نماذج من نساء عالمات: فقيهات ومحدثات

عبد السلام أجرير
2019-10-16T18:26:42+01:00
آراء ومواقف
عبد السلام أجرير15 أبريل 2015آخر تحديث : الأربعاء 16 أكتوبر 2019 - 6:26 مساءً
نماذج من نساء عالمات: فقيهات ومحدثات

ajrir abdessalam - دين بريس

أولا- مقدمة تمهيدية:

1- حرص الإسلام على ضرورة التعليم والتعلم:

هناك مجموعة من النصوص الشرعية المرغبة في التعليم، أذكر منها:

– قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.

-قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.

– قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».

– قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»…

2- جو الثقافة الإسلامية المبني على هذه النصوص وأمثالها يشجع على التعلم:

– الأسرة المسلمة في القرون الماضية كانت تعرف مناقشات علمية داخل البيوت بين أفراد العائلة، ولم تكن تنتظر عقد المحاضرات والدروس والندوات حتى تستفيد من العلم، بل كانت جلسات الأسر لا تخل من فوائد علمية وتوجيهات دينية.

– فالمرأة، وهي فرد من أفراد الأسرة، سواء كانت أمّا أو زوجة أو بنتا أو أختا… كانت -ومنذ صغرها- تفتح عينيها بين أفراد أسرتها على المناقشات العلمية: الفقهية والحديثية وغيرها…

يقول العلامة ابن الحاج المالكي (ت737ه) في كتابه القيم “المدخل” (1/215): «فَيَحْتَاجُ الْعَالِمُ أَنْ يَتَبَتَّلَ لِتَعْلِيمِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِلْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى… قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ “النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ”، فَسَوَّى بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ، وَمَا زَالَ السَّلَفُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ تَجِدُ أَوْلَادَهُمْ وَعَبِيدَهُمْ وَإِمَاءَهُمْ فِي غَالِبِ أَمْرِهِمْ مُشْتَرَكِينَ فِي هَذِهِ الْفَضَائِلِ كُلِّهَا».

ويقول أيضا في الموضع السابق: «وَالْعَالِـمُ أَوْلَى مَنْ يَحْمِلُ أَهْلَهُ وَمَنْ يَلُوذُ بِهِ عَلَى طَلَبِ الْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّةِ، فَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ جُهْدَهُ، فَإِنَّهُمْ آكَدُ رَعِيَّتِهِ وَأَوْجَبُهُمْ عَلَيْهِ وَأَوْلَاهُمْ بِهِ، فَيُنَبِّهُهُمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ».

* نموذج:

نموذج حي من النماذج الكثيرة التي تبين لنا تمكن الفكر العلمي من الأسر وانتشاره بين النساء، وهو نموذج أحد العلماء الذي سمع أثناء مروره بزقاق من أزقة بغداد، سمع امرأتين فوق سطح بيتهما وهما ينشران غسيلهما ويتناقشا في مسألة الاستثناء في النحو العربي ويسردان مسائله، كالاستثناء المتصل والاستثناء المنفصل… ومتى يكون الإعراب بالإتباع ومتى يتعين النصب… ويتذاكران مذهب سيبويه ومذهب غيره في ذلك… وهما ينشران الغسيل فوق السطوح!

3- ملاحظة مهمة:

لما كانت هذه المحاضرة مخصصة في شقها الأهم للعالمات الفقيهات والشيخات المحدثات، أردت التنبيه إلى مسألة تتعلق بانصراف جل عالمات المسلمين المشتهرات إلى الحديث وفقهه أكثر من انصرافهن إلى الفقه الأخص. فقد اهتمت كثير من النساء بالحديث أكثر من اهتمامهن بالفقه؛ حتى اشتُهر، أو كاد، بأن الفقه ذكوري… والحقيقة أن هذا ليس على إطلاقه كما سنرى في الأمثلة الآتية، وإنما قد يصح في الغالب، وله أسبابه وتعليلاته.

وقصدت ب”ذكورية الفقه” تخصص الرجال الذكور فيه أكثر من النساء، ولا أقصد به ما يروجه بعض المغرضين من أن الفقه ذكوري بمعنى أن الرجل الذكر شرّع لنفسه ما يناسبه من أحكام فقهية وأخضع المرأة لقواعده وفقهه هو، فهذه شبهة مدحوضة متهافتة لا تحتاج إلى كبير جهد لبيان خطئها. وقد صنف فيها شيخنا وأستاذنا سيدي محمد التاويل الفاسي –حفظه الله- كتابا سماه: “لا ذكورية في الفقه”، فليُراجع.

