أهمية الإعلاء من شأن الإنسان تحقيق للسعادة

محمد عسيلة
آراء ومواقف
محمد عسيلة24 ديسمبر 2019آخر تحديث : الثلاثاء 24 ديسمبر 2019 - 2:18 مساءً
أهمية الإعلاء من شأن الإنسان تحقيق للسعادة

محمد عسيلة، أستاذ محاضر بالمدرسة العليا لدراسات العلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا ومستشار في شؤون الاندماج والتربية و التعليم
الفكر الديني عبر العصور لم يستطع حل هذه المنظومة العلائقية بين الشرع و الإنسان بتميز و التي سخر الله للإنسان داخلها كل المخلوقات ليكون خليفة و مديرا لهذا الكون في معايير تخدم المصالح العامة و السلام و الانسجام و تحقيق سعادته.

فتم في هذه العصور استغلال المرأة و استغلال الضعفاء و الفقراء بمبررات واهية تعتمد على النص المقدس او الديني وعطلوا الاجتهاد و القراءات التي تبحث في كنه الامور و تستند على العلم مراعاة للواقع و حقوق الانسان و الطبيعة و نصبوا أنفسهم مؤمنين أقرب إلى الله أو الرب و أسموا أنفسهم نبلاء و طاهرين.
فالإنسان غاية سامية فوق الدين كرمه الله في كتابه العزيز حيث قال:

“وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (سورة الإسراء:70). فالتكريم ساري على بني آدم دون تخصيص و الرزق و التفضيل كذلك.

فالأولوية في هذا الطرح المتواضع الذي أعالجه ان تكون العقيدة خادمة للإنسان، تنفعه و تحل إشكالياته لا أن تكون متعارضة مع تحقيق سعادته الناتجة من امتثاله لأوامر الله نيلا لرضاه و جزائه: “و ما خلقت الجن و الانس إلا ليعبدون.”.

فأحد أسباب التأخر و فشل نماذجنا في مقابل تطور المجتمعات الغربية و نجاحها في نظري هو إهمال هذه الغاية و الهدف المتجلية في اعتماد الانسان المنطلق لأي تفكير و لأي ورشة من أوراش العمل و التنزيل و احترام هذا الانسان لأنه اكتسب مكانة سامية عند الله لكونه تحمّل المسؤولية، وخصه الله بصورة مميّزة في خلقته، وفي قدراته العقلية والنفسية، التي مكنته من استيعاب حقيقة الرسالات السماوية، ومن أداء واجبه الديني والعملي والإصلاحي بوعي تامّ. قال الله تعالى: “وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ” (سورة الأعراف: 10).

فالسجود لآدم هنا ليس عبادة له، وإنما هو تكريم وتبجيل لمخلوق له خصائص فكرية وبيولوجية ونفسية لا توجد في مخلوقات أخرى، وحينما امتنع إبليس عن السجود فلأنه لم يدرك الخصائص التي ركّبها الله في الإنسان معتبرا نفسه أفضل ممن خلق من طين.

و قال الله تعالى: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)”سورة إبراهيم:34-34)

بهذا يجب أن يكون تلازمًا بين المصلحة و الشريعة و الدين بشكل عام أوجه التلازم بين المصلحة والشريعة لأن هذه الشريعة مبنية على تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم في الدنيا والآخرة، فالشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة. وهذا الأصل شامل لجميع الشريعة لا يشذ عنه شيء من أحكامها؛ كما أن هذه الشريعة لم تهمل مصلحة قط، فما من خير إلا وقد حثنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وما من شر إلا وحذرنا منه.

الإسلام جعل الحكم بالقسط، والعدالة بين الناس من أعلى مقاصد الرسالة، يقول الله تعالى: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ “.
فعندما نولي اهتمامنا الى المصالح المرسلة نجد أن الانسان هو محط عناية و تركيز ؛ هذه المصالح هي:
١- مصلحة تعود إلى حفظ الدين،
٢- مصلحة تعود إلى حفظ النفس،
٣- مصلحة تعود إلى حفظ العقل،
٤- مصلحة تعود إلى حفظ النسب،
٥- مصلحة تعود إلى حفظ المال.

فالدين يوجب فهمًا عقليًا و سلامة روحية و نفسية و يتوجب أمنًا و استقرارًا في مجتمع منسجم أرضيته الأسرة و النسب والانتساب الى مرجعية محتضنة و يتطلب ذلك كسبًا حلالا و مريحا لتلبية الحاجيات و تحقيق الذات الثقافية و الانسانية في شمولية و تداخل كل تلك المصالح و الغايات المفضية الى سعادة الدنيا و الآخرة .

علينا التفكير في الانسان، في ذاتنا نحن ليس بأنانية تحقيقا لرغبات بيولوجية محضة بل لتحقيق السعادة و الانسجام و السمو: بهذا نحقق البعد عن الهمجية والحيوانية الفجة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.