كوفيد 19 من مقاربة تشخيصية إلى مقاربة استشرافية

دينبريس
دراسات وبحوث
دينبريس12 أكتوبر 2022آخر تحديث : الأربعاء 12 أكتوبر 2022 - 5:31 مساءً
كوفيد 19 من مقاربة تشخيصية إلى مقاربة استشرافية

نبيل بلعطار ـ دكتور في علم الاجتماع السياسي وباحث في العلوم القانونية
من خلال هذه الورقة الموجزة نحاول أن نستعرض دور الفاعل السوسيولوجوجي في فهم الظاهرة أو الوباء نظرا لارتباط العلوم الاجتماعية بسير وفهم السلوكات داخل المجتمع، وكذلك دور الترسانة القانونية في تطبيق وحفظ الأمن والصحة العامة للمواطنين، إما عن طريق التحسيس أو اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المخالفين، وتنظيم المجال وتأطير الساكنة في فترة الطوارئ.

إن هذه الظاهرة الوبائية الخطيرة والمركبة والمعقدة المتجسدة في فيروس كوفيد 19 المعروف بكورونا الذي أوقف العالم وشل حركته من خلال ركود جيوسياسي في كل بقاع العالم وأحدث تشابكا اقتصاديا بين الدول، كأننا في صدمة ومفاجأة أو إخراج فيلم سينمائي، وقد أظهر هذا الفيروس مجموعة من الاختلالات في الدول المتقدمة والتي كنا نعتبرها نموذجا يحتذى به في المجال اللوجيستيكي أو البنايات التحتية والمجال الطبي وظهور مواقف بعض الدول التي أبانت عن ارتباك واضح سواء في التعامل مع المنتظم الدولي أو طريقة تدبير الأزمة، فإذا كانت الأمراض والفيروسات والمجاعات والأوبئة ظواهر قديمة من أبرزها الطاعون والكوليرا وداء السل، انفلونزا الخنازير والسيدا وإيبولا، فرغم خطورة هذه الأمراض، فإنها لم تشخص الوضع الحقيقي للدول المتقدمة، وكما يقول مؤرخو الأوبئة في نظرية الاستغراب من مفارقة مثيرة للجدل تتمثل أنه كلما أصبح البشر متحضرا مع وجود مدن وتقنيات التواصل ونظم بيئية، تفجرت أوبئة أكثر.

وإذا كان هذا الفيروس أيقظ الأطباء والمختبرات البيولوجية وعلم الأوبئة والسلطات العمومية من أجل اتخاذ الإجراءات الاستباقية الوقائية، وبالفعل قام المغرب بدوره بوضع تدابير احترازية منظمة تدرس مرحلة بمرحلة حفاظا على التوازن الداخلي وصحة المواطنين.

من خلال هذه الورقة المعتمدة على نظريتي العفوية للموضوع سأركز كما قلت على الجانب السوسيولوجي والقانوني كتدبير وقائي سلوكي، تنظيمي تأطيري في هذه المرحلة، ولكي لا أطيل على هذا الجانب التقديمي سوف أقارب هذا الموضوع على الشكل التالي:

1- المقاربة السوسيولوجية
وكنظرة سوسيولوجية التي تتعلق بالعلوم الاجتماعية نظرا لتغيير كامل للنظام العسير مع الحجر الصحي وقواعده وتغيير العادات وتأثر العلاقات الاجتماعية وتأثر في الطقوس الدينية وبعد إغلاق المساجد والفضاءات الروحية وبروز سلوكات نفسية جديدة؛ فالسوسيولوجي له دور في مكافحة هذه الجائحة بمعرفة ما يقع في المجتمع، وما يتوفر لديه من زخم يومي من أخبار، واستطلاع الرأي من الشارع ومن الإعلام وجعلها قابلة للإدراك، بالإضافة إلى تتبع التحركات والتحولات العميقة من خلال البحث عن سبل التوجيه والاختيار الجيد نحو الاتجاه العلمي الذي بإمكانه أن يحافظ على العلاقات الاجتماعية ومحاولة الموازنة بين مختلف طبقات المجتمع المغربي، إما عن طريق التواصل عبر المواقع الاجتماعية والشبكات العنكبوتية، أو التحليل المنطقي وطرح الفرضيات سواء في الأسواق والإدارات العمومية أو المحلات التجارية.

وأستحضر هنا عالم الاجتماع بورديو الذي يركز على الدراسة العلمية المحقة في فهم الكيفيات التي يعرفها الجسم الاجتماعي من تحولات واختراقات سواء في مختلف العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والشبكات والأسرة، وبالتالي التركيز على الفرضيات والفهم والتفسير، وقد اخترت في هذه الورقة الموجزة العالم السوسيولوجي “بورديو”، نظرا لمقاربته السوسيولوجيا العلمية الدقيقة والصارمة والابتعاد على ما هو شخصي وسياسي عن طريق إعادة الإنتاج، والتي تدخل في حقل السوسيولوجيا والتي نحتاجها اليوم أكثر، لرفع حس التضامن التلقائي وتكريسا للعدالة التضامنية مع الفئات الهشة والمتوقفة عن العمل اضطرارا مع إغلاق العديد من الفنادق والمقاهي والمصانع وتوقف القطاعات الحيوية.