فانصراف النساء للعناية بالسنة والحديث أكثر من انصرافهن إلى الفقه له مبرراته، وعلى رأسها أن الفقه كان مرتبطا بالقضاء والفُتيـا، ونعلم أن القضاء من شرطه الذكورية كما هو مقرر في الفقه قديما، والفُتيا قد جرى عرف الناس أنه لا يُنصّب فيها غير الرجال لـما يعترضها من اختلاط بالناس والاحتكاك بهم، وحضور مجالس الحُكام، وسبر أغوار المجتمع، والنزول إلى الأسواق، وحضور الصفقات، ومشاريع التجارة والمبادلات… وهي أمور عادة ما يكون النساء في مَنْأى عنها.

ولكن مع ذلك شهد تاريخ الإسلام نساء فقيهات عالمات مجتهدات بل ومفتيات، وسوف نرى بعض النماذج قريبا إن شاء الله.

ثانيا- المرأة المسلمة ودورها في خدمة الفقه والحديث:

1- نموذج من أمهات المؤمنين: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

فقه وحديث عائشة لا يحتاجان إلى التفصيل والتبسيط، ولكن يحسن هنا التذكير بالأهم فقط؛ لأن تعريف المعرف تنكير له.

– فأمنا عائشة أعظم عالمة فقيهة محدثة أنتجتها يد النبوة واحتوتها دار الإسلام.

-لم يكن الصحابة رضي الله عنهم يتقدمون أمام زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفقه الخاص، بل كانوا إذا سئلوا عن أمور النبي الخاصة ككيفية الغسل وأدب قضاء الحاجة والجماع… يحيلون السائل مباشرة على زوجات النبي عليه الصلاة والسلام، وفي مقدمتهم عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش… رضي الله عنهن.

وقد كان عطاء بن رباح رحمه الله يقول عن السيدة عائشة رضي الله عنها : «كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأياً«.”الاستيعاب” لابن عبر البر، (4/ 1883).

وقد كان لعائشة رضي الله عنها فقه رصين وعلم عظيم، وكانت في أحايين كثيرة تخالف بعض آراء الصحابة الفقهية، وكانت تتعقب روايات وفقه الصحابة بالنقد والتوجيه… وهذا يدل على جودة فقهها وحصافة رأيها.

وقد صنف الإمام الزركشي كتابا مهما يعكس لنا فقه وعلم عائشة رضي الله عنها، وهو في ما استدركته أمنا عائشة رضي الله عنها على الصحابة، وأسمى هذا الكتاب: “الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة”. وهو مطبوع متداول.

وفي هذا التذكير المقتضب لا ننس أن أمنا عائشة كانت من الصحابة المكثرين من رواية الحديث، وفي هؤلاء المكثرين يقول القائل، مشيرا إلى عائشة في النظم ب”زوجة النبي”:

والـمكثرون في رواية الأثر  *  أبو هريرة يليه ابن عمر

وأنــس والبحر كالخـدري  *  وجـــابر وزوجــة الــنبي

فقد روت عائشة رضي الله عنها لوحدها 2210 حديثا.

وما يُقال عن عائشة رضي الله عنها يُقال عن باقي أمهات المؤمنين كأم سلمة وزينب بنت جحش وميمونة… رضي الله عنهن، لكن مع تفاوت بينهن.

وإنما فاقت عائشة باقي زوجات النبي عليه السلام لأنها تربت منذ الصغر في بيت النبوة، وكانت من أحب النساء للنبي عليه السلام فنالتها بركة دعوته، وقد عاشت فترة طويلة بعد النبي عليه الصلاة والسلام حتى استفادت من فقه كبار الصحابة كأبيها شيخ الإسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

2- نماذج أخرى من تاريخ المسلمين الحافل:

كان دأب السلف والعلماء أن يأخذوا العلم ولو من النساء، بل لو نظرنا إلى ترجمة بعض العلماء من السلف لوجدنا من ضمن شيوخهم نساء، بعضهن أجنبيات عنهم.

