” بوغطاط” يصيب الاتحاد الأوروبي

الدكتور مصطفى كرين
آراء ومواقف
الدكتور مصطفى كرين13 أغسطس 2021آخر تحديث : الجمعة 13 أغسطس 2021 - 6:00 مساءً
” بوغطاط” يصيب الاتحاد الأوروبي

الدكتور مصطفى كرين
السير أثناء النوم ، somnambulisme أو ” بوغطاط” بالدارجة المغربية، هو عادة مرضية تقع خارج وعي صاحبها ، يكون الشخص خلالها فاقداً للإحساس بالمكان والزمان ويتحرك بدون وجهة وتنتهي به عادة إلى إيذاء نفسه بشكل خطير وأحيانا إيذاء الآخرين أيضا.

مناسبة الكلام عن هذه العادة المرضية، هي أنها تشبه إلى حد كبير ما يقع للاتحاد الأوروبي منذ عقد من الزمان تقريبا، ذلك أنه، وبينما كل الكيانات السياسية عبر العالم، تطورت بشكل واعٍ وذكي وقامت بتحسين وتحيين مقارباتها السياسية والاقتصادية والجيواستراتيجية، فإن الاتحاد الأوروبي، غرق في وحل ماضيه حتى عنقه وبات يحاول جاهداً إيقاف تطور بقية العالم للاحتفاظ بوضعه المريح المتجاوز عمليا، سواء ما تعلق في ذلك بوقف مسيرة الصين أو روسيا أو المغرب أو تركيا …. أو حتى أفغانستان.

آخر مظاهر هذا الجمود وهذه الماضوية لدى الاتحاد الأوروبي تتعلق بما سماه ” التحذير” الذي وجههه لحركة طالبان بأنها ستعاني من “عزلة” دولية في رأيه إن هي سيطرت على أفغانستان، وكأن هذا البلد، قبل سيطرة طالبان كان يعيش من فيض خيرات الاتحاد وينعم ببحبوحة من العيش، أو كأن العزلة شيء جديد على هذه الحركة، أو كأن طالبان لا تملك خيارات جيوستراتيجية أخرى للانطلاق والانفلات من قبضة التخلف الذي فرضه عليها الاتحاد الأوروبي نفسه بالتحالف مع أمريكا، أو وكأن انسحاب هذه الأخيرة ( أمريكا) كان هدية أو منة على هذا البلد.

هذا في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات بين واشنطن وطالبان في قطر حول رغبة الأمريكيين في ضمان شيئين بسيطين حسب نيويورك تايمز لهذا اليوم وهما: الحصول على ضمانات بعدم مهاجمة سفارة الولايات المتحدة من جهة ووضع قواعد العلاقات الأمريكية الأفغانية المستقبلية تحت حكم طالبان من جهة ثانية…فعن أي عزلة يتحدث الاتحاد الأوروبي إذاً.

الواضح والحقيقة هي أن المقاربة الغربية للمشكلة الأفغانية، بشكل مباشر أو عبر حكومة مصطنعة، قد آلت إلى الهزيمة والفشل الذريع، وأن تكلفة هذه المقاربة أصبحت باهظة وخارج قدرة تحمل تحالف “أأ” ( أمريكا- أوروبا)

كما من الواضح أن هذا التحالف أدرك متأخرا بأنه لا يمكن لأي حركة كيفما كانت قوتها وتنظيمها أن تبقى على قيد الحياة وهي تحت الحصار لأكثر من عقدين من الزمان أو أن تكتسح بلدا بأكمله إلا إذا كانت تحظى باحتضان شعبي قوي، ويكفي في هذا الصدد أن نورد جواب الناطق الرسمي باسم طالبان على “تحذير ” الأوروبيين لحركته بالقول “نحن نعرف الشعب والشعب يعرفنا، هذا شعبنا”.

لذلك يعتبر ” تحذير” الاتحاد الأوروبي لطالبان، تخلفا سياسيا خطيرا ينبأ بل يؤكد تردي أدائه الجيوستراتيجي المستقبلي في الوقت الذي أصبح أداء تحالف ص-ر( الصين روسيا) في تصاعد مهول بما يؤهله لاحتواء أي نظام سياسي أفغاني مقبل ووفق قواعد تعتمد التعاون الاقتصادي والتنمية أساساً.

تردي الأداء السياسي والجيواستراتيجي للاتحاد الأوروبي هو مرحلة تسبق تفككه و” تلاشيه” في غضون العقد أو العقدين المقبلين على أبعد تقدير، وقد ظهر ذلك جليا سواءً خلال تدبير أزمة كوفيد، قبل وبعد ظهور اللقاحات، أو خلال الموقف من الاتفاق النووي الإيراني، أو خلال الموقف من تركيا، أو خلال الموقف من روسيا، وغير ذلك من الملفات السياسية الدولية الكبرى.

ما يهمنا من كل هذا هو أن الاحتمالات القوية لتفكك الاتحاد الأوروبي تفرض على المغرب إعادة توجيه خياراته السياسية والجيواستراتيجية من خلال الانفتاح المبكر على مناطق القوة عبر العالم، ونعني بذلك أساسًا الصين وروسيا والولايات المتحدة، بدأً بمراجعة لغة ومحتوى التدريس والعقليات ثم بملاءمة البنيات الإدارية والسياسية والاقتصادية إلى تأهيل الموارد الدبلوماسية، لإنه لم يبقى لدينا من الوقت الكثير في الحقيقة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.