ميلاد المسيح عليه السلام بين دلالة الكتاب المقدس وشهادة التاريخ.

ذ. عثمان بابحمو
2019-11-06T01:04:55+01:00
آراء ومواقف
ذ. عثمان بابحمو28 ديسمبر 2013آخر تحديث : الأربعاء 6 نوفمبر 2019 - 1:04 صباحًا
ميلاد المسيح عليه السلام بين دلالة الكتاب المقدس وشهادة التاريخ.

عثمان بابحمو
عثمان بابحمو
يحتفل العالم المسيحي ومعه المسلمون تقليدا في بداية كل سنة ميلادية بعيد ميلاد المسيح عليه السلام، لكن السؤال المهم هو: متى ولد المسيح حتى نحتفل بيوم ميلاده ؟ وهل لدى المسيحيين شهادة تاريخية محددة لميلاده ؟ وما هو التاريخ الحقيقي بدلالة كتابهم المقدس وشهادة كتبهم؟  

إن الباحث في التاريخ المسيحي  يواجه مشكلة كبيرة في معرفة تاريخ ميلاد المسيح عليه السلام، وذلك لعدم وجود الوثائق التاريخية المتصلة بزمانه. وأقدم تاريخ وصل إلينا هو كتاب ” تاريخ يوسيفوس” الذي طبع عام 1872م ببيروت، وهو لليهودي يوسف بن كريون الذي ولد عام 37 م وتوفي عام 95م. إلا أنه ومع الأسف الشديد لم يشر إلى قصة ميلاد المسيح عليه السلام.

أما المسيحيون الأوائل فلا أثر لميلاد المسيح في كتاباتهم، فقد ذكر القس بنيامين شنيدر  ” أن الكنيسة الأولى لم يكن لها عناية بكتابة تاريخ طفولية المسيح كما كانت تعتني بكتابة تاريخ حياته الجهارية. بل كان التفاف المسيحيين الأولين بالأكثر إلى موت المسيح وقيامته وصعوده وحلول الروح القدس”.                       وسبب هذا أن موت المسيح وصلبه وقيامته من أساسيات العقيدة المسيحية بخلاف ميلاده عليه السلام.لذلك صرح إكليمضس الإسكندري قائلا : “البحث عن زمان ميلاد المسيح باطل لا فائدة فيه”   و وافقه على هذا القول قدماء العلماء المسيحيين ومنهم “فم الذهب” الذي قال في موعظته يوم عيد ميلاد سنة 386م ” أن هذا العيد دخل منذ عشر سنين، وكان أول دخوله في أنطاكية وسورية”.  

وأمام غياب الشواهد التاريخية ، فالمرجع الوحيد لمعرفة حياة المسيح هو الأناجيل  ودلالتها رغم ما فيها من التناقض والتضارب في سرد الوقائع.

ذكر لوقا في إنجيله( الإصحاح 2 الفقرة من 1 إلى 7):” وفي تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر    ( 31 ق.م – 14 م) بأن يكتتب كل المسكونة، وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان ( كيرينيوس ) والي سورية، فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد إلى مدينته، فصعد يوسف أيضا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته ، ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى ، وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد، فولدت ابنها البكر”

حسب لوقا كانت ولادة المسيح بعد الاكتتاب في عهد أغسطس والثابت في التاريخ أن ذلك كان في السنة السادسة من ولادة المسيح (حسب التأريخ الحالي).

وأما متى فقد ذكر في إنجيله ( الإصحاح  2 الفقرة من 1 إلى 16  ):” ولما وجد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس ( والي روماني في حدود سنة 39 ق.م )إذا مجوس من الشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين : أين المولود ملك اليهود…. وأتوا إلى البيت ورأوا الصبي مع مريم أمه”

إن ولادة المسيح حسب رواية متى كانت في عهد هيرودس، والثابت في التاريخ أنه توفي قبل ولادة المسيح بأربع سنوات( حسب التأريخ الحالي).

هذا التضارب في تحديد تاريخ ميلاد المسيح دفع محرر قاموس الكتاب المقدس إلى القول(ص 863):” ليس من اليسير ان نصل إلى معرفة تاريخ ميلاد المسيح على وجه التحقيق وبلا منازع، إلا أن جمهور المؤرخين والعلماء يتفقون على تاريخ هذه الحوادث على وجه التقريب، فميلاد المسيح إما أن يكون في أواخر سنة 5 قبل الميلاد أو في أوائل سنة  4 قبل الميلاد”.                                                                هذا يعني أننا الآن في سنة 2017م أو 2018م .و أما سنة 2013م الحالية  فترجع إلى الخطأ الذي ارتكبه الراهب ” ديونسيوس أكيسجوس” ( عاش في رومية سنة 532 م) الذي طلب إليه أن يحدد التاريخ الحقيقي بالرجوع إلى الوراء، لكنه نسي في حسابه سنة الصفر الواقعة بين سنة 1 قبل الميلاد وسنة 1 بعد الميلاد ، التي كان يجب إدخالها في تقديره، كما انه أغفل الأربع سنوات التي حكم فيها الإمبراطور ” اوغسطس” باسمه القديم ” أكنا فيرس”( لمحات في التاريخ في الإنجيل ص 32 ).