قال الحافظ الذهبي في كتابه “سير أعلام النبلاء” (7/42): «أخذ خلق من التابعين عن الصحابيات».

وكثير من علماء أمتنا المشهورين تـمشيخوا على يد نساء عالمات، كالإمام البخاري وابن عساكر… فقد اشتهر أن الحافظ ابن عساكر -رحمه الله- كان له ثمانين شيخة من شيوخه، أخذ العلم عنهن.

وهذه نماذج بعض العالمات اللواتي اشتهرن بالفقه والحديث:

أ- بنت الإمام سعيد بن المسيب:

فهذه «بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – لَمَّا أَنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا، وَكَانَ مِنْ أَحَدِ طَلَبَةِ وَالِدِهَا، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ أَخَذَ رِدَاءَهُ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: إلَى أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ: إلَى مَجْلِسِ سَعِيدٍ أَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ، فَقَالَتْ: لَهُ اجْلِسْ أُعَلِّمُكَ عِلْمَ سَعِيدٍ!». “المدخل” لابن الحاج، (1/215)

ب- فاطمة بنت الإمام مالك بن أنس:

«رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ – رَحِمَهُ اللَّهُ – حِينَ كَانَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأَ فَإِنْ لَحَنَ الْقَارِئُ فِي حَرْفٍ، أَوْ زَادَ، أَوْ نَقَصَ تَدُقُّ ابْنَتُهُ الْبَابَ فَيَقُولُ أَبُوهَا لِلْقَارِئِ ارْجِعْ فَالْغَلَطُ مَعَك، فَيَرْجِعُ الْقَارِئُ فَيَجِدُ الْغَلَطَ».

ويُروى «عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ -عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ-، وَأَنَّهُ اشْتَرَى خَضِرَةً مِنْ جَارِيَةٍ، وَكَانُوا لَا يَبِيعُونَ الْخَضِرَةَ إلَّا بِالْخُبْزِ، فَقَالَ لَهَا: إذَا كَانَ عَشِيَّةً حِينَ يَأْتِينَا الْخُبْزُ فَائْتِينَا نُعْطِيك الثَّمَنَ، فَقَالَتْ: ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَقَالَ لَهَا: وَلِمَ؟ فَقَالَتْ: لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ غَيْرُ يَدٍ بِيَدٍ. فَسَأَلَ عَنْ الْجَارِيَةِ فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا جَارِيَةُ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى». المدخل لابن الحاج، (1/215).

[والخَضِرات بِفَتْح الْخَاء وَكسر الضَّاد، جمع خَضِرَة أَي: بقول خضرَة. يُنظر “مشارق الأنوار” للقاضي عياض، و”النهاية في غريب الحديث” لابن الأثير].

والغريب أنه كان لمالك رحمه الله تعالى ثلاثة أبناء ذكور هم يحيى ومحمد وحماد، فلم يشتهر بالعلم منهم إلا ابنته فاطمة رحمها الله.

ج- السيدة كريمة راوية صحيح البخاري (465 هـ):

وهذه أهم ما جاء في ترجمتها من كتاب “سير أعلام النبلاء” للذهبي (13/398):

الشيخة العالمة الفاضلة المسندة أم الكرام، كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية المجاورة بحرم الله. سمعت من أبي الهيثم الكُشْمَيْهَني صحيح البخاري، وسمعت من زاهر بن أحمد السرخسي، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني وغيرهم…

وكانت إذا روت قابلت بأصلها، ولها فهم ومعرفة مع الخير والتعبد…

روت الصحيح مرات كثيرة…

وماتت بكرا لم تتزوج أبدا…

حدث عنها خلق كثير…

قال أبو بكر بن منصور السمع: إني: سمعت الوالد يذكر كريمة ويقول: “وهل رأى إنسان مثل كريمة”؟!

د- ستيتة بنت المحاملي (377 هـ):

العالمة الفقيهة المفتية، أمة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل. تفقهت بأبيها، وروت: عنه، وعن إسماعيل الوراق، وعبد الغافر الحمصي… وحفظت القرآن، والفقه للشافعي، وأتقنت الفرائض، والعربية وغير ذلك…

قال البرقاني: كانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة. وقال غيره: كانت من أحفظ الناس للفقه.

