دستور الأثينيين منذ العهود الأسطورية الملكية إلى أيام الجمهورية الأولى الارستقراطية، فالجزء الأول من الكتاب هو عبارة عن حقبة تاريخية للأحداث التي لحقت النظام السياسي وأنظمة الحكم إلى عودة الديمقراطية، أما الباب الثاني تناول فيه أرسطو الدستور كما عاصره هو بعرضه للدستور والنظام السياسي والإداري والقضائي بأثينا.

وقد حاول أرسطو وضع تعريف محدد للدستور “إذ ينبغي أن توضع الشرائع بالنظر إلى الأحكام السياسية – وكل الشرائع توضع على هذا النحو – لا أن توضع الأحكام السياسية بالنظر إلى الشرائع، لأن السياسة نظام الدول، يتناول كيفية توزيع السلطات، ويحدد السلطات السياسية العليا، وغاية كل مجتمع، والشرائع المميزة عن القوانين (الأساسية) الدالة على نهج السياسة، هي التي يجب أن يحكم بموجبها وأن يردعوا بمقتضاها كل من تجاوزها “(2)، فيوضح بتفصيل أرسطو أن الدستور يتعلق بالتنظيم داخل “المدينة”.

يقر أرسطو بسيادة القانون باعتباره معيارا ونظاما صالحا ونابعا من تطبيقه لأحكام القانون، ” فالقوانين الصالحة تكون في الدساتير الصالحة، والقوانين الفاسدة تكون في الدساتير الفاسدة، بمعنى أن أساس النظام الصالح هو النظام الذي يطبق حكم القانون”(3). فسيادة القانون أساس نجاح أي نظام سياسي، وهذا ما يضمن للدولة الاستمرارية وضمان الحقوق الفردية والاجتماعية للمواطنين، “أنه خير سبيل لضمان الحريات والمحافظة عليها، فالحكومة الدستورية تتماشى مع كرامة الرعية ومع عزتهم “(4)، إذن فالقوانين الدستورية هي التي تحدد مسار الدولة. وقد جاء اهتمام أرسطو بالقوانين من خلال كتابه الخطابة، حيث أوضح فيه طرق تعلم فن المرافعة أمام القضاء وتحدث خلالها عن القانون الطبيعي والقانون الوضعي والحالات التي يمكن أن يعتمد فيها القاضي القانون الأول على الثاني، مؤكدا أنه على القاضي أن يصدر أحكامه تاركا أفكاره جانبا، لأنه لا يملك الحق في تغيير القانون .

وقد عرض أرسطو ثلاث سلطات سياسية في المدينة، يقول “إن الأحكام السياسية كلها تنطوي على ثلاثة عناصر، لابد للمشرع الحصيف من أن ينظر في كل ما يلائم كلا منها، وإذا ما طابت حال تلك العناصر طابت حال السياسة حتما، والسياسات بتباين تلك العناصر، فأحد هذه العناصر هو مجلس الشورى الذي ينظر في الشؤون العامة، وثانيهما هو الهيئة الحاكمة: أي الأشخاص الذين تناط بهم السلطة والصلاحيات التي يخولونها، وطريقة انتخابهم، وثالثها هو مجلس القضاء”(5)، فيوضح أرسطو أن “مجلس الشورى ” الذي يرتبط بالسلطة الاستشارية توكل له مهام النظر في أمور الحرب والسلم، والإعدام والنفي ومراقبة الأحكام والتشريع، وغير ذلك.

أما السلطة الثانية، فهي التنفيذية، ويمثلها مجموعة من الأفراد المرتبطين بالحكومة الأرستقراطية (المثقفين ) في الحكومة الأرستقراطية، ومجموعة من الأغنياء في الحكومة الأولجاركية والأحرار في الدول الديمقراطية، أما من حيث العدد، فهم أقل في الأولى والثانية، وأكثر في الثالثة أي في الديمقراطية “(6). وآخرهم السلطة القضائية أو مجلس القضاء والقضايا التي تعالجها، ومن يشرف عليها…(يتبع)
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ اسماعيل زروخي :دراسات في الفلسفة السياسية ،دار الفجر ،القاهرة ،ط1،2000،ص 78
2 ـ أرسطو : السياسة ،تر ،أحمد لطفي السيد ، الهيئة المصرية للكتاب ، القاهرة ،دط 1979،ص 310
3 ـ بارك أرنست : النظرية السياسية عند اليونان ،ج2،تر لويس اسكندر ،مؤسسة سجل العرب ،القاهرة ،دط 1992،ص78
4 ـ الكفوي :أبي بقاء أيوب بن موسى الحسيني:الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية ،تحقيق عدنان دروسيه ،محمد المصري ،مؤسسة الرسالة ،بيروت، ط2،1998،ص 228
5 ـ المصدر نفسه،ص 159
6 ـ أرسطو : السياسة ،تر لطفي السيد ،مصدر سابق ،ص 223

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.