تورط “إسلاميي” العدالة والتنمية في “التطبيع”: محاولة للفهم

نورالدين الحاتمي
آراء ومواقف
نورالدين الحاتمي28 ديسمبر 2020آخر تحديث : الإثنين 28 ديسمبر 2020 - 9:50 صباحًا
تورط “إسلاميي” العدالة والتنمية في “التطبيع”: محاولة للفهم

نورالدين الحاتمي
يمكن القول ان تورط “إسلاميي” العدالة و التنمية في المغرب، في “التطبيع” مع الكيان الصهيوني مادة صالحة، بل و جيدة، لتشريح حالة هؤلاء “الإسلاميين” وتناول مدى تأثير “التربية الإيمانية” التي أسرفوا في الحديث عنها، وتأطير الاتباع بها، وكذا، مدى تشبثهم بالمبادئ و الاصول، التي كانوا يمارسون أدوارهم السياسية بها ومن خلالها، ولا شك أن هذه القضايا، وغيرها، تمت إثارتها عبر عدد من التساؤلات، التي ما فتئ المنتسبون إلى ذات المرجعية يطارحونها، و يساجلون حولها، ومن خلال الكتابات المنددة و المستنكرة لهذا التورط، والمتسائلة عما إذا كان هؤلاء” الإسلاميون” لا زالوا يحسبون انفسهم “إسلاميين” بعد هذا “المنكر”.

فلماذا تورط هؤلاء في “جريمة التطبيع” و قد كانوا من قبل يؤكدون على موقفهم المناهض، و الرافض له، شأنهم في ذلك شأن باقي الفصائل “الإسلامية؟ ولماذا تفاجأ غيرهم بذلك التورط، و اعتبروا أن الإسلامي، من حيث الاصل، لا يمكن أن يكون “مطبعا” أو مع “التطبيع”؟ و لماذا ينددون بهم و يسفهونهم؟ ما هي الرسالة التي يبعث بها أولئك المستنكرون؟

أعتقد أن الإجابة عن هذه الأسئلة، يمكن أن تسهم في تشريح الظاهرة و شرحها، و بيان حقيقتها. يمكن القول ان “الحركة الإسلامية” حركة معارضة أصيلة و متجذرة، ولا يمكنها إلا ان تكون كذلك، فقد تأسست ردا على الانحدار الذي آلت إليه المجتمعات العربية و الإسلامية على كافة المستويات و الصعد، و أسست خطابها و رؤيتها على “أصالة” الأمة وهويتها.

وإذا كانت الحركات تلك التي عرفها العالم العربي، إما جذرية و إما تلامس الجذرية، فإن نظيرتها في المغرب و أخص “إسلاميي العدالة و التمية” الذين ليسوا إلا “إسلاميي حركة التوحيد و الإصلاح” ليسوا على ما عليه غيرهم من الصلابة و المتانة، و ليسوا على ما عليه غيرهم من الشدة في الموقف من القضايا “المصيرية”، إذ يحكي بعض المطلعين أن جماعة “الإخوان” المصرية مثلا، لا تزال وفية لخط شهدائها الأُول، و لا تزال متأثرة “بالمعلم” سيد قطب على الرغم مما يبدو من تصريحات مخالفة لبعضهم، و إذا كانت جماعة “الإخوان” قد تكونت على النقيض من الدولة في أرض الكنانة و كبديل عنها، فإن حركة هؤلاء في المغرب، قد تأسست تحت عين النظام، و بالقرب منه، و بقدر من رضاه عليهم.

وبخلاف باقي التنظيمات في المغرب، فإنهم يبالغون في موافقة المخزن و عدم مخالفته، إلى درجة أنهم عرفوا ب”الإسلاميين الملكيين” و صار يقال لهم “ملكيون أكثر من الملك” ولم يكن الباحثون، الذين تولوا دراستهم، يفترون عليهم، أو يبالغون في وصفهم، فقد كانوا كما قيل عنهم، و كانت قياداتهم لا تنكر ذلك.

فإذا كان هذا الحزب كذلك، فإنه من الطبيعي جدا أن يسير اعضاؤه في موكب النظام و ركبه، وإذا كان البعض يتساءل مستغربا التناقض، الذي بدا في مواقفهم قبل تولي حزبهم رئاسة الحكومة وبعد، فإن هذا التساؤل و هذا الاستغراب يبرزان تجاهل هؤلاء لمنطق التاريخ و منطق السياسة. إن هؤلاء المستغربين يدركون تماما أن منطق المعارضة غير ومنطق الدولة غير، و يدركون تماما أيضا أن المعارضة السافرة و المطلقة للدولة، لا يراد منها إلا رفع السقف عليها لتحسين شروط التفاوض معها، للفت انتباهها إليها، آية ذلك، أن جميع من تعاقب على معارضة الدولة و التنديد بها، و بمواقفها، ودون استثناء، بمجرد ما تسمح له أن يقتسم معها بعض المهام، و يشاركها فيها، تتغير مواقفه جذريا و يمسي أكثر إجادة لتفسير أعمالها و أكثر تبريرا لها، حتى إذا قلنا، مع القائلين، أن التفكير يتغير تبعا لتغير الطبقة التي ينتمي إليها الإنسان، و أن خطاب الجوع خطاب، و خطاب الشبع خطاب آخر، و أن للغضب من السلطة خطابا و للرضا بها، و عنها، خطابا. أقول لو قلنا ذلك ،لكنا صادقين و لم نبالغ.