وهي والدة القاضي محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي.

ترجمتها بتاريخ بغداد، (16/632)، وسير أعلام النبلاء، (11/482).

هـ- شُهْدَة بنتُ أَبِي نصر أحمد بن الفَرَج الدَينَوَري الإبرِي، الكاتبة، (ت 574 هـ):

هذه ترجمتها مختصرة من كتاب “تاريخ الإسلام” للذهبي، (12/450)، قال عنها:

هي فخر النساء… مُسْنِدة العراق….

قال ابْن الدبيثي: امْرَأَة جليلة صالحة، ذات دِين، وورع، وعبادة. سمعَت الكثير وعُمرت، وصارت أسند أهل زمانها، وعُني بها أبوها.

وسمعت من طِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبي، وابن طلحة النعالي وجماعة كثر…

روى عَنْهَا الحفاظ الكبار أَبُو القاسم ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني… وأبو الفرج ابن الْجَوْزي، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والعماد إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد… والقاضي أَبُو صالح الْجِيلي، والناصح ابْن الحنبلي، والفخر الإربلي… وشيخ الشيوخ أَبُو مُحَمَّد بْن حَمُوَيْه… وخلق كثير.

قال أبو الفرج ابن الْجَوْزي: قرأت عليها كثيرًا من حديثها. وكان لها خطٌ حَسَن.

وتزوَّجت ببعض وُكَلاء الخليفة، وعاشت مخالِطة للدار ولأهل العلم. وكان لها بِر وخير. وقرِئ عليها الحديث سِنين، وعُمرت حتى قاربت المائة.

وقال الشَّيْخ المُوَفق، وقد سُئل عَنْهَا: “انتهى إليها إسناد بغداد”…

وكان لها دار واسعة… وقل ما كانت تَردُّ أحدًا يريد السماع.

وقال أَبُو سعد السمعاني فِي “الذيل” وذكرها، فقال: امْرَأَة من أولاد المحدثين، متميزة فصيحة… وكانت مختصة بأمير المؤمنين المقتفي…. قرأتُ عليها “جزء الحفّار”.

و- نساء يتفقهن على يد أزواجهن:

يقول العلامة ابن الحاج المالكي في “المدخل” (1/215): «وَقَدْ كَانَ فِي زَمَانِنَا هَذَا سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَرَأَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْخَتْمَةَ فَحَفِظَتْهَا، وَكَذَلِكَ رِسَالَةُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنِصْفُ الْمُوَطَّإِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ  رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى… وَكَذَلِكَ ابْنَتَاهَا قَرِيبَانِ مِنْهَا.

فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي زَمَانِنَا فَمَا بَالُكَ بِزَمَانِ السَّلَفِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ؟!».

3- عالمات من الزمن الحديث والمعاصر:

أ- عالمات من سوس العالمة:

يروي لنا العلامة المختار السوسي رحمه الله وغيره من المؤلفين والمؤرخين أخبارا كثيرة عن نساء من سوس المغربية كن عالمات فقيهات، كثير منهن كن يحفظن “مختصر الشيخ خليل” و”رسالة ابن أبي زيد القيرواني” وباقي المتون العلمية عن ظهر قلب، ويجيدون المسائل الدقيقة في الفقه والفتيا. مثلُ العالمة رحمة بنت الإمام محمد بن سعيد المرغتي الأخصاصي السوسي، دفين مراكش، وقد كانتْ فقيهة وعالمة، والمعروف عنها أنها ألفت مُختصرا فقهيا.

ب- عالمات معاصرات:

وفي الزمن المعاصر هناك الكثير من النسوة مَن علت همتُهن وسمت رغبتهن في طلب الفقه والحديث وباقي العلوم، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر:

– جدة العلامة الحسن ولو الددو الشنقيطي:

فالمعروف عند الجميع علمُ الشيخ العلامة الحسن ولد الددو الشنقيطي الموريطاني، ولكن الذي يجهله الكثير أنه من أسرة عريقة في العلم ذكورِها وإناثها… فهو يردد بين الفينة والأخرى في دروسه اسم بعض النسوة من عائلته، وعلى رأسهن جدته، فأحيانا يبسط المسألة الفقهية بخلافاتها وتفريعاتها ثم يقول بعدها “وفي ذلك قالت جدتي نظما”، ثم ينشد نظمَ وشعر جدته التي جمعت شتات هذه المسألة الفقهية في نظم شعري محكم…

– جماعة القُبَيْسات النسوية:

ظهرت في الثمانينات من القرن الماضي مجموعة من النسوة شكلوا جماعة نسوية هدفها خدمة العلم بشتى أنواعه، وكان يُطلق على هذه الجماعة النسوية “جماعة القبيسات”، نسبة إلى مؤسستها التي تدعى الحاجة القبيسي.

