ما الذي نتوقّعه للمنطقة بعد اغتيال اللواء سليماني

ادريس هاني
2020-01-04T18:41:19+01:00
آراء ومواقف
ادريس هاني4 يناير 2020آخر تحديث : السبت 4 يناير 2020 - 6:41 مساءً
ما الذي نتوقّعه للمنطقة بعد اغتيال اللواء سليماني

ادريس هاني

لنتذكّر أنّ المنطقة كانت تتجه نحو المجهول على خلفية اشتعال المنطقة ومحاولات كبرى لركوب الحراكات الشعبية، وسيثبت التّاريخ بأنّ شهادة سليماني ورفيقه “أبو مهدي المهندس” ومرافقيهما كانت هي المنقذ والمنعطف بل المعجزة التي أنقذت المنطقة من هدير حراكات كانت على وشكّ أن تمزّق النسيج الإجتماعي.
لا شكّ أن فكرة اغتيال اللواء قاسم سليماني كانت مدرجة في المخطط الأمريكي، وهو لهذا كان مراقبا منذ سنوات، لقد كانت قضية قرار فقط، غير أنّه قرار وضع واشنطن في مسار يصعب الخروج منه، فماذا عساها تعمل بعد أن أعلنت الحرب على إيران، حربا عسكرية تجلت في اغتيال أحد أركان النّظام الذي توجه إلى بغداد في مهمّة رسمية وفي إطار قانوني وعلى أرض غير أمريكية؟ فالبيان الذي صدر عن المجلس الأعلى للأمن القومي بطهران يعتبر ما حدث بمثابة إعلان حرب، وهو ما يجعل حقّ الرّد مكفولا.
يبدو أن ترامب بالفعل حائر، وقد يكون وقع في فخّ نصبته له الأجنحة المعادية لأسباب انتخابية، ولهذا حاول طرق باب طهران بتطمينها بأن إسقاط النظام ليس هدفا، وأبلغ أيضا رسالة إلى طهران عبر وكيله السويسري، سنشهد محاولات كثيرة من هذا القبيل، طهران غاضبة، والشعب الإيراني عبّر عن غضبه في مسيرات تمتد من كرمان إلى طهران و قم، الكل يدرك أنّ قواعد الإشتباك تم اختراقها. دعنا نقرأ ما جاء في تقرير أمريكي يحاول أن يضع سيناريوهات لما سيحدث على خلفية اغتيال اللواء سليماني، فقد اعتبرت نيوزويك الأمريكية أنّ عملية الاغتيال هذه ستنتهي بجلب عواقب وخيمة على السعودية باعتبارها حليفة لواشنطن، وذكر التقرير الذي نقل توقعات خبراء في أسواق النفط بأنّ هناك إمكانية لشنّ إيران هجوما على البنية التحتية النفطية في السعودية ردّا على اغتيال سليماني وهو ما سيؤدّي إلى ارتفاع في أسعار النّفط، وفي السياق نفسه أشار بوردوف إلى أنّ استهداف أرامكو في سبتمبر عام 2019 لم يكن سوى البداية، هذا بينما ذكر مدير برنامج الأمن في الشرق الأوسط بمعهد مركز الأمن الأمريكي الجديد في واشنطن قائلا: “لا تفاجؤوا إذا أطلقت إيران حفنة من الصواريخ على السعودية والإمارات، ولاسيما على قواعد أمريكية وعلى منشآت نفطية فيهما. هم فاجؤونا في سبتمبر بدقة هجومهم، لكنهم حاولوا حينئذ عمدا تقليص حجم الأضرار قدر الإمكان، لكن هذه المرة ربما لن يكتفون بذلك”، ويؤكد جون تيرمان المدير التنفيذي لمركز الدراسات الدولية بمعهد ماساشوتس للتكنولوجيا في التقرير المذكور بأنه لا يستبعد أن تستهدف إيران ناقلات أو مواقع نفطية سعودية للانتقام لسليماني دون الانجرار إلى نزاع مباشر مع الولايات المتحدة، كما اعتبرت شركة Rapidan Energy الأمريكية أن الأهداف الأكثر ترجيحا لهجمات إيرانية جديدة محتملة هي مصفاة “أرامكو” في مدينة ينبع، وحقل السفانية النفطي وحقل خريص.
