من أخطأ الموعد مع ريان؟

إسماعيل العلوي
2022-02-18T11:16:40+01:00
آراء ومواقف
إسماعيل العلوي17 فبراير 2022آخر تحديث : الجمعة 18 فبراير 2022 - 11:16 صباحًا
من أخطأ الموعد مع ريان؟

م. إسماعيل العلوي
فجر الطفل المغربي ريان ملحمة إنسانية غير مسبوقة على أرضنا وهو عالق هناك في جبه السحيق، لم يعلم ذلك الملاك الصغير ذو الخمس سنوات مدى التعاطف الكبير الذي خلفه من ثقب حَفَرَه أقرب الناس إليه بحثا عن نقط ماء!

فبقدر ما فجرت من التعاطف يا ريان، أثرت العديد من الأسئلة في الأذهان، فكثير من الغُيُر الأشقاء حائرون.. يفكرون..يتساءلون في جنون: من تكون حتى تستقطب كل هذا الاهتمام العالمي وحدك؟! أي سر كامن فيك شد الكوكب إليك؟ كيف استطعت ان تُنسيَ العالم همومه فيلتفت إليك، وينشغل بمصيرك لحظة بلحظة؟ لقد ضمّك بطن أرض أبت أن تعيدك إلينا حيا، لنعيدك إلى أحضانها هادئا هناك..

لقد هبت قلوب العالمين إلى ذلك الجب العجيب، وقضى سكان المعمور أطول خمسة أيام في حياتهم، فملايين الأمهات ألحقن ريان بأسرهن، واهتمت شعوب الأرض بمصير ريان، وصاح الجميع، على اختلاف ألوانهم وألسنتهم: أنقذوا ريان، وهنا بيت القصيد ..

ها قد شد ريان أعين العالم، والكل كان على موعد مع ريان، ورُفِعت دعوات أهل الإيمان لربهم من مختلف الأديان، لكن ثلة “مغيارة” استكثرت على طفل صغير كل ذلك التعاطف والاهتمام الكبير!

انفتحت شهية ركوب موجة ريان، وتسابقت صحافة الشوارع مع القنوات والفضائيات وكافة المواقع والمنصات، وتنافس المشاهير والشيوخ والدعاة في الميدان!… الكل يريد أن يحظى بحظه من المشاهدين وازدياد عدد المعجبين..!

ولا شك أن بعض الأشرار الانتهازيين كانوا أيضا هناك رفقة المتلذذين بترويج الشائعات، والمسترزقين بالعناوين الكاذبة والمثيرة، بل من حاول استغلال اسم ريان لسرقة المساعدات المادية من المحسنين !!

لقد كشفت عن كافة أنواع الأنفس ياريان..!!

نعم كانوا لفيفا شتى، ولكل امرئ ما نوى، رأينا الأمهات بدموعهن، وعشاق الكاميرات بأنواعها من أمامها وخلفها، وشاهدنا المواطنين بتلقائيتهم، والأطفال بعفويتهم، والمتظاهرين بريائهم، والتافهين بسفاهتهم، وأصحاب الجرافات باستماتتهم، ورجال القوات بتفانيهم…

فمن غاب عن هذه التظاهرة الانسانية، ومن ذا الذي أخطأ الموعد مع ريان؟!

فلنترك “رجال السياسة”/الغائب الأكبر، فلا علاقة لهم بهموم “شعبهم”، فهم مهتمون فقط بالزيادة في “أرباحهم”، وكبيرهم منشغل فقط بالتخلص من مخزون اللقاح، ويتعامل مع المواطنين غير الملقحين كـ”مستخدمين” لديه بتهديدهم بالاقتطاع من الأجرة كضريبة على الحرية في “رفض التلقيح”، وذلك في إطار “إعادة تربيتهم” ! وربما اختفى لعلمه بأن رعاية سامية تشمل الأسرة وتشرف على العملية من كثب، لذلك ستركز هذه المقالة على رجلين اثنين ينتميان لفئتين اثنتين هما : “رجال الإنقاذ” و”رجال الإعلام” فقط لا غير..!

فإذا كان “رجال الانقاذ” هم أبطال الحدث بلا منازع، وكانت آمالنا بين معاولهم، فإن أعصابنا كانت بين أيدي “رجال الإعلام”، ونقلهم للحدث الموجع على الهواء مباشرة، وقليل من كان في الموعد..!

