هل انتصرت الدولة على الربيع العربي

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري11 أكتوبر 2021آخر تحديث : الإثنين 11 أكتوبر 2021 - 10:10 صباحًا
هل انتصرت الدولة على الربيع العربي

بقلم: محمد علي لعموري
كلمة “الإستثناء المغربي” كلمة مغربية لكن لها دلالات الخصوصية، وحتى هذه الأخيرة ترفعها جهات محافظة كفزاعة لوأد كل حركة للتغيير، فالتغيير بالنسبة لهم جديد، والجديد يحمل في طياته ركن البالي في الرف، ولعل كلمات وازنة من تلك التي يرفعها الناس كشعارات إنما الغرض منها إما الحماسة أو إفزاع الناس.

لا نجانب الصواب إذا ما قلنا أن الدولة المغربية ضاربة في القدم، لها قرون بتقاليدها الصارمة، وطقوسها الثقيلة، حتى ليبدو للملاحظ الثاقب أن الدولة لا تواكب التطور، وهذا كان عقيدة الأمس القريب مع حركات التحرير المنبثقة سواء من الشعوب أو من الجيوش من خلال سلسلة الانقلابات التي حاقت بملكيات هشة.

قيل الكثير عن الملكية بالمغرب، وتعرضت لمحاولات الإطاحة بها، سواء من خلال انتفاضات جامحة كان وراءها تيار يتبع فكرا وعقيدة للمعسكر الشيوعي والاشتراكي في العالم، يومها كان ذلك “موضا” في حرب الخلاص من الأنظمة الموسومة تجنيا بالمحافظة، وكانت الملكيات بالعالم العربي معنية بهذا الوصف وبهذا الاستهداف.

انتصرت الدولة المغربية أواخر الثمانينات على هذه العقيدة لأن شرعيتها كانت أقوى من حيث التأثير والاقناع، ما دام الشعب يميل بالفطرة إلى ثقافته الدينية الراسخة منذ قرون.
لكن هذه الثقافة الأصيلة لم تسلم من الاختراق من جنسها المتطرف الذي كانت تمثله تيارات الإسلام السياسي والتي نشطت وتغولت لتصبح صوتا مسموعا بالعالم الإسلامي والعربي، خاصة بعد النكسة، وهزيمة العرب أمام إسرائيل ، وتراجع العقيدة القومجية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس ردحا من الزمن.

هكذا وجد الإخوان المسلمون طريقهم نحو الشباب العربي الذي نشأ مع الهزيمة العربية، وتطلع إلى التغيير من باب شعار “الإسلام هو الحل”، وهو شعار يختصر هدفا أسمى نابعا من عقيدة متخيلة مفادها إعادة إحياء “دولة الخلافة”.

كانت تجربة سقوط شاه إيران، وقيام دولة الخميني بإيران كأنها النموذج الناجح للثورة حتى لو كانت شيعية المذهب والعقيدة.

ومنذ الثمانينات، والدولة المغربية تغازل الإسلام السياسي، وتتحالف معه ضمنيا بعد أن منحته الحظوة داخل أسوار الجامعة لدحر الفكر الماركسي اللينيني الذي يحمل فكرا إلحاديا حسب توصيف السلطة.

بل أكثر من هذا فقد عمدت الدولة إلى إدماج تيار مهادن منهم في اللعبة السياسية لأن رموزه كانت مقربة من السلطة وتمضي في اتجاهها مثل عبد الكريم الخطيب وعبد الاله بنكيران، في حين تم حظر التيار الراديكالي الذي كان يتزعمه عبد الكريم مطيع والذي كان وراء اغتيال الزعيم الإتحادي عمر بنجلون.

أما جماعة العدل والإحسان الرافضة للديمقراطية وللبعد الحداثي للدولة فقد خضع زعيمها الراحل عبد السلام ياسين للإقامة الجبرية وتعرضت رموزها للإعتقال والرقابة الاستخباراتية.

هكذا ظل التعايش بين الدولة والإسلام السياسي، غزل ذكي من الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يسميهم بالوقود الخصب، وتحجيم ممنهج لقص أجنحتهم المتطاولة، وإدماج حذر لتيار تابع للسلطة في اللعبة الديمقراطية.

