“ما تبقى من شكر فرنسا للمسلمين؟” إشكالية الهوية الأوروبية

محمد عسيلة
آراء ومواقف
محمد عسيلة3 أكتوبر 2020آخر تحديث : السبت 3 أكتوبر 2020 - 7:48 مساءً
“ما تبقى من شكر فرنسا للمسلمين؟” إشكالية الهوية الأوروبية

محمد عسيلة ـ أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للوظيفة العمومية ورجال الأمن ومستشار في شؤون الاندماج والتربية
بعد تصريح ماكرون الأخير حول ما تفوه به على “أن الإسلام يعيش في أزمة” أبان عن توتر العلاقة بين مسلمي ومسلمات فرنسا والجمهورية العلمانية. فلمدة ثلاث سنوات حتى الآن، كان الرئيس الفرنسي يقرع هذا الناقوس المبشر بالتخويف من الإسلام والمسلمين حسب ما يعيشه ويتلقاه من مستشاريه وما يعيشه من ضغط مجتمعي بعد “شارلي إيبدو” المشؤومة.

في غضون هذه الحقبة، لم تكن الظروف أكثر لطفًا حيث و قبل بضعة أيام، هز هجوم آخر بدوافع متطرفة مبنية على الدين البلاد. فلقد تعرض رجل وامرأة للهجوم بآلة حادة أمام المكاتب السابقة لمكتب تحرير شارلي إبدو والتي أصبحت قِبلة للاعتداء بعد تجاوزها اللاأخلاقي بنشر كاريكاتورات تطعن في مقام الرسول الأكرم صلوات الله عليه. وحسب الاعلام الفرنسي لم يكن الجاني يعرف ضحاياه، ولم يكن للاثنين علاقة بشارلي إبدو. لكن الجاني ـ وحسب الصحف الفرنسية ـ زعم أنه تصرف على أسس دينية للانتقام من نشر المجلة الساخرة لرسوم عن الرسول الكريم.

قبل ذلك بوقت قصير، نُشر استطلاع حول العلاقة بين مسلمي فرنسا ودولتهم. ظهرت المواقف المتطرفة بين من هم دون سن 25- 45% قالوا إن الإسلام “لا يتوافق مع قيم المجتمع الفرنسي”.

وهكذا تبنت المناظرات التلفزيونية هذا الاستطلاع وتم ذكر “الإرهاب والإسلام” مرة أخرى مثل شرب جرعة ماء بنفس واحد وفي نفس السياق دون تفريق موضوعي، كما لو كانا “الإسلام والإرهاب” وحدة لا تنفصل. و هذا يشوش على العقول والأنفس والوجود لمسلمي فرنسا المعتدلين و هم الأغلبية والذين يُعتبرون اليد الممدودة للجمهورية وللبلدية وللمؤسسات التعليمة ويقومون بشكل تطوعي في بناء الإنسان الفرنسي المتزن والبعيد عن الشيزوفرينية.

لكن وهذا هو السؤال: ألم تبحث فرنسا العلمانية أم لا تريد أن تبحث عن أسباب غياب الولاء إلى “قيم المجتمع الفرنسي” داخل الضواحي وهوامش المجتمع والمدن التي تفتقر الى الآفاق والرؤى والدعم و المواكبة؟؟؟ نعم هوامش وضواحي تخلت عنها فرنسا لينهش عقول شبابها فكر راديكالي يعطيهم بدائل للفردوس المفقود فوق الأرض ويستغل البعض الافتقار إلى هذا المنظور في الضواحي لنشر رسائلهم المتطرفة. معادلة صعبة ومركبة علينا تقصيها لفهم هذا الواقع المرير الذي ننتقده كمسلمي ومسلمات – آباء و أمهات – أئمة و قييمين على المساجد بشدة!

