من أهوى بالإسلاميين إلى الحضيض السياسي؟؟ (5)

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس10 سبتمبر 2022آخر تحديث : السبت 10 سبتمبر 2022 - 2:36 مساءً
من أهوى بالإسلاميين إلى الحضيض السياسي؟؟ (5)

الدكتور محمد وراضي
في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، صدر لي كتاب “الأغلبية المخدوعة من خلال محنة مناضل”. مما يعني أنني تعرضت لمحنة قوية، وراءها انتمائي لمسمى اليسار المغربي، ممثلا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وهذا الانتماء هو الذي يفسر حضوري في مكتب انتخابات عام 1963م بسلا، كنائب عن المرشح الاتحادي المهدي العلوي. وكان أن تعرضت بمناسبة اغتيال المهدي بنبركة للاعتقال الذي أدى بي إلى سجن الرباط لفترة.

وهذا ليس كل شيء، حتى وزملائي الطلاب كانوا وراء أدائي لفريضة الحج عام 1968م، بدعم من الدولة. ثم أصبحت متابعا من طرف الأمنيين كلما حضرت إلى اجتماع حزبي بالرياط. وكان زملائي الحاضرون من الطلاب على وجه الخصوص حريصين على معرفة دقيقة لموقف الحزب الحقيقي من النظام القائم. والحزب حينها يتفرع إلى ثلاثة فروع: فرع يمثله عبد الله إبراهيم، وفرع يمثله عبد الرحيم بوعبيد، وفرع يمثله الفقيه محمد البصري. بحيث إن الفرعين الأولين، لا يميلان إلى مواجهة النظام القائم بالقوة، بينما يرى الفرع الثالث وجوب القيام بثورة مسلحة، معززا بكتاب “الاختيار الثوري” للراحل المهدي بنبركة.

وكنا نحن الطلبة، كلما حضرنا في اجتماع ما، حريصين على معرفة أيديولوجية الحزب، مع أن الراحل عبد الله إبراهيم، كان حينها قد انفرد بوجهة نظره التي لم يقبلها الفرعان الآخران. إنه لم يكن يرى – ومعه رئيس الاتحاد المغربي للشغل حينها – اعتماد الشغالين في العمل السياسي، بحيث نجعل منهم وسيلة من وسائل الضغط على النظام.

دون أن ننسى التحاق عبد الرحمان اليوسفي بالفقيه البصري، بحيث يكون بذلك ممن رأوا في الإطاحة بالنظام وسيلة لتحرير الشعب المغربي من الاستغلال والتبعية. وكان من جملة الملحين على معرفة أيديولوجية الحزب بوضوح، صديقي السيد عبد اللطيف المنوني، الذي هو الآن من مستشاري قائد الأمة: محمد السادس. فبينما هو نجا من استقطاب فريق محمد البصري، تعرضت أنا ومجموعة من الإخوان لاستقطابه، فانتهى بنا الأمر إلى يد الأمنيين، مع نجاة بعضنا من الاعتقال الذي كشفنا لاحقا بأن عناصر من الحزب نفسه هي التي أرشدت السلطات بكوننا تلقينا تداريب على حمل السلاح بسوريا، فكان ما حدث لي شخصيا قمة في المعاناة السياسية لعدم نضجي العقلاني، وتكاملي النفساني، إلا أنني نجوت من الموت بأعجوبة.

لكن المناضلين في الظل ممن يجهلون أيديولوجية المؤسسين للاتحاد الاشتراكي، أطلقوا اتهامات لا حصر لها ضدي. مع أن المساند الرسمي للنظام القائم تمثله كافة الشخصيات التي تعرف كيف تؤكل الكتف. وهذه الشخصيات تستفيد ماديا في صمت، وتخرج من اجتماعات حزبية، لتقدم إلى الطرف الأمني خلاصة ما دار في الاجتماع، ولدينا مصادر موثقة لما ندعيه. إضافة إلى أن هذه المجموعة التي تدعي النضال لفائدة الأمة، أبعدت كلا من عبد الله إبراهيم، ومحمد الفقيه البصري، بحيث إن فضيحة إبعاد هذا الأخير أصبحت بارزة بعد عودته إلى المغرب مهزوما مخذولا؟

المهم أنني من المتعاطفين مع الاستقلاليين لفترة، وممن وضعوا رجلهم في التنظيم الشيوعي لفترة، وممن ذهبوا بعيدا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وممن رفضوا الانتساب إلى الاتحاد الاشتراكي انطلاقا من الملابسات المحيطة بإنشائه. إذ لما كان اختيار الفقيه البصري هو استخلاص مضامين “الاختيار الثوري” للراحل المهدي بنبركة، واتخذ عبد الله إبراهيم موقفا سلبيا رافضا لاعتماد العمال كوسيلة للضغط على النظام، أنشأ بوعبيد ومن معه خطة تقضي بإبعاد البصري وعبد الله إبراهيم عن تحمل أية مسؤولية في الحزب، مما يعني توجيه ضربة قاضية إلى من يخالف أيديولوجية الحزب القديم – الجديد المتدرع بالاشتراكية المشوهة أمام الجماهير الشعبية؟

أما قصة ارتباطي بمسمى الإسلام السياسي على مستوى النظر لا على مستوى التطبيق، فتعود إلى تعرفي على عبد الإله بنكيران، أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، فقد حملت إليه في مكتبته بحي العكاري الرباطي نسخا من كتابي “الأغلبية المخدوعة” لأجل بيعها.

وكان أن اطلع رفاقه في الجماعة على الكتاب، مما جعل الإقبال عليه من كافة الإسلاميين يتزايد، إلى أن أهديت بالصدفة نسخة منه إلى الراحل عبد السلام ياسين غفر الله لنا وله.
والصدفة هنا تعود إلى كوني في السنة الثانية والأخيرة لدار الحديث، حيث قابلت مصطفى الرميد بعد الفراغ من امتحان آخر السنة، فتحدث إلي وتحدثت إليه، وأخبرني بأنه سيقوم بزيارة عبد السلام ياسين الساكن حينها بسلا، وأبديت رغبتي في رفقته، إنما بعد أن يتناول الغذاء معي. ولم يكن لديه غير قبول اقتراحي.

وبعد تناول الغداء ذهبنا سويا في سيارتي إلى سلا. وكان أن استقبلنا شيخ جماعة العدل والإحسان بحفاوة بالغة، ولم يكن يعرفني من قبل، فاستفسر الرميد عن هويتي، وكان أن قدمت له كتابي “الأغلبية المخدوعة”. وبعد أيام من تلك المقابلة، أخبرني ولده كميل أن أباه يريد حضوري إليه فقبلت دعوته، وجالسته طويلا، ودعاني إلى الالتحاق بمسمى حينها أسرة الجماعة، فاستجبت له وحققت رغبته إلى أن اقتنعت بأن خطه الأيديولوجي لا يتناسب وتطلعاتي بخصوص فهم الإسلام وكيفية مواجهة خصومه؟؟؟

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.