مسجد تينمل .. جوهرة معمارية شامخة تحضنها جبال الأطلس الكبير في ضواحي مراكش

دينبريس
2021-08-08T17:18:47+01:00
تقارير
دينبريس8 أغسطس 2021آخر تحديث : الأحد 8 أغسطس 2021 - 5:18 مساءً
مسجد تينمل .. جوهرة معمارية شامخة تحضنها جبال الأطلس الكبير في ضواحي مراكش

ذ. محمد جناي
تينمل مدينة مغربية تاريخية ارتبط اسمها بمؤسس الدولة الموحدية بالمغرب المهدي بن تومرت والذي بدأ دعوته عام 1121 ميلادية في أعالي جبال الأطلس الكبير ودعا قبائل مصمودة إلى مبايعته فبايعوه وكون منهم جيشا قويا جعل على رأسه عبد المؤمن بن علي الكومي وذلك بغرض القضاء على المرابطين ولقب أتباعه بالموحدين ووضع بذلك أسس دولة جديدة هي الدولة الموحدية ونصب زعيما روحيا للموحدين ،وبعد مرور أربع سنوات على حكمه أمر المهدي بن تومرت ببناء مدينة تينمل وجعلها عاصمة له وقاعدة عسكرية لجيوشه وقد دخل مدينة تينمل بعد ذلك المرينيون والذين حكموا المغرب مابين القرنين الثالث عشر والخامس عشر الميلاديين ودمروها بالكامل بإستثناء مسجدها الأعظم في عهد السلطان المريني يعقوب بن عبد الحق عام 674 هجرية الموافق عام 1275 ميلادية ولا يزال موقع المدينة ومسجدها والقرية الحالية يحملون الإسم القديم تينمل وهي تبعد حوالي 100 كلم جنوب شرق مدينة مراكش .

وبعد وفاة المهدى بن تومرت وتخليدا لذكراه أمر خلفه عبد المؤمن بن علي الكومي في سنة 1153 ميلادية ببناء مسجد “تينمل ” وكان هذا الخليفة بمثابة المؤسس الثاني لدولة الموحدين وقد حكمها من مراكش من عام 1147ميلادية وحتى عام 1163ميلادية فكان أول من وحد كامل الساحل المتوسطي من بعد حدود مصر إلى المحيط الأطلسي وحكمها كدولة واحدة هي والأندلس وخلال العصر المريني تعرضت المدينة للهدم والتخريب من طرف الجنود المرينيين ولم يستتثى من ذلك إلا المسجد الأعظم الذي أصبح يشكل أحد المعالم الهامة والتي يعتبرها السكان المحليون مزارا مقدسا وجدير بالذكر أن كلمة تينمل تعني‭ ‬‬بالأمازيغية‭ ‬المزار‭ ‬أو‭ ‬المحج‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬مكانا‭ ‬مقدسا‭ ‬تجتمع‭ ‬فيه‭ ‬القبائل‭ ‬لعقد‭ ‬المواثيق‭ ‬والعهود وبالإضافة إلى مسجدها الكبير توجد بها بقايا سورها الأمني في الجهة الشرقية وأطلال متناثرة لقصبتها أى مقر حكامها ومساكن حاشيته وقلعتها الحصينة التي تم إختيار موقعها في مكان حصين على قمة جبل ويقول العلامة إبن خلدون: ” إن أهل المهدى بن تومرت كانوا أهل نسك وأنه كان قارئا محبا للعلم و كان يسمى باللسان الأمازيغي ” أسافوا “التي تعني الضياء لكثرة ما كان يسرَج القناديل بالمساجد حتى يتم ملازمتها من طرف السكان المحليين .”

ويعتبر مسجد تينمل من أروع ما خلفه الموحدون رغم بساطته في البناء والزخارف مقارنة بباقي المنشآت الأخرى التي شيدوها في مناطق أخرى وقد بني هذا المسجد من الطوب الآجر والملاط المصنوع من خليط من الرمل والتراب والجير والحصى بشكل أساسي وبتصميم ذي شكل مستطيل على مساحة طولها 48.10 متر وعرضها 43.60 متر ويحاط بسور طويل تعلوه شرفات وتتكون فيه قاعة للصلاة من تسعة أروقة موجهة نحو القبلة ويشكل إلتقاء البلاط المحوري والرواق الموازي لجدار القبلة شكلا هندسيا على نحو الحرف اللاتيني Ƭ ويستند السقف على أقواس علي شكل حدوة الفرس المدببة عمودية على جدار القبلة وصف آخر من الأقواس المفصصة مواز لجدار القبلة وتستند كل هذه الأقواس على دعامات آجرية وللمسجد ثلاثة قباب تتوزع بشكل منتظم على طول رواق القبلة وهذه القباب كانت كلها يحيط بها من أسفل مقرنصات وهي زخارف تشبه خلايا النحل وكانت تعد من بين أقدم المقرنصات في الفن المغربي والأندلسي وبمرور الزمن لم يتبق من هذه القباب إلا واحدة فقط وهي التي توجد في الزاوية الجنوبية الغربية وترتكز أروقة المسجد على دعامات مبنية من الآجر بواسطة أقواس متنوعة الأشكال والتي تساهم في إعطاء جماليات خاصة لقاعة الصلاة وتعلو المنبر والمحراب مئذنة مستطيلة الشكل يبلغ طولها 9.50 متر وعرضها 5.50 متر وقد فقد حاليا الجزء العلوى منها أما الصحن فيمتد شمال غرب قاعة الصلاة ويبلغ طوله 23.65 مترا وعرضه 16.70 مترا ويحيط بجانبيه رواقان يشكلان إمتدادا لبلاطات بيت الصلاة .

ومن حيث الزخرفة يشكل محراب مسجد ” تينمل “إحدى روائع الفن المعماري الإسلامي بالمغرب وللمسجد ثلاثة أبواب بشكل متناظر في كل جدار من الجدران الجانبية وتبرز على الواجهة بواسطة بروزات متقدمة فوقها في حين تم فتح باب صغير بدون بروز يفضي إلى الصحن وفتحتين ضيقتين على جانبي المحراب وخلاصة القول أن مسجد تينمل يتميز بأحجام متوازنة وتناسق تركيبي تدريجي لمرافقه المركزة جميعها على عنصر المحراب ليس فقط على مستوى الزخرفة بل وحتى على مستوى الترابطات الهندسية بين عناصره وترابطات أحجامها وجدير بالذكر أنه قد شاع بين الناس خلال القرن الثاني عشر الهجرى الموافق للقرن الثامن عشر الميلادى أن محراب مسجد تينمل منحرف عن الإتجاه الصحيح للقبلة فكان ذلك مدعاة لهجره وإهماله مما أسهم في تدهور بنيته العمرانية منذئذ وقد خضع هذا المسجد للترميم الجزئي خلال الفترة من عام 1991 و 1994ميلادية، ويطالب الكثير من المغاربة بإستكمال ترميم هذا المسجد والحفاظ عليه والذي ما زالت أعمدته وأسواره وزخارفه شاهدة على مجد تليد يعود إلى ثمانية قرون مضت وذلك حتى يستأنف دوره الديني الكبير علاوة على دوره الثقافي والحضاري والسياحي ،خاصة وأن المؤرخين يعتبرونه أحد أعظم مساجد المغرب وأنه جزء مما تبقى من مدينة تينمل التي أسسها الموحدون ودمرها المرينيون.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.