مع تناقل أنباء الطفل ريان هب “المرتزقة” مسرعين، واتخذ سراق “المحتوى” أوضاعهم..وملأ الفضوليون المكان.. ولنعد لرجال “الانقاذ”، فرغم الجهود الجبارة التي قاموا بها، فقد فشلوا في “إنقاذ” الطفل ريان، وإخراجه حيا أمام العالم، ولكنهم “نجحوا” في “انتشاله”، وقل ما شئت عن التربة وطبيعتها، والحفرة وضيقها، والعملية ودقتها !!

“رجال الإنقاذ” المدربون جيدا يجيدون العمليات في الظروف الاستثنائية، ويجمعون بين أمرين لا يتوفران في غيرهم: السرعة والإتقان، ولكن في حادثة ريان رفع “رجال الإنقاذ” الراية البيضاء منذ الوهلة الأولى، حيث سلموا “مهمة” النقب قرب الثقب لسائق جرافة أولا، ثم لـ”عمي علي” ثانيا! واكتفوا بمهمة “الانتظار” الطويل ليقوموا بـ”الإنقاذ”! معتمدين على عناصر غير منتمية لسلك الوقاية المدنيةّ! لأنهم عاجزون عن التعامل مع تلك الحالة غير المسبوقة، قال أحد الظرفاء : لو كانوا “رجال إنقاذ” لأنقذوه في غضون خمس ساعات وليس خمسة أيام !

فعلا لكل فرد منهم كل التحية والتقدير على جهده المبذول، فالحالة كانت فوق قدراتهم على التدخل، واللوم ليس عليهم، ولكنها مسؤولية مسؤوليهم والدولة بالدرجة الأولى ولا أزيد..!

أما “رجال الإعلام” فقد أخلفوا الموعد مع حدث غير مسبوق في المملكة، وظهر غيابهم الفظيع عن تغطية حدث شد أنظار العالم، ولم نجد في المشهد إلا صحافة الشارع، وملأ كل من هب ودب الهواء، وقام حاملو الهواتف بتغطية المأساة، ولم يستطع قطبنا الإعلامي العتيد أن “يملأ الهواء” بشكل مهني، وبصحفيين مدربين على التغطية المستمرة، كيف يعقل أن توقف قنوات خارجية برامجها وتركز على حفرة ريان، وتستمر قنواتنا في برامجها وسهراتها مع تنبيه المشاهدين إذا رغبوا في متابعة قصة ريان أن ينتقلوا إلى منصات التواصل الاجتماعي التابعة لها!!

كان على الإعلام المغربي أن يتصدر المشهد، ويجسد المصدر الموثوق، وكانت فرصته الذهبية ليصبح قبلة الوكالات والقنوات والمنصات العالمية، وإظهار ما لديه من إمكانيات، مع التفرد بالأخبار والصور والمعلومات الحصرية، و”يخدم الخبر” بالمعنيين من المتحدثين والخبراء والمسؤولين.. تنويرا للرأي العام العالمي المتعطش لمعرفة جديد ريان في كل لحظة وحين…ولكنه أفسح المجال واسعا لـ”صحافة المواطن” لتملأ الفراغ الفظيع للصحافة المهنية المسؤولة! فقد اكتفت قناة القطب العمومي بزرع كاميرا يظهر أمامها أحد “المراسلين” لبضع ثوان أو دقائق مرتبكا ملتفتا متوترا ثم يختفي ثانية !! أهكذا تتم تغطية الأحداث الكبيرة في مملكة عريقة ؟! ولا أزيد !

خلاصة القول: ملأ المواطنون العاديون المشهد في كل مستوياته، فقد كانوا هم السباقين كالعادة، فكانت “الجوقة” و”الفضوليون” ومنهم “المسعفون” و”المنقذون” و”الصحفيون”…! نعم قد التحق “المهنيون” من رجال الوقاية والصحافة، ولكن “المبادرة” بقيت في يد “المواطن العادي” و”الصحفي المواطن” وتحية لكل المواطنين الذين كانوا في الموعد..!

وبكلمة، إذا كان حدث سقوط الطفل ريان استثنائيا، فقد احتاج فعلا إلى رجال استثنائيين، وإذا تفهمنا غياب رئيس الحكومة السيد عزيز اخنوش، لأنه لا يتوفر على مواصفات “رجل الدولة” أو مميزات “رجل المرحلة” وغيابه/هروبه لا يعاب عليه، لكننا لن نتفهم أبدا عجز رجل الإنقاذ عن القيام بعملية الإنقاذ، وكذا عجز رجل الإعلام عن القيام بدور الإعلام، والعجيب الغريب أن يسلم رجل الإنقاذ دوره لغيره ! ويتخلى رجل الإعلام المحترف عن دوره لفائدة صحافة الشارع المنحرف ! وبه تم الاعلام والسلام.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.