وكسوسيولوجي يظهر أن هناك في المجتمع ارتباكا في العلاقات العائلية والاجتماعية بسبب الحجر الصحي نتج عنه ما يلي:
▪ ظهور الخوف من الوباء وأعراض الاكتئاب.
▪ انعدام الوعي عند بعض الساكنة.
▪ ظهور أنماط جديدة للعيش.
▪ ظهور مشاكل داخلية بالأسرة وذلك باكتشاف رب الأسرة أو الزوج أو الأبناء بعض السلوكات العنيفة داخل المنزل، نظرا لطول المدة في فضاء مغلق يظهر السلوك الحقيقي للإنسان، إما في التعامل أو في مستوى المسؤولية أو درجة الاهتمام أو المستوى الدراسي للأبناء.
▪ ظهور فئة تستغل وتعيش على النكبات.
▪ تأثير هذا الوباء على الجانب النفسي، وذلك لغياب الزيارات العائلية، كعدم الحضور للحفلات والجنائز أو مشاهدة مباريات كرة القدم جماعة والخوف من موت أحد الأقارب والعزلة؛ أي هناك أمر غير اعتيادي وغير متوقع.
▪ الرجوع إلى التداوي بالأعشاب والوسائل التقليدية الطبيعية والعادات والأعراف القديمة، والتغني بمصداقيتها وببركتها.
معرفة قيمة الحياة مقارنة مع الموت المفاجئ.

وفيما يتعلق بتدبير عملية اللقاح بالمغرب الذي أبان عن مجهودات فاعلة ووازنة للدولة من أجل استفادة المواطنين بجرعات التلقيح مجانا، فإدارة وتدبير عملية التلقيح ليس بالأمر السهل، حيث تطلب حكامة إدارية صحية جيدة معتمدة على برتوكول علاجي دقيق، يحمل مجموعة من الخدمات التي اعتمدت على مبدأ تصنيف الفئات المستهدفة بعملية التلقيح تم عممت المبادرة على الجميع.

فمن الناحية السوسيولجية فعملية تدبير التلقيح هي محطة اجتماعية نفسية تتطلب دراسة السلوك الإنساني و نشر الثقة في جودة التلقيح وأهميتة في إيقاف هذا الفيروس من أجل عودة الجميع لحياتهم الطبيعية فكان لزاما الشروع في حملات تحسيسية وتم منح المصداقية لهذه العملية، وتأكيدا على أهمية اللقاح أعطي جلالة الملك محمد السادس نصره الله الحملة الوطنية للتلقيح في 28 يناير2021 حيث تلقى جلالة الملك محمد السادس نصره الله الجرعة الأولى من اللقاح وهذه رسالة عامة للمغاربة من أجل الانخراط في تحقيق المناعة الجماعية.

2- المقاربة القانونية
أما من الزاوية القانونية فالمغرب في ظل التوجيهات الملكية السامية بادر إلى خلق تدابير وقائية واحترازية للحد من انتشار الفيروس لانتقاله بطريقة سريعة، حيث بادرت الدولة المغربية سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الصحي بمجموعة من الإجراءات لاحتواء الفيروس فالجانب القانوني كان حاضرا بقوة عن طريق ترسانة قانونية تتمثل في المرسوم بقانون رقم 2.20.292 وتجريمه لكل مخالفة عدم احترام حالة الطوارئ بالحبس من شهر إلى 3 أشهر وبغرامة تتراوح بين 3000 و 1300 درهم، أو بإحدى العقوبتين دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد.

يظهر أن هذا القانون يحمل في طياته مجموعة من الدلالات هو عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم إلا في حالات الضرورة القصوى درءا من التجمهر أو التجمع الذي بإمكانه أن ينشر العدوى، والملاحظ في تطبيق هذا القانون على أرض الواقع كان صعبا في البداية، مما عجل بأن تبذل السلطات العمومية مجهوداتها بمختلف ألوانهم انطلاقا من عملية التحسيس إلى تطبيق القانون.

ومع ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس وارتفاع عدد الوفيات وكذلك حنكة وتجربة السلطات المحلية أصبح الوضع متحكما فيه من حيث الالتزام والانضباط لقواعد الحجر الصحي، كآلية غريبة عن المجتمع المغربي، رغم أنه تم تحريرعدة محاضر لمخالفي قانون الطوارئ وعرضهم على النيابة العامة المختصة لتطبيق القوانين الجاري بها العمل في هذا الشأن.

