من فجائع المكتبات الفاسية (1)

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس21 مارس 2021آخر تحديث : الأحد 21 مارس 2021 - 8:16 صباحًا
من فجائع المكتبات الفاسية (1)

د. حمزة الكتاني
من فجائع المكتبات الفاسية، وأخص فاسا بالذكر لأنها قاعدة بلاد المغرب، ووريثة الأندلس في كل شيء، وهي عمدة المغاربة في العلم، ومن جامع القرويين كانت تنتج جميع أطر البلاد من الملك فمن دونه، وبها كان سدنة الهوية المغربية، غير أن البحر طم على الوادي، وأصابها الهرم بعد الشباب، ولا حول ولا قوة إلا بالله…

وأعرف أن هذا الموضوع حساس، وسيجر علي انتقادات، ولكن أجد من الخيانة العلمية والتاريخية عدم التصريح به، ولا أبرئ من هذه الآفات والمصائب بيتا من بيوتات العلم بفاس، كان كتانيا أو سوديا، أو فاسيا، أو صقليا، أو عراقيا، أو بنانيا، أو غير ذلك، إلا أفرادا قلائل انتصبوا لحفظ بقية التراث من الضياع..

أقول من ذلك ما أخبرني به بعض الفضلاء من أهل العلم، في رسالة أرسلها له أحد أبناء جامعة القرويين ممن لهم عناية بالعلم والكتاب وتاريخ هذه العاصمة الجريحة، قال ما نصه مع بعض التعديل والاحتصار:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سيدي خزانته – العلامة مولاي إسماعيل الإدريسي القيطوني، آخر قضاة فاس – بحق كانت مجلداتها تنوف على الأربعين ألف مجلد، وقد رأيتها مبسوطة في الأرض مثل الزرابي، وقد ضاعت كلها بعدما سرق منها بعض أقاربه ومن يدعون له المحبة، إضافة إلى آلاف الوثائق والنوازل القديمة التي ما تجمعت عند غيره.
فسبحان الله – سيدي – لا يمر علي يوم في المطالعة إلا وأطالع أسطرا من مآسي هذا البلد الغريب الأطوار من القديم، والله – سيدي – لو أردت أن أحدثك بعجائب الخزائن العلمية لدخلك الشك في كلامي، ويكون العذرُ التام لكل مَن شك في كلامي؛ لأن هذا الاهمال مبالَغ فيه:

فخزانة العلامة مولاي أحمد العمراني (حافظ مدينة فاس ومحدثها) فاض عليها الماء في سرداب بيته، فضاعت تآليفه.

وخزانة العلامة سيدي أحمد بن الجيلالي الأمغاري (شيخ الجماعة في وقته) الأولى التي كانت بداره بحومة العشابين، بدرب سلمى، التي ضاع جلها، وآل بعضُها إلى مِلك حفيده سيدي عبد الهادي اليعقوبي.

وقبله خزانة سيدي أحمد ابن الخياط (شيخ الجماعة في وقته) التي تشبث بها أبناؤه وأحفاده، ولا زال بعضها إلى الآن عند حفيده الطيب وقد مات.

وخزانة العلامة المفتي؛ سيدي الغالي العمراني، الذي هو من طبقة العباس بناني، أحرِقت كتبه؛ لأنها كانت في بيت كبير في السطح، وتُحيط بها مرايا كبيرة، فانعكست الشمس على المرايا، فأحرقت الخزانة.

وخزانة الفقيه سيدي محمد الشدادي، وهو من طبقة سيدي عبد الله كنون، بعد وفاته بأربعين يوما؛ جمع أبناءؤه الكتب في صناديق، وأعطوها لصاحب ”الفرّان”!!!.

وخزانة الشيخ سيدي عبد العزيز الجاي؛ دفنها أولادُه في بلادهم الكائنة بالحياينة، واد اللبَن، بنية التبرك بتلك العتبة، وأنها مادامت مدفونة والبركات تتوارد عليهم، حسبما أخبرني بذلك حفيده.

وخزانة الفقيه العلامة العربي الشامي التي لا تزال إلى الآن في رياضه بحومة بوعجّارة، محرّمة على أهل العلم، متاحة للنصارى، ومن يزور رياضهم.

وخزانة العلامة محمد (فتحا) السرّاج، الذي كان من نبهاء سُراد مولاي عبد الله الفضيلي (وهو من بيت السراج الغرناطيين الذين توارثوا العلم منذ نحو ثمانمائة عام وتزيد) ضاعت بسبب الإهمال.

وخزانة الفقيه سيدي الماحي ابن سودة، الذي هو ابن عمة العلامة سيدي إدريس العراقي، في قمة الإهمال.

وخزانة سيدي عبد الكريم الداودي التي هي مَرْعى الفئران وكأن الخزانة حُبّست عليهم، لا ينازعهم في ذالك منازع.

…وغيرهم ممن يعدون بالعشرات، وكلهم نصب عيني الآن والأمر لله من قبل ومن بعد .

وعليه – سيدي – فهذه مؤامرة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، شارك فيها الخصم والحكم، وسيحاسب عليها الأولون والآخرون، ويسأل عنها الوالد وما ولد، فالعجب كل العجب ممن يُقبرون سنته وينتظرون شفاعته؟.

ولو كانت المآسي تُدون؛ لسجلتُ كل ما رأيتُ من ذالك، ولكن الذهن أصبح يعاف ذلك، ولله الأمرُ مِن قبلُ ومِن بَعد….انتهى، وما بين القوسين من إضافاتي…
المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.