كرونا والعالم: قراءة شخصية

عبد الحميد بولمان
2020-06-14T12:02:56+01:00
آراء ومواقف
عبد الحميد بولمان21 مارس 2020آخر تحديث : الأحد 14 يونيو 2020 - 12:02 مساءً
كرونا والعالم: قراءة شخصية

عبد الحميد بولمان
إن الشر والخير هما المحور الذي تدور عليه هذه الكوكبة التي نعيش فيها واذا نظرنا إلى هذه الوباء العالمي سنجد أنه شر من وجوه، وخير من وجوه عدة كذلك، قياسا على حوادث عدة مثل الزلازل والبراكين والكوارث الطبيعية الاخرى.

أوجه الخير في كرونا:
1: الوجه التعبدي
أ: الوجه الديني التعبدي عند المسلمين:
ما إن نزل هذا الوباء حتى رأينا الجميع يتضرع ويتعبد، ويستدعي صيغا و أذكارا وأدعية في الكتب والتي هي خاصة لمثل هذه الملمات المهلكات، ورأينا الناس يوجهون الى الإكثار من النوافل واللجوء الى الله والى الدعاء، وهذا ليس أمرا سلبيا بقدر ما هو استجابة لنداء الله تعالى في غير ما آية في القرآن الكريم، التي تنادي العبد أن لا ملجأ ولا مجيب له الا الله تعالى في مثل هذه المقامات، والاحوال.

ب: التوجه الى الله عند غير المسلمين ورسالة خاصة للملحدين
حادثة كرونا وحدت المسلمين وغير المسلمين من الديانات السماوية الأخرى للتوجه الى الله خالق هذا الكون الملك القدير الجبار العزيز بعد أن صدموا ووقفوا عاجزين عن أي حل يواجه هذا الابتلاء ، وقد رأينا في وسائل التواصل والإعلام كبار رؤساء العالم يأمرون بالدعاء والتضرع الى الله على خلاف عقائدهم ودياناتهم، وهنا نرسل رسالة خاصة للملحدين الذين ينكرون وجود إله يحكم هذا الكون الفسيح الى من تتوجهون وقد اغلقت عليكم السبل، وإلى من تتضرعون وارواحكم في خطر في اي لحظة، إن الفطرة السليمة في نفوس البشر تقضي بأن الاله موجود، وهي بفطرتها تلتجئ إليه وتحن اليه وتتعلق به كل ما حست بخطر او اقتربت منه.

2: الوجه الاجتماعي التكافلي:
وهذا وجه تابع للوجه الذي قبله، فقد أخبرتنا كرونا أن قيمة التكافل، مزروعة في نفوس الناس وإنما تنتظر من يحركها ويوجهها، فقد رأينا في وسائل الاعلام كيف سارع رجال الاعمال، في عديد من الدول الى التبرع بجزء من اموالهم تحقيقا لمبدأ المواطنة والوطنية.

وأخص بالذكر هنا الالتفاتة المولوية لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله بشأن إحداث صندوق خاص بتسيير أمور هذه النازلة حفظه الله ونصره. وقد رأينا كذلك بعيوننا كيف سارع أعضاء الحكومة والبرلمانيون جميعا ورجال الاعمال والموظفون من مختلف القطاعات في دولتنا الحبيبة الى المساهمة في هذا الصندوق، حيث تجاوز محصوله 10 مليار دولار في ظرف وجيز جدا.

في الحقيقة أقول إذا لم يدل هذا الأمر على صدق الوطنية في نفوس هؤلاء الرجال، فلايوجود دليل ولابرهان أقوى من هذا في تحقيق هذا الأمر.

وأوجه التكافل التي أظهرتها كرونا لا تقتصر على المساهمة المادية فقط، بل هناك انواع كثيرة، رأينا البعض منها في وسائل التواصل وخصوصا تلك التي تتعلق بالشباب، فقد رأينا من يضع نفسه رهن اشارة الدولة متطوعا، لايبتغي جزاء ولا شكورا، ورأينا من يضع رقمه ومعلوماته، للعامة من الضعفاء والمقعدين وذوي المناعة الضعفية قصد قضاء أغراضهم وهم داخل منازلهم، وأوجه كثيرة يطول الكلام لذكرها.

3: الوجه الأسري العائلي :
كثير من الأسر لم يتأت لها أن يجتمع جميع أفرادها داخل منزل واحد وفي مدة كثيرة حتى جاءت كرونا، فجمعت شتات الأسر، وهذا بحد ذاته وجه عظيم من وجوه الخير في كورونا، فقائدا الأسرة الزوج والزوجة معا أهدتهم كرونا رخصة ذهبية للجلوس مع الأولاد وتقييم قدراتهم ومواهبم ومستواهم الثقافي والديني والدارسي والاخلاقي الخ، فيستغل الزوج الفرصة ويهذب ما يمكن تهذيبه وتقييمه ويصلح مايراه فاسدا، من أخلاق أولاده وكذلك بالنسبة للزوجة، التي هي جوهر البيت ومدرسة المجتمع الحقيقية، لابد أن تستغل الفرصة لتقيم محصول أولادها ذكورا كانوا أو اناثا، فإن كن إناثا استغلت وقتهن الفارغ بتعليمهن أمور المطبخ التي سيحتجنها في حياتهن الزوجية، فكم من فتاة الآن تبقى حبيسة الكتب والدراسة حتى اذا أقبلت على الزواج، لا تكاد تطبخ إبريق شاي؟!

هذه هي الفرصة لكن يا ربات الأسر، فاغتنمنها واغتمنوها كذالك أيها الازواج لتصلحوا فيها ما يمكن أن يصلح وتعلموا ما ينبغي أن يعلم.

4 : الوجه الطبيعي البيئي الذي يشترك فيه عامة سكان هذه الكوكبة:
إن الحديث عن تلوث الارض والإحصائيات التي تقدمها منظمات الصحة العالمية حول هذا الأمر ليجعلنا نتسائل ما السبب وما الحلول.

السبب ظاهر يتجلى في كثرة المصانع والشركات ذات الانتاج الصناعي الملوث للطبيعة والحياة، وقد رأينا في سنة 2019 كمية الحرق التي سرت في غابة الأمازون والتي بدورها تعطي كمية لا يستهان بها من الأكسجين للعالم، ورأينا حرائق آسيا، وحرائق اسبانيا وافريقيا وغيرها، هذه الحرائق المهددة لحياة البشر بسبب فقدان سبب من أسباب الهواء الطيب الذي نستنشقه كل ثانية وكل جزء منها وبدونه لايمكن أن نعيش.

فما العلاقة بين كرونا وهذا؟

العلاقة سهلة. ذكرت إحصائية حديثة أن التلوث العالمي انخفض بنسبة 48/100، مما يجعل هذه الكوكبة التي نعيش فيها تأخذ استراحة في هذه الفترة من تواجد كرونا، فالمئات من المصانع أقفلت والمئات من الشركات أغلقت، مما يجعلنا نوقن تمام اليقين أن وجوه الخير في كرونا سابقة وجوه الشر فيها، وهنا لا بد للعالم أن ينظر نظرة أخرى للكون بعد كرونا، تحت هذا السؤال: هل تعاملنا مع الطبيعة والارض تعاملا إيجابيا، فهي بلاشك تعطينا ولكن هل نعطي لها وهل نرد لها جزءا من خيراتها ؟؟ نتسائل فقط.

ولن أتعرض لأوجه الشر لكرونا لأنني أرى أن وجوه الخير سابقة وغالبة عليها، وقد يظهر هذا لواحد ويخفى على آخر.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.