يشو ولد الحضرية.. روح امرأة في جسد رجل

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري10 سبتمبر 2020آخر تحديث : الخميس 10 سبتمبر 2020 - 10:25 صباحًا
يشو ولد الحضرية.. روح امرأة في جسد رجل

محمد علي لعموري
منذ نعومة أظافري كانت أمي رحمها الله تحكي لي قصصا متنوعة ، منها العجائبي المتخيل كقصة الدمية المسكونة التي تقتل من يلعب بها – لعل الأمريكيين قد استلهموا الفكرة أو اقتبسوها وحولوها إلى عمل سينمائي – ، ومنها الحقيقي الذي عاشت فصولا من وقائعيته في زمن مضى.

ومن بين الحكايات التي حكيت لي من طرف أمي في سنوات مضت ، أيام كنت أجلس بالقرب منها ، أو على فخدها وهي تداعب شعري ، قصة الرجل الشبيه بالمرأة المسمى قيد حياته ” يشو ولد الحضرية ” .

كبرت شيئا ما وتكرر سرد قصة هذا الرجل على مسامعي مرات عدة في مناسبات وسياقات مختلفة وفي فترات من العمر متباعدة..

في كل مرة كنت أجد أمي تتحدث عن هذا الرجل الشبيه بالمرأة بزهو وفخر كما لو كان سيد القبيلة في منطقة بدوية من منطقة الغرب بالمغرب ( دوار السلاهمة ) بحد كورت.
كان يشو ولد الحضرية يعيش وحيدا لكن منزله كان يضرب به المثل في النظافة والترتيب والعناية.

وقتها كانت الأبنية عبارة عن منزل متواضع من الطين الأحمر تتم صباغة واجهته الخارجية بالجير الأبيض ويتم إحاطة المنزل بغرس من النباتات لتزيين الفناء الخارجي ( الحوش ).

كان يشو هذا من سكان الدوار ( القرية ) ولم يكن أحد يعترض سبيله أو يتعرض لحياته الخاصة بالنقد أو السخرية أو العنف…لأنه كان محبوبا لدى جيرانه من النساء والرجال وخاصة النساء اللواتي كان يخوض معهن في شؤون البيت من طبخ وكنس ، بل كانت النساء تستشيره في بعض الأمور المتعلقة بالطبخ ، لأن رائحة مطبخه كانت حديث الناس ، ونظافة بيته كانت مثالا يحتدى ، وحتى ملابسه كانت نسائية ، يضع ( التشامير ) وهو أشبه بالقميص الطويل الخاص بالنساء وسروالا أبيضا من صنف ( حياتي أو البرودي ) حسب الفصول ، ويضع على رأسه ( السبنية ) وهي غطاء نسائي من الحرير بأهذاب يغطى به الرأس ويشد بعناية خاصة..

كانت أمي تحكي لي عن هذا الرجل المسالم الذي يعيش في بيئة قروية مسالمة، وكان موضع احترام من طرف الساكنة، بل كان يحسب له ألف حساب لقوة شخصيته ، ويضرب به المثل في النظافة: نظافة ملبسه ونظافة مسكنه ، كما كان يتمتع بروح الدعابة ويساعد في إعداد الطعام الفاخر في الولائم والمناسبات مع النساء..

طبعا أمي لم تتطرق إلى حياته الخاصة ، ولم تذكر لي يوما أنه كان مثليا أو كان يقيم علاقات جنسية مع رجال القرية ، ربما لأن طبيعة الحوار المبني على الإحترام بيننا حال دون أن تسرد لي أمي بعض التفاصيل ، لكن إيحاءاتها عن طريقة عناية يشو ولد الحضرية بنفسه ، وتصرفه على سجيته كما النساء يوحي بأن الشخص موضوع الحديث كانت له حياته الخاصة التي لا تعنينا في هذا السياق، بل يعنينا جو التعايش في ظل الإختلاف الذي كان سائدا في أقصى المناطق القبلية القائمة على العرف التقاليد والعادات بالمغرب زمن الحماية وقبلها..

فالزمن الذي نحكي عنه يعود لسنوات الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، ومع ذلك كان أهل البادية يتسامحون ويتعايشون فيما بينهم رغم وجود حالات تخرج عن نطاق المألوف والسائد، والذي كان يوزع الأدوار الإجتماعية على الجنسين حسب المنطق الذكوري الذي يحدد جغرافية اللعب لكل جنس على حدة ، ومع ذلك ظل كل انزياح أو خروج عن هذه القاعدة السوسيولوجية استثناءا يتم تدبير التعايش والتعامل معه في إطار التفهم والتعامل السلمي.

مرت سنوات عدة حتى زحف المد الأصولي الدخيل والمد الإخواني المندس في إيديولوجيا وافدة من الشرق ليبدأ تشويه ملامح الهوية المغربية بخطاب الأسلمة والأخونة والأصولية ، فبدأت عندنا هذه الهجانة الفكرية والتدخلات الهوجاء باسم الدين في حياة الناس الفردية ، وتغلغل الحجاب في المدار الحضري الذي ؛ حتى سنوات الثمانينات من القرن العشرين ؛ كانت النساء تلبسن تبان العوم في البحر من صنف قطعتين منفصلتين واحدة تغطي المنطقة العليا من الجسد ( الثديان ) والأخرى تغطي المنطقة السفلى منه ، ولا أحد كان يستهدف جسد الفتيات.

اليوم رغم هذه التغطية والتعمية نجد ظاهرة الكبث قد انتشرت وظاهرة التحرش قد استفحلت ، رغم هذا التأسلم الزائف الذي يخفي نفاقا إجتماعيا ولا تسامحا متصاعدا وعنفا مجتمعيا غير مستساغ.

فأين نحن من زمن يشو ولد الحضرية؟ !!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.