أثرُ الإسلام في القانون الدولي الإنساني

دينبريس
دراسات وبحوث
دينبريس4 مارس 2022آخر تحديث : الجمعة 4 مارس 2022 - 10:02 صباحًا
أثرُ الإسلام في القانون الدولي الإنساني

ذ. محمد جناي
في ظل هذا العالم الذي يجتاحه عدد من الحروب والثورات في بقاع وأنحاء شتى، وأمام الحرب الضروس التي يقاسي ويلاتها العالم كله، ونظرا أيضا للخطورة البالغة في حرية الاستخدام العشوائي للقوة المسلحة، قام المجتمع الدولي بتبني قواعد تعاقدية متعددة المصادر، والتي أرسى أهم جذورها الأساسية الديانات السماوية، وخصوصا الدين الإسلامي والسيرة النبوية، ذلك القانون الذي وضع ابتداء لهدهدة الحروب والحد من آثارها، بدعوة أطراف النزاع للتحلي بالقيم ومكارم الأخلاق أثناء القتال.

وقد أطلق على هذا القانون الذي يهدف إلى حماية حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة اصطلاح القانون الدولي الإنساني، وذلك لإضفاء الطابع الإنساني على هذه القواعد، وبالتالي فإن أصل ظهور القانون الدولي الإنساني شعور إنساني، أو عاطفة إنسانية تستهدف حماية الإنسان من العدوان وقت النزاع.

يهدف إذن القانون الدولي الإنساني إلى تخفيف المعاناة الإنسانية الناجمة عن الحرب، أو إلى أنسنة الحرب كما يقال أحيانا، فإنه يهدف إلى الحيلولة دون انطلاق أطراف النزاعات المسلحة في القسوة والبطش، وتوفير حماية أساسية لمن يؤثر عليهم النزاع المسلح تأثيرا مباشرا، لكن الحرب تظل مع ذلك كله، ظاهرة فظيعة مثلما كانت دائما، فقد يتوقف على القانون الإنساني وحده دون غيره وجود وحرية الملايين من البشر، فحسب الدكتور “جان بكتيه” فإن القانون الإنساني لا يعالج مشكلات مجردة وإنما يتناول قضايا الحياة والموت التي تهم بصورة جوهرية كل واحد منا، فلم يعد القانون الدولي الإنساني قانون الدول والمنظمات فحسب بل غدا أيضا قانون الفرد، ومنه فإننا نلاحظ أن اتفاقيات جنيف وضعت لغرض واحد هو صالح الفرد، فلقد بدأ عهد يعطي الأولوية للإنسان للمبادئ الإنسانية، إلا أن المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني وجدت قبل أن يوجد هذا الأخير، فهي إما منصوص عليها في الأديان السماوية أو أصبحت عرفا دوليا، ومن ثم اعتمدت في الاتفاقيات الدولية، فتشير إليها في الديباجة أو في سياق النص أو صراحة أحيانا أخرى ويشار إليها ب “قوانين الإنسانية “و “العرف السائد “و مايمليه “الضمير العام”.

إن تلك المبادئ الأخلاقية الإنسانية نجدها متجلية في كتاب الله وفي تعاملات النبي الكريم وسيرته وسيرة أصحابه الخلفاء الراشدين من بعده، والتي كان لها دور فعال في تطوير قواعد القانون الدولي الإنساني وفي إرساء معالم التعامل الحضاري، والتي نتمنى أن لا تكون مجرد حبر على ورق بل كممارسات أخلاقية إنسانية في الواقع المعاش أثناء النزاعات المسلحة.

والقانون الدولي الإنساني في أشمل تعريف له يعني: مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد حقوق وواجبات الدول المتحاربة في حالة نشوب الأعمال العدائية، وتفرض قيودا على المتحاربين في وسائل استخدام القوة العسكرية، وقصرها على المقاتلين دون غيرهم، وتحمي حقوق ضحايا النزاعات المسلحة، وخاصة القتلى والجرحى، والمرضى والأَسرى في المعارك البرية والبحرية والجوية، فضلا عن المدنيين المحميين من سكان المناطق المحتلة.

وهذا القانون يتكون من فرعين أساسيين:

الأول: قانون لاهاي: ويحدد القواعد التي تحكم تصرف المحاربين في الحرب.

الثاني: قانون جنيف: ويحدد المبادئ والقواعد التي تحمي الشخصية الإنسانية في حالة الحرب.