ففرنسا لديها مشكلة ـ حسب بعض رواد المساجد ـ مع حقيقة انسحاب الشباب المسلم من المجتمع، حيث لا يمكن في رأيي المتواضع حل هذا الإشكال إلا بمعرفة أسباب هذا الانسحاب وخلق تصورات معقولة بإشراك المسلمين أنفسهم في ديباجة فلسفتها (هذه التصورات) ومحتوياتها و منهجها. فالحل لا يكمن في توجيه أصابع الاتهام للإسلام كدين سماوي /ابراهيمي و كمُكون فكري لمواطنين فرنسيين / أوروبيين و توجيه الاتهام للمسلمين.

كنت قد كتبت على صفحة هذا المنبر الإعلامي موضوعا حول “إشكالية وأزمة الهوية الأوربية” التي تعتمد في تعريفها على الروافد المسيحية / اليهودية وفي الجانب الثقافي على الرافد الروماني، مبعدة في هذا التعريف الدين الإسلامي والإسلام كثقافة وفكر ومنهج حياة حضاري يعتنقه الملايين من الأوربيين. وهذا الإقصاء هو ما يسبب حرجا كبيرا لشبابنا الذين يستشعرونه ـ كإقصاء مؤسساتي وممنهج وبالتالي يبحثون عن بدائل أعتبرها في تحليل سوسيولوجي بسيط متنفسا لهذا الاختفاء والاحتباس الهوياتي إن جاز التعبير.

فعلى الرئيس الفرنسي أن يعتبر أولئك الذين يبشرون “بالإسلام الراديكالي” في المناطق الشاهقة العمارات والفقيرة البنيات والمهمشة الساكنة ويعلنون “أن الجمهورية هي العدو”، يستغلون ببساطة الافتقار إلى الآفاق والمواكبة من فرنسا نفسها كمؤسسات في أجزاء كبيرة من الضواحي.

علينا أن نعرف جميعا أن أوروبا ومنها فرنسا تعيش أزمة اقتصادية حادة منذ أكثر من عقد، والدولة ببساطة تخلت عن العديد من المشاكل الجوهرية المتعلقة بالاندماج والعمل الاجتماعي والاندماج المهني وانفتاح المدارس على هذا الآخر المختلف. فالمواكبة الجادة مع دمج المساجد ومسؤوليها ولنا في فرنسا مفكرين وأساتذة ومهندسين ومهندسات ومفكرات من أصول مغربية تلعب دورا طلائعيا في المساهمة في اندماج الشباب وتنطلق في مقارباتها من المسجد الى المجتمع والى المؤسسات. هذه الكفاءات المغربية أعطت للمسجد دوره الحضاري وللدين كذلك في تشكيل الإنسان / المواطن /الصالح؛ مساجد مغربية منارات حضارية داخل فرنسا.

فإعطاء آفاق لهذه الشريحة المجتمعية الشابة يساعد في خلق مضادات حيوية ومجتمعية /فكرية ضد محاولات تجنيد الراديكاليين والجماعات المتطرفة الأخرى التي تحاول استقطاب شبابنا والتغرير به ولا يمكن الحل في توجيه الاتهامات بشكل مجانب للصواب لدين سماوي ولمعتنقيه!

يجب أن تتاح الفرصة للشباب المسلم للتعرف على دينهم بشكل أفضل داخل المدارس الأوروبية وداخل المساجد ويجب علينا نحن المسلمين أن نجعل ديننا في متناول بقية فرنسا وبقية الدول الأوروبية التي نعيش فيها كمواطنين ونشكل داخلها ركنا مجتمعيا أساسيًا داخل مواطنة فاعلة وديناميكية.

نعم؛ نجعل ديننا تجليا ثقافيا تشاركيا لمواجهة كل خطاب إقصائي وشعبوي لا يمت بصلة لحقوق الإنسان ولا للدساتير الأوروبية ولا للقيم الإنسانية الكونية ونشارك سياسيا في خلق وتشكيل رأي مجتمعي يعترف بنا اعترافا حقيقيا بعيدا عن كل فلكلورية وربت على الأكتاف!!.
و في ذلك فليتنافس المتنافسون.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.