ولا يهمنا هنا توجهات الجماعة الفكري ولا انتماءاتها المذهبية، بقدر ما تهمنا خدمتها للفقه الإسلامي وخاصة تلخيص الفقه على المذاهب الأربعة. وفي فعلهم هذا دلالة على قدرة المرأة المسلمة على العطاء والإنتاج حتى في مجال اشتهر فيه الرجل من حيث التصنيف والتأليف. فقد تجرد أربع نسوة من هذه الجماعة وحملوا على عاتقهن تأليف مختصرات في المذاهب الفقهية الأربعة. وهذه المصنفات كالآتي:

أ- فقه العبادات على المذهب الحنفي، تأليف الحاجة نجاح الحلبي.

ب- فقه العبادات على المذهب المالكي تأليف الحاجّة كوكب عبيد.

ج- فقه العبادات على المذهب الشافعي، تأليف الحاجّة درية العيطة.

د- فقه العبادات على المذهب الحنبلي تأليف الحاجّة سعاد زرزور.

وهذه الكتب مطبوعة مشهورة متداولة عند طلبة العلوم الشرعية اليوم.

وهناك العشرات من النساء المتخصصات في مجال الفقه والحديث في عصرنا هذا، هن أستاذات في الجامعات، وشيخات في حلقات العلم، ومحققات للكتب الفقهية الدقيقة.

* خلاصة وخاتمة:

تاريخنا حافل بعالمات فقيهات ومحدثات، فما علينا إلى قراءة تاريخنا لنشهد العجب العجاب. وإن لم يكن للنساء شهرة كبرى كما للرجال، فإنهن على كل حال حاضرات بقوة، بل بعض النساء قدمن للفقه والحديث ما لم يقدمه الآلاف من الرجال، وقد رأينا نماذج من ذلك.

بل إن النساء العالمات تميزن بخاصية ليست للرجال، فهي خاصة بهن فقط، وقد فاقت النساء فيهن الرجال، ألا وهي مسألة الوثاقة في رواية الحديث والسلامة من التهم والتضعيف. يقول الإمام الذهبي : «وما علمتُ في النساء من اتهمت، ولا من تركوها» . ويؤكد هذا الحكم الذي يزكي جناب النساء العالمات في علم الحديث خاصة، الحافظ ابن حجر رحمه الله حيث يقول :«لا أعلم في النساء من اتهمت ولا تركت».اهـ. يُنظر “ميزان الاعتدال” للذهبي، (4/604)، و”لسان الميزان” لابن حجر، (7/522).

فرحم الله تعالى عالمات أمتنا الكريمات، ووفق خلفهن أن يحذين حذوهن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

* بعض المصادر التي ترجمت للعالمات الفقيهات والمحدثات:

إضافة إلى كتب الطبقات والتراجم العامة التي هي الأصل، فهناك كتب اختصت بالترجمة للنساء، وهي كثيرة، أهمها:

1 . عناية النساء بالحديث الشريف، مشهور حسن سلمان .

2. جهود المرأة في نشر الحديث وعلومه، عفاف عبد الغفور .

3. صفحات مشرقة من عناية المرأة بصحيح البخاري، محمد بن عزوز .

4. دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى، آمال بنت قرداش..

5. جهود المرأة الدمشقية في رواية الحديث الشريف، محمد بن عزوز .

6. معجم أعلام النساء، عمر رضا كحالة .

7. مقدمة محمد بن عزوز لتحقيق كتاب: “ترقية المريدين بما تضمنته سيرة السيدة الوالدة من أحوال العارفين ” للحافظ عبد الحي الكتاني .

8. نساء صنعن علماء، أم إسراء بنت عرفة بيومي .

9. جامع أخبار النساء من سير أعلام النبلاء، خالد بن حسين .

10. المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.