الهجرة الجماعية إلى سبتة بين الموقف الإنساني والموقف السياسي

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري19 مايو 2021آخر تحديث : الأربعاء 19 مايو 2021 - 8:57 صباحًا
الهجرة الجماعية إلى سبتة بين الموقف الإنساني والموقف السياسي

ammouri  - دين بريسمحمد علي لعموري
يكاد القلب ينفطر عند مشاهدة آلاف الشباب والأطفال والقاصرين يهاجرون سباحة إلى مدينة سبتة السليبة من أجل البحث عن أفق أرحب حسب المعتقد الجماعي لجمهور غفير من المغاربة الذين لم يعودوا ينظرون إلى واقعهم داخل وطنهم إلا من خلال مقارنة العيش الموعود في الضفة الأخرى من جنوب أوربا وشمال البحر الأبيض المتوسط مع العيش الضنك الذي يدفعه إلى طلب النجاة عند “الآخر”، هناك حيث يتمثل الشباب المغربي خلاصه في تحقيق أحلام يقظته كلما سنحت الفرصة لذلك.

لعب المغرب منذ عقود دركي أوربا وخاصة لدى اسبانيا التي تجمعنا وإياها مصالح مشتركة، خاصة ما تعلق منها بمحاربة الهجرة السرية، مكافحة الإرهاب، واتفاقيات الصيد البحري…الخ

اسبانيا التي لعبت بالأمس القريب دورا في اقتسام المغرب مع فرنسا أيام الحماية، ولم تغادر صحراء المغرب إلا مرغمة بعد تنظيم المسيرة الخضراء عام 1975، تركت لنا مشكلة من حجم الانفصال الذي أدكته أطماع الجارة الجزائر، وأطماع الجارة اسبانيا، ومنذ منتصف السبعينات من القرن الماضي والمغرب يتعرض للابتزاز والتحرش ضد وحدته الترابية من طرف الجارتين الشمالية والشرقية.

اليوم بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وقع قبله وبعده اختراق ناجح من طرف الديبلوماسية المغربية لعدد من القلاع المحمية التي تلعبها الأطراف المتورطة في مشكل الصحراء المغربية كي تديم الأزمة المفتعلة، ولكي تظل ورقة الصحراء سلاح الاستعمار الجديد( فرنسا واسبانيا) لابتزاز المغرب، وعقيدة سياسية لحكام قصر المرادية من العسكر الذين تقوم عقيدتهم على معاداة المغرب ومصالحه العليا، وذلك لكي تدوم للسلطة العسكرية مشروعيتها، بالهاء الشعب الجزائري عن المطالبة بحقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية…

إن اسبانيا التي عضت على أناملها من شدة الغضب بعد الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، دعت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى مراجعة قرار ترامب، ونسقت استخباراتيا مع الجزائر من أجل إدخال ” زعيم” الإنفصاليين ابراهيم غالي إلى أراضيها قصد العلاج باسم مزور ( بنبطوش)، وانفضاح الأمر من طرف المغرب الذي طلب استفسارا من عند الحكومة الإسبانية، وتلكؤ هذه الأخيرة في إعطاء تبرير معقول يتناسب وحجم الفضيحة التي تسيء إلى طبيعة العلاقات الندية المحترمة بين بلدين جارين تجمع بينهما مصالح، كان الأولى أن تجعل الطرف الاسباني يفكر جيدا قبل الإقدام على أي تهور أو تصرف يسيء إلى تلك الوشائج القائمة على التعاون وعلى الاحترام مع جارته المغرب.

إن تراخي المغرب اليوم في القيام بالدور الذي دأب على لعبه من أجل الحيلولة دون وصول المهاجرين السريين إلى الأراضي الاسبانية، إنما دافعه بعث رسائل مشفرة عقب ما صرحت به الخارجية الاسبانية التي بررت استقبال زعيم الانفصاليين بكونه جاء لأسباب إنسانية ! كذا ! وها هو المغرب يمنحهم جيشا من المهاجرين السريين الذين لجأوا إليها لدواعي إنسانية، فكيف سيتم التعامل مع الوضع؟

طبعا ما ظهر على السطح يبدو مخيفا للغاية، فكل هذا الكم الهائل من الأطفال الذين يحلمون بمغادرة الوطن إنما يبعث برسائل إلى الداخل قبل أن يكون ذا رسائل موجهة إلى الخارج!

فالوضع يبعث على القلق والأسف والحزن والغضب والأسى وكل المشاعر السيئة والسلبية التي تحرك في كل ذي انتماء حقيقي لهذا الوطن الغيرة وروح الوطنية التي تتوجه بالسؤال والنقد إلى كل مسؤول في الحكومة، وكل زعيم حزبي، وكل ساهر على تسيير الشأن العام، وكل نقابي يدافع عن الشغيلة، وكل مثقف يكتب في السياسة وفي الفكر السياسي، كي يحللوا ويشرحوا ويفككوا لنا هذا الوضع المتردي من اليأس الكامن في دواخل جيل كامل من الشباب والأطفال من طينة هؤلاء الذين استرخصوا أرواحهم فداء لحلم ووهم كانا وراء هذا الهروب الجماعي بالآلاف في يوم واحد كما لو كان الوطن سجنا كبيرا !

ستنفك عقدة الأزمة الصامتة بين البلدين الجارين، وستعود السلطات الأمنية لمباشرة الصرامة في المراقبة والحيلولة دون وصول أي حالم إلى ” أرض الأحلام”، ولكن عقدة الجيل اليائس ستكون بحاجة إلى تفكير جدي وعقلاني وإنساني من أجل إيجاد حل جذري لا ترقيعي لهذه المعضلة، وأنه لا مفر من الاستثمار في الإنسان حتى نجنب البلد أي انفجار طبقي حاقد على هذا الرتق الكبير بين طبقة محدودة تحوز الثروة، وطبقة عريضة تحوز الفقر والبطالة والتهميش والقمع واللامبالاة.

فكيف تنتصر سياسة المغرب على أعداء وحدته الترابية ومصالحه العليا بدون التفاف جماهيري وراء مصالح الوطن ومقدساته؟

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.