الدكتور النهيري يكتب: الإمام الغزالي المعرفة والأخلاق العملية

حمزة النهيري
آراء ومواقف
حمزة النهيري24 يوليو 2020آخر تحديث : الجمعة 24 يوليو 2020 - 12:05 مساءً
الدكتور النهيري يكتب: الإمام الغزالي المعرفة والأخلاق العملية

الدكتور حمزة النهيري
يجمع العلماء والمؤرخون على أن الغزالي الملقب بحجة الإسلام من أعظم عباقرة العالم وأذكيائها، ولقب حجة الإسلام يستحقه بدون مبالغة بل هو أعظم من ذلك بكثير، وقصة هذا الفيلسوف الذي هدم فلسفة ابن سينا وأجهز على مقولاتها الفلسفية طويلة الذيل متشعبة المسالك، ولعل ما كتبه الفيلسوف العظيم عبد الرحمن بدوي وغيره يفي بشيء من سيرة هذا الرجل العظيم.

قد يقول قائل كيف تصفه بالفيلسوف وهو الذي كفر الفلاسفة بعد أن هضم مذاهبهم، بل إن الغزالي فهم كتاب الشفا لابن سينا أكثر من ابن سينا..

جواب ذلك باختصار أن يقال إنه فيلسوف بالقوة والفعل، فهو بالقوة فيلسوف لأنه ملك ناصية الفلسفة وأحاط بها علما، وهو فيلسوف بالفعل لأنه مارسها من خلال كتبه الجليلة مقاصد الفلاسفة وتهافت الفلاسفة حيث رد على الفلاسفة في مسائل ثلاث وهي قدم العالم وعلم الله الكلي في مقابل علمه الجزئي وفي حشر المعاد بالأرواح.. ، وقد قام ابن رشد بنقد كتابه تهافت الفلاسفة في بعض جزئيات الكتاب لا في مجمله وإلا فإن ابن رشد لايخالف الغزالي في المسائل الثلاث من حيث الكل لا من حيث الكلية، ولعلي أتناول قضية فلسفة ابن رشد وادعاء الدكتور طه عبد الرحمان عليه بأنه رجل مقلد لأرسطو من خلال رده لنقد الغزالي وشرحه لمقولات أرسطو في مقال لاحق.

قول على قول
وللغزالي كتب مهمة خصوصا كتابه فضائح الباطنية الذي هدم به الفلسفة الباطنية، و إلجام العوام عن علم الكلام وكتابه التأسيسي في أصول الفقه المستصفى والمنخول وغيرها من كتبه ورسائله التي تنبئ عن مدرسة معرفية متكاملة، وقد أحسن الأديب الكبير علي الطنطاوي والعقاد حين وصفا الغزالي بأنه أحد أعظم بلغاء العالم، لأنه من العلماء الذين تقرأ لهم في دقائق العلوم بأسلوب أدبي سلس ماتع ورشيق، أما كتابه المنقذ من الضلال فهو الكتاب الذي سطر فيه سيرة حياته وأشار فيه إلى مسألة الكشف طريقا من طرق المعرفة.

يذكر الفيلسوف المصري محمود حمدي زقزوق رحمه الله في كتابه المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت أن كتاب المنقذ من الضلال للغزالي كان مترجما إلى اللاتينية وقد دخل مكتبة ديكارت فوجد فيها الكتاب، ومن هذا الكتاب استقى ديكارت مبدأ الشك في رسالته عن المنهج.

الغزالي كان أستاذا للمدرسة النظامية التي أسسها الوزير نظام الملك في بغداد.

وقد ظهرت عبقرية هذا الرجل العلمية حتى أذعن له الجميع، لكنه بعد أن ملك ناصية العلوم دخل في دوامة من الاكتئاب دامت عشر سنين حبس فيها نفسه بمنارة دمشق لايؤلف ولا يدرس، وقد زاره الأطباء فذكروا أن مايعانيه له تعلق بالروح، فالغزالي لم يكن يجد لذة للحياة رغم أن العلم هو أعظم اللذات، فقد كان يرى للنفس حظا في العلم لايليق بالنفوس المخلصة، وهو ماجعله يترقى في مدارج مرتبة الاحسان حتى خرج على المسلمين بنظرية الكشف الصوفي التي لاتتفق مع نظرية المدرسة السلفية وترفض لأجلها هذه المدرسة أن يسمى بحجة الإسلام رغم بلوغه المراتب العلية في العلم إلا علم الحديث الذي قالوا عنه أنه كان فيه قليل البضاعة.. وأنا لا أرى ذلك لأن استشهاده بالحديث الضعيف في مسائل التزكية والتصوف جرى العمل به، وهذا حديث ءاخر يمكن مناقشته.

بعد أن خرج الغزالي من خلوته و وأشرقت نفسه وتعافت من مرضها رجع إلى قريته طوس فبدأ بشرح صحيح البخاري حتى مات رحمه الله وعلى صدره هذا الكتاب العظيم الذي لايزال بعض الناس في عصرنا يشكك فيه ولايشكك في مقولات أفلاطون وأفلوطين الاسكندراني رغم تباعدها في الزمان والتاريخ(أفلاطون كان في القرن الثالث قبل الميلاد وأفلوطين كان في القرن الثالث بعد الميلاد).
لقد تعلم هذا الرجل العالم الكبير معنى التواضع وأن الإنسان مهما بلغت علومه فهو لم يتعلم شيئا، والسعيد حقا هو من ترقى في مدارج الاحسان وتعلم العلم لأجل أن يتقرب به إلى الله تعالى لا لأجل أن يفاخر به بين الأقران ويتباهى به أمام الناس.

أما عن اتهامه بأنه ترك الانخراط في رد عدوان الحملة الصليبية على الاسلام وتفرغ لخلوته فهو معذور بسبب المرض القاهر وبسبب عدم قيام التكليف بحقه في فرض كفاه فيه غيره من المسلمين، في ظل قيامه بواجب فرض العلم وتبليغه للمسلمين مصداقا لقوله تعالى: “وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون”.

فرحمة الله على هذا الفقيه الشافعي و العالم الأخلاقي الكبير حجة الإسلام الغزالي الذي علم المسلمين المنهج المعرفي المقترن بممارسة الأخلاق العملية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.