وربما كان وجه استغراب بعض الناقمين، أنهم يزعمون أن “الإسلامي” لا يكون إلا رافضا “للتطبيع” و مقاطعا لأهله، وهم على حق، ولكنهم يكونون على حق، فقط، إذا تعلق الأمر بالإسلاميين دون معقوفتين، والحال ان “الإسلاميين” اليوم لا يمكن النظر إليهم وإلى مشاريعهم، دون معقوفتين، أي بدون الشك و الريبة، وهذا ما يفسر لنا الحذر الذي كان يطبع موقف عدد من المثقفين العرب، الذين كانوا يصرون على اعتبارهم “إسلامويين”، أي إسلاميين غير صادقين، واعتبار الإسلام الذي يبشرون به “إسلاما سياسيا” أي توجهه السياسة وتحدد مسلكه.

ويبدو أن الزمن كان كفيلا ببيان نوع من صدق هذه الدعوى، التي كان يتمسك بها أولئك المثقفون الخصوم للإسلاميين، و الذين كانوا يصرون على أن صراعهم معهم صراع سياسي، وسياسي فحسب، حتى و إن اجتهد “الإسلاميون” في التأكيد على كونه دينيا.

ومما يزكي هذا الموقف أن تلك الجلسات “التربوية” التي ربي عليها أبناء التيار “الإسلامي” لم تثمر في بناء الشخصية الإسلامية، التي تتصلب في تبني مواقف الإسلام و الدفاع عنها، يظهر ذلك و يتأكد في فشل هذه القيادات في ان تكون قدوة لغيرها من الأتباع و الأنصار في التشبث بالشعارات و المبادئ.

لقد كان الخطاب الإسلامي، كما دشنته عقول منظري الحركة “الإسلامية” على امتداد العالم الإسلامي، يعتبر أن النجاح في بناء الإنسان المسلم، مفتاح هام لإحداث التغيير المنشود، و أن جل التحديات التي يشكو منها العالم الإسلامي يمكن حلها بهذا الإنجاز، لقد كان المراد من تلك الجلسات “التربوية” هو ربط الإنسان “المسلم” بالله، و تحصينه بتقواه، و اعتبار الإيمان بالله، و الخوف منه، وازعا حقيقيا يمنع المسلم، الذي نشأ في تلك الحلقات و الجلسات، من الانتهاء إلى ما انتهت إليه قياداته، ولكن إلى اي حد نجحت تلك الحركات في ذلك؟

الذي يبدو أن قواعد تلك الحركات، هي التي ظلت وفية لتلك الشعارات، و هي التي بقيت متمسكة بها، في حين أن الذين صنعوها، أو ورثوها و أسهموا في مزيد صياغتها و بنائها، قد صاروا إلى التخلي عنها، و هم يملكون القدرة على جعل تلك التحولات مقبولة و مبررة بقواعد الشرع و أصول فقهه، فتلك القيادات اكتسبت من الثقافة الشرعية ما يؤهلها للقيام بهذا النوع من المناورات، و بحوزتهم من الفتاوى الشرعية ما يناسب كل مرحلة.

إذا كان هذا واضحا بالنسبة لأولئك “الإسلاميين” فإن الذين ينتقدونهم و يسرفون في انتقادهم، يمارسون نفس الدور، و يقومون بنفس اللعبة، ويتبنون خطاب من يقع خارجها، أي اللعبة، ويرفعون شعارات من لا يتحملون أية مسؤولية، و لا يستفيدون من الريع كما استفاد اولئك، و إنهم إن تحملوا ما تحمل أولئك من المسؤوليات، فأغلب الظن، أن امتحانهم سيكون عسيرا عسرة امتحان أولئك، و أغلب الظن، أيضا، أنهم سيرسبون فيه كما رسب أولئك، إذ للدولة منطقها الذي يختلف عن منطق المعارضة و الثورة.

بقي أن نشير أخيرا إلى الخسارة التي من الممكن أن يمنى بها هذا الحزب، فهل سيخسر هذا الحزب و ينتهي؟ لا شك ان “إسلاميي هذا الحزب” سيخسرون قيمتهم في أعين المسلمين، وسيخسرون علاقاتهم مع التيارات والتنظيمات “الإسلامية” خارج حدود دولتهم، و لكن مكانتهم مع السلطة ستتعزز، وتقوى، وفرصهم في البقاء في مواقعهم، في الغالب، لن تتأثر.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.