ومع تطور دراسة العلماء لفيروس كرونا كان لابد من الدولة أن تواكب تطور الوباء وخطورته وكيفية انتقاله، فكان لزاما أن تقرر ارتداء وضع الكمامات إجباريا تحت طائلة العقوبة السجنية والغرامة للمخالفين، فالمادة الرابعة ممن قانون رقم 2.20.292 حددت هذه العقوبات واتخاذ التدابير والإجراءات لضمان تسويق الكمامات الواقية بجميع المراكز التجارية.

نظرة تأملية تضمن تدرج المشرع من وضع النصوص القانونية المتعلقة باحترام قانون الطوارئ وشروط منح الرخص الاستثنائية إما من أجل العمل أو العلاج أو التبضع، وضمانا لصحة الجميع تم توفير عدد كاف من الكمامات الواقية وتحديد أثمنة مناسبة ومحددة بتسعيرة موحدة رغبة من المشرع لمحاربة المضاربة واحتكار بيع هذه الكمامات الواقية.

ومن خلال هذه الورقة السوسيولوجية القانونية الموجزة لهذا الوباء المعقد والمركب كوفيد 19، لاحتوائه على مواد سامة بالمعنى الاستعاري لأنه أوقف وشل حركة العالم بأسره وأظهر اختلالات على المستوى العالمي من أبرزها:

▪ الأنا الفردية للدول.
▪ ظهور منظومة صحية عالمية غير قادرة على احتواء الفيروس.
▪ السرقة والاستحواذ بين الدول علانية على المستوى العالمي.
▪ ظهور مقاربة مبدأ رابح رابح – خاسر خاسر.
▪ انحلال العلاقات الدولية بين بعض الدول.
▪ فشل وسقوط النظام النيوليبرالي الاقتصادي.

من خلال هذه الاختلالات، يلاحظ مستقبلا ما بعد كوفيد 19 احتمالية ظهور ما يلي على المستوى العالمي:
▪ ثقافة جديدة.
▪ أنماط جديدة.
▪ استراتيجيات جديدة.
▪ تقوية الفردانية.
▪ انعدام الثقة بين البلدان.
▪ تغيير خريطة النظام العالمي بالخروج من العولمة والرأسمالية إلى نظام جديد.

3- المقاربة الاستشرافية نحو رؤى جديدة
كباحث سوسيولوجي وقانوني وكنظرة مستقبلية لبلادنا أوصي بمجموعة من التوصيات المستقبلية أبرزها:

أولا: الدعم الدائم والمتواصل لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده على الإجراءات الاستباقية والحكيمة شملت جميع القطاعات لحفظ صحة المواطنين وخلق التوازن الاقتصادي والاجتماعي والديني والأمني والتعليمي بالمملكة، واستحضار البعد الإنساني والأسبقية للشعب قبل الاقتصاد والربح.
ثانيا: إعادة النظر في العلاقات الدولية مع بعض الدول.
ثالثا: تقوية الاقتصاد الاجتماعي التضامني، تكريسا للدولة الاجتماعية المبنية على الأخلاقية.
رابعا: تشجيع البحث العلمي والبيولوجي وتحسين أوضاع الأطر الطبية وخلق مجالات معرفية جديدة كالاقتصاد السلوكي والتخلق الاجتماعي.
خامسا: تشجيع المقاولات والصناعة المحلية والاختراعات الوطنية.
سادسا: دعم الفاعل الاجتماعي السوسيولوجي لتدبير الظواهر الاجتماعية واقتراح حلولا للنزاعات حتى تصبح الحلول المقترحة جزءا من الالتزامات النظرية أو الإيديولوجية لعالم الاجتماع واضحة على أرض الواقع.
سابعا: خلق صندوق التأمين عن الفيروسات وأثارها على المجالات الأخرى.
ثامنا: إخراج المجلس الأعلى للأمن للوجود من أجل تدبير الأزمات.
تاسعا: إعادة النظر في الوسائل لمحاربة الأمية عن طريق الأساتذة والإعلام بطرق وبرامج واضحة الأهداف.
عاشرا: إعادة النظر في تراجع بعض القيم والمثل وذلك بدعمها والتركيز على مركزية الفرد وعلى الذات الأخلاقية الحرة المبنية على التضامن والأخلاق الحميدة والسلوكات الإيجابية عن طريق ضبط المواقع الإلكترونية الداعية للإباحية والتحكم في هذه المواقع برد الاعتبار للأسرة.
إحدى عشر: إشراك العلماء والأطباء المقيمين بالخارج في الوضع الداخلي في إطار الأمن الصحي.
إثنى عشر: تحسين وضعية السلطات العمومية بمختلف أطيافها والتي أبانت عن وطنية صادقة واحترافية في التعامل.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.