وأما اللجنة الدولية للصليب الأحمر فهي تعرفه بأكثر دقة بـ”القواعد الدولية التعاهدية أو العرفية، التي يقصد بها على وجه التحديد حل المشكلات الإنسانية مباشرة من النزاعات المسلحة؛ دولية كانت، أم غير دولية، وتقيد تلك القواعد – لأسبابٍ إنسانية – حق أطراف النزاع في استخدام ما يحلو لها من أساليب ووسائل الحرب، وتحمي الأشخاص والممتلكات التي يلحق بها الضرر، أو تكون معرضة له، بسبب النزاع المسلح.

ونجد كتب الفقه الإسلامي تناولت أحكام وقواعد ومبادئ ما يسمى بالقانون الدولي الإنساني في أبواب الجهاد والسير والمغازي، ولما كانت آفة الحرب من المتعذر القضاء عليها فقد جرى السعي إلى تخفيف ويلاتها، وقصر أضرارها على أطرافها المشاركين فيها بقدر الإمكان كي لا يمتد أذاها إلى أطراف أخرى خارج دائرة الحرب، وهذا هو أساس فكرة القانون الدولي الإنساني.

لم يرد ذكر القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني في القرآن أو في كتب التراث الإسلامي كالفقه والسير والمغازي والتفسير والحديث والتاريخ الإسلامي، ولا غرابة في ذلك لأن الشريعة الإسلامية شريعة إلهية، وللأوائل من المحدثين والمفسرين والفقهاء والمؤرخين اصطلاحاتهم التي تتلائم مع ظروف زمنهم، فقد استمدوا اصطلاحي الجهاد والسير والمغازي.

تضمن الشريعة الإسلامية لضحايا النزاع المسلح الحق في الحماية والاحترام والمعاملة الإنسانية الكريمة، كما تدعو إلى حماية المرافق والممتلكات المدنية، وتقيد الشريعة الإسلامية أساليب ووسائل الحرب إلى حدود الضرورة العسكرية.

كل هذا يتوافق بشكل كامل مع أحكام القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، وهكذا، فإن أوجه التشابه بين القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية ليست من قبيل المصادفة، بل دليل على وجود قيم عالمية وأنها جزء مهم من معظم وجهات النظر الدينية وغيرها في العالم.

نستطيع أن نبني أمرين بارزين في هذا القانون الإنساني ، هما أن الحرب يجب أن تقتصر على الضرورة فقط كما وكيفا، وأن ما يقع فيها يجب أن يكون إنسانيا، أي محترما لإنسانية أطرافها، وهاتان قاعدتان إسلاميتان ، أما الأولى فقاعدة الضرورة ، وإن من المقرر في الشريعة أن الضرورة تقدر بقدرها، وما دامت الحرب ضرورة فإنه لا يجوز بحال تجاوز هذه الضرورة ، وأي تجاوز هو تعد واعتداء على الطرف الآخر.

وأما القاعدة الثانية فإن الأصل تكريم الإنسان قال تعالى ” ولقد كرمنا بني آدم “، وحرم ظلمه ” ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا”، وهذا وعيد لكل ظالم ، فيشمل ظلم الإنسان للإنسان أثناء القتال، إلا لسبب شرعي ” لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون”، وإذا تحقق السبب الشرعي وجب أن يتم القتل ضمن أفضل الطرق إنسانية.

والنزاع المسلح يشمل نوعين من النزاع نزاع مسلح دولي ونزاع مسلح داخلي ، ولا يختلف مفهوم النزاع المسلح في الفقه الإسلامي عنه في القانون الدولي الإنساني الوضعي، إلا أن الخلاف يكمن في مصدر القواعد المقررة للحماية الإنسانية، ففي الشريعة الإسلامية مصدرها القرآن والسنة والاجتهاد، وفي القانون الدولي الإنساني تستمد مصدرها من العرف والمعاهدات.

وللحرب في الإسلام فلسفة يمكن إجمالها في النقاط التالية:

أولا: الحرب في الإسلام حرب لإقرار الحق، ودحض الباطل.

ثانيا: الحرب في الإسلام لرد الاعتداء، لا لإبادة الأعداء.

ثالثا: نشر العقيدة الإسلامية وحمايتها، دونما إلزام لأحد بها.

رابعا: منع الظلم والإفساد في الأرض.

خامسا: حماية الديانات الأخرى من أن تمحى.

والظاهر أنه لا يوجد اختلاف في الشريعة والقانون فيما يتعلق بماهية القانون الدولي الإسلامي وذلك لأنهم متفقون في المضمون والمدلول وإن اختلافا في الاصطلاح، ولذلك لا يوجد ما يمنع من استخدام اصطلاح القانون الدولي الإنساني للدلالة على حقوق الإنسان في زمن الحرب في الإسلام.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.