بل إن بعد نظر الدولة كان حصيفا بعد احداث 16 ماي من عام 2003، تلك التي اهتزت لها مدينة الدار البيضاء وراح ضحيتها العشرات من المغاربة، إذ كانت هناك مطالب حزبية لحظر حزب العدالة والتنمية الذي وجد نفسه يحمل قبعة الاسلام السياسي، ويحمل نفس الفكر الإسلاموي الذي يحمله شباب مغمور مغرر به نفذ تلك العملية النكراء.

لم تحل الدولة الحزب الإسلاموي، لكنها ظلت تراقبهم ومررت ضدا عن رغبتهم قانون مكافحة الارهاب في البرلمان، والذي ظل معمولا به إلى اليوم.

الدولة المغربية وبعد سنوات وبالتحديد في عام 2011، ستصحو على انتفاضات عربية انطلقت شرارتها من تونس لتندلع في مصر وتنتشر في باقي البلاد العربية كليبيا وسوريا واليمن..الخ

وقتها كان لا بد من الانحناء للعاصفة لكن بذكاء عقل الدولة الراسخ في الحكم وإدارة الأزمات والقادر على التعامل مع المفاجآت بحنكة وتبصر.

أعلن الملك محمد السادس في خطاب موجه إلى الشعب نيته إجراء تعديل دستوري وإجراء انتخابات سابقة لأوانها، وهكذا صعد الإسلاميون إلى الحكم لأول مرة مستفيدين من “الربيع العربي” الذي أطاح بأنظمة عربية عاتية، فكان لا بد للدولة من أن تتعايش مع الواقع الجديد ولو إلى حين.

مرت الولاية الأولى والتي ترأسها عبد الإله بنكيران وكلها محاولات لنيل رضا القصر وبعث الرسائل المشفرة إلى الجهات المقربة من مربع الحكم والتي تحاول شيطنة فترة حكم الاسلاميين في أول تجربة لهم في إدارة الشأن العام، وكانت الدولة تتوقع سقوطهم عام 2016، فتكفل حزب جديد ظهر إلى الوجود لمواجهة الإسلاميين هو “الأصالة والمعاصرة” الذي أعطيت له كافة الإمكانات لإسقاط الإسلاميين لكن النتائج في انتخابات 2016 كانت لصالح حزب العدالة والتنمية، ولربما لم تكن الظروف وقتها مهيأة تماما لجعلهم ينهزمون، فقد كان بنكيران ذا خطاب مؤثر على الشعب، والدولة أدركت أن النتيجة الديمقراطية قد قالت كلمتها وأعطت للعدالة والتنمية فرصة ثانية، لكن كان على بنكيران أن يتنحى عن رئاسة الحكومة فجاء “البلوكاج الحكومي” الذي أزاح بنكيران وجاء بسعد الدين العثماني الذي انحنى للعاصفة وشكل حكومة بدون تلك الشروط التي اشترطها غريمه بنكيران.

ولاية العثماني كانت حافلة ببعض المحطات التي جعلت الشعب يمقت حزب العدالة والتنمية ويلفظه باعتباره أصبح عبءا ولم يقم بالدور المنوط به، بل إنه أحرق كل أوراقه حين جاءته الضربة القاضية بتوقيع رئيس الحكومة لاتفاق التطبيع مع اسرائيل بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

هكذا مررت في عهد الاسلاميين أخطر القرارات وتزامن ذلك مع جائحة كورونا التي قلصت من هامش الحريات، وتضررت من تبعاتها فئات عريضة.

في المقابل برزت الدولة راعية لشؤون الشعب وأنها هي التي دبرت المرحلة باقتدار في شخص وزارة الداخلية والجيش ووزارة الصحة.

هكذا وفي 8 شتنبر كان إسلاميو الحكم على موعد مع تصويت عقابي أجهز على وجودهم في البرلمان بعدد هزيل من المقاعد لا ترقى إلى مستوى تشكيل فريق برلماني !

هكذا انتهت أسطورة الإسلاميين التي أبانت تجربتهم الحكومية أنهم كانوا أصحاب خطابة ووعود ولم يكونوا رجالات دولة كما كان يأمل فيهم الشعب حين صوت عليهم ذات ” خريف عربي”.

فبعد سرد هذا المسار وباختزال متعسف هل يحق لنا أن نقول أن الدولة اليوم قد انتصرت على الربيع العربي أم انتصرت على الإسلام السياسي؟

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.