جمانة الناصري تكتب.. مغربيات المخيمات السورية وإيقاع “سنوات الضياع”

دينبريس
عبر العالم
دينبريس26 مارس 2022آخر تحديث : السبت 26 مارس 2022 - 12:35 مساءً
جمانة الناصري تكتب.. مغربيات المخيمات السورية وإيقاع “سنوات الضياع”

جمانة الناصري
لا يولد الإنسان واحدة: الولادة الأولى هي خروجه من رحم أمه، والثانية خروجه من رحم السذاجة والسطحية، والثالثة خروجه من رحم المعتقدات والعادات التي تكبل عقله وإنسانيته، والرابعة خروجه من بوثقة الأوهام والأهواء إلى فضاء أرحب وأوسع وأنقى.

من هذا المدخل أعرج على حالة الشابات المغربيات التي تتواجدن في المخيمات السورية، على هامش سقوط العديد من المشاريع والرؤى والأوهام.

هل يتعلق الأمر بنساء شابات حقا!؟

واقع نسوة المخيمات ينطبق عليه تمام مقولة أن “العمر مجرد رقم”، ترى بينهن عشرينية وروحها بالستين تستيقظ وتنام على سؤال بات محوري ليومها وشهرها؟

نحن إزاء سنوات ضياع بمعنى الكلمة فلا أنشطة تثري الفكر ولا مبادرات تنمي الذات، شابات في عمر الورد ممتلئات بالشعور الباهت يخفين خيبتهن من واقع يقنعهن بأشخاص توقعنه سيكون أسطوريا، يبتلعن غصة الخيبة ويدعين أنهن بخير، مع أنهن لسن كذلك بالمرة، ويكفي واقعهن في المخيمات السورية، لأن مجرد وجودهن في هذه المخيمات يلخص أشياء كثيرة حول مرارة هذه التجربة.

تماهت أحلامهن بوهم “الخلافة”، وقد تمثلت بعض تلك الأحلام المتعثرة في شخصيات اتخذنها قدوات كمكانة”عائشة” ورجاحة عقل “أم سلمة” وبسالة “أم عمارة” كما ذكرهن التاريخ وكتب المدونة التراثية، فلا تجد المرأة “الجهادية” إلا وقد أخذت لها إحدى هؤلاء أنموذجا، حاولت من خلاله العبور من اللاوجود الذي قارعته في مجتمعها المادي الغربي أو الإقصائي الذكوري، من قبيل المجتمع العربي، إلى الوجود.

بين الرغبة في مساندة الرجل الذي سيعمل على “تحرير العالم” من سطوة الآخر الثقافية والاقتصادية والأمنية والذي ما كان ليتحقق من منظورهن إلا عبر ذاك “الجهادي البطل المغوار”، أو الشخصية الميثولوجية في صميم ذواتهن ووجهة نظرهن، وهذا متوقع، أي حضور هذه المشاهد الحالمة، أخذا بعين الاعتبار هشاشة التأطير الفكري والتكوين النفسي للواتي لا يتوفرن على بنية تحليلية للمشهد “الجهادي” وعواقبه الوخيمة، لهذا ما كان منهن إلا ارتداء لبوس الدين لرغبتهن وحاجتهن.

أحلام ما لبثت وارتطمت بواقع التنظيم “الجهادي” [أو الذي يزعم أنه كذلك] الذي فرض حتمية فناءه بسبب نهله من الدرجة الصفر في العقل السياسي، ولكونهن نتاج بيئات اجتماعية وثقافية خاصة بكل منهن، حيث كان تأقلم الواحدة منهن مع تجربة المخيم على نفس المنوال.

مع مضي الوقت في هذه المخيمات هناك حالات انفتحن بالفعل على قبول الآخر رغم اختلافه، وهناك من ترسخت قناعتها السابقة بأن ايديولجيتها صحيحة وحقيقة مطلقة، وهنا فقط يمكن القول أن الأمر أصبح جحيما للحالة الأولى، فرغم مراجعتها لما كانت عليه، إلا أن الأمر يعنيها لوحدها وللمنخرطين معها؛

الدول الأم غير معنية بهذا نهائيا؛ بل شكها قائم لهذه النوايا اللاتي يسعين المحتجزات لإثباتها، على غرار الثابتة على ايديولجيتها التي أثبتت المواقف والضغوط أنها تعيش في عالم أنطولوجي لما لديها من قناعات مترسخة، بحكم غياب المراجعات لدى هذا التيار.

كيف نقنع هذا التيار النسائي بأن أحلامه غير ناضجة في عصر اختلت فيه موازين القوى، اصبجت فيه الكلمة الأولى للعلم والتكنولوجيا في الوقت الذي يرزح الوطن العربي تحت هدف واحد لإثبات الوجود فقط من هول التحديات التي تواجه المنطقة؟ وما هي الآلية السليمة لترسيخ مفهوم الاستقلالية الفكرية دون التقيد بنص فلان ولا تفسير فلان اللذان عايشا عصرا غير الذي يعاش الآن؟

أسئلة، سنحاول الإجابة عنها في المقال الموالي بحول الله.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.