هذا عن سنة الميلاد، أما عن يوم الميلاد يقول محرر قاموس الكتاب المقدس ص 864:” أما الاحتفال بميلاد المسيح في الخامس والعشرين من ديسمبر فقد بدأ في القرن الرابع الميلادي، ولذا فربما ميلاد المسيح في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر عام5 ق.م، وهذا يجعله سابقا للتاريخ الذي وضعه ديونيسيوس (أي 25 ديسمبر سنة 1 ميلادية بخمس سنوات”.

وقد اعترض كاتب دائرة المعارف البريطانية على أن يكون شهر ديسمبر مولدا للمسيح عليه السلام إستنادا إلى فقرة من إنجيل لوقا (اصحاح 2 عدد 8-9) وهي :” وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم واذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب حولهم فخافوا خوفا عظيما فقال لهم الملاك :لاتخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب إنه ولد لكم اليوم في مدينة داوود مخلص هو المسيح “

حيث قال:” لا يمكن أن يكون ذلك شهر ديسمبر، لأن هذا الشهر يكثر فيه نزول المطر في أرض فلسطيين ، فلا يتصور وجود رعاة الأغنام خارج البنيان”.

هذه الحقيقة يؤكدها المؤرخ المسيحي حبيب سعيد في كتابه لمحات في التاريخ في الإنجيل ص 33:”ويتبين من قراءات درجة الحرارة أن الصقيع يتساقط في هذه البقعة وبكميات وافرة، وتهطل الأمطار غزيرة في شهور ديسمبر ويناير وفبراير من كل سنة… وفي هذا الفصل لا تكون قطعان الأغنام في مراعيها”

وبناء على هذا فند هذا القس كل المزاعم المرتبطة بشهر ديسمبر حيث قال:” ويحتفل العالم المسيحي بعيد الميلاد ( 24 – 25 ) ديسمبر من كل عام، على أن الفلكيين والمؤرخين – من رجال العلم والدين على السواء- قد أجمعوا على أن 25 ديسمبر ( 1. ب.م) ليس التاريخ الحقيقي لميلاد المسيح، لا من حيث السنة، ولا من حيث اليوم”.

وأما سبب اتخاذ هذا اليوم عيدا فيقول القس بنيامين شنيدر: ولأجل تعيير الوثنيين للديانة المسيحية بالكمد والخلوّ من الأفراح اختار الأسقف يوليوس الأول في أواسط القرن الرابع أن يحوّل هذا العيد الوثني الذي كان يُعيَّد فيه للشمس إلى العيد المسيحي الذي يُعيَّد فيه لمخلّص العالم وهذا الرأي (أي رأي تحويل عيد الشمس إلى عيد الميلاد) يعضدهُ أيضاً كون كثير من الأعمال المصنوعة في عيد الميلاد تشبه ما كان يُصنَع في عيد الساتورناليا كالهدايا والولائم الفاخرة والأغاني والملاعب التشخيصية الممتزجة بالعبادة وتزيين الكنائس على صفة مخصوصة والخلاعة والسكر وما أشبه ذلك. وهذه الأمور قد نُقِلت جوهرياً من العبادة الوثنية”.

فقد ذكر أحمد شلبي في كتابه ” المسيحية ” ص 189مقارنا بين العقائد الوثنية والعقيدة المسيحية ” فهناك أبلو الذي كان يقدسه الإغريق، وهيركوليس معبود الرومان، ومثرا معبود الفرس ، وأدونيس معبود السوريين، وبعل معبود البابليين، وسواهم كثيرون، وكانت هذه الآلهة تعتبر كلها من نسل الشمس… كل هذه الآلهة ولدت في نفس الفترة ( الشهر أو الموسم )”. وهو الخامس والعشرون من ديسمبر.

إذن فالاحتفال بمولد المسيح عليه السلام تقليد وثني تأسس في القرن الرابع بعد الميلاد، لا علاقة له لا بالمسيح عليه السلام ، ولا بالمسيحية .ما دام ميلاد المسيح عليه السلام مجهولا سنة ويوما بشهادة نصوص المسيحيين الدينية والتاريخية.

* باحث في المذاهب العقدية في الديانات ، جامعة محمد الخامس الرباط.

{jathumbnails off}

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.