تدرك واشنطن أنّ ما بعد اغتيال سليماني سيكون مختلفا تماما عمّا قبله، وبأنّ العمل في إطار قواعد الإشتباك الماضية بات مستحيلا، وستعمل واشنطن على امتصاص الغضب الإيراني بمبادرات لعلّ أهمّها ما يتعلّق بالعقوبات من جهة وبالاتفاق النووي من جهة أخرى، لكن ماذا عن هذا النمط من التقارير؟
نلاحظ أنّها ليست توقّعات بل هي أماني تحاول التأثير على السلوك الإيراني القادم، فهي ترسم أهدافا للرّد الإيراني وتبعث برسائل مشفّرة مفادها: إن كان ولابدّ من ردّ فإن واشنطن تفضّل وتقبل أن يكون ردّا ضدّ السعودية وفي مثل هذه الحالة فالرسالة المشفّرة تقتضي بأن أمريكا ستتجاهل ذلك ولن تكون طرفا. هذا تقتضيه نظرية الألعاب بعد أن اتضح أنّ قضية الردّ حسمت بموجب بيان المجلس الأعلى للأمن القومي وكذا قرار القيادة العُليا.
لم يعد بإمكان الأطراف الخليجية المناوءة أن تصعد في لهجة الشماتة، فلقد دعت الرياض الطرفين إلى ضبط النفس، وربما هذا سيخفف الضغط على اليمن وستظهر مبادرات كثيرة حيال ملفات عالقة في المنطقة لتهدئة الوضع. دم سليماني لن يذهب هدرا ، بل سيساهم في انفراج الكثير من الأزمات التي ستعتبر ثمنا لدفع خطر الثأر الإيراني ومنها:
– فشل واشنطن في العراق وإنهاء الاتفاقية الأمنية، وهذا في حدّ ذاته يعتبر انتصارا لإيران.
– نتوقّع مبادرات لطيّ الملف اليمني وتوجّها سعوديّا قريبا لفتح حوار مع طهران.
ما ورد في هذا التقرير لن يتحقّق لأنّ السعودية ستدرك أنّ واشنطن ستجعلها تدفع فاتورة اغتيال اللواء سليماني وستجعلها كبش فداء، وستحاول استباق الزمن لفتح حوار مع طهران. إنّ أي خطأ اليوم ستكون عواقبه وخيمة، هذا بينما سيستمر طرق باب طهران عبر الوسيط السويسري، فالمخرج الأمريكي من لعنة سليماني لن يكون إلاّ بتغيير كبير في السلوك السياسي في المنطقة، وهذه المرّة لم يعد هناك مجال إلاّ لمبادرات كبرى.
نعود لنؤكد على أنّ الحاج قاسم سليماني كان مراقبا، ولم يكن استهدافه أمرا فائق الدّقة بل هو ناجم ككل الحالات السابقة من أخطاء وتراخي في الإجراءات الأمنية، وسنشير إلى بعض منها على سبيل المثال لا الحصر:
– كان الحاج قاسم سليماني يتحرّك بطريقة رسمية مكشوفة مستندا إلى منطق القانون الدولي في احترام سيادة الدول ولكونه يحتلّ منصبا رسميا ويزور بلدا مستقلا يفترض أن يكون كامل السيادة. فمن الناحية القانونية هذا صحيح، لكن الشهيد سليماني مستهدف، ولا يمكن أن يتحرك مكشوفا أو يخضع للإجراءات الروتينية للمطارات، فكل شيء مخترق.
– في الفترات الأخيرة لم يعد الشهيد يتصرّف بحذر، بل كانت طلاّته كثيرة، كانت وضعية مثيرة، بينما في بداية الأمر كان بمثابة الرجل الشبح. بات في متناول الأقمار الصناعية وسيلفي المعجبين وموضوعا للكاميرا في أوج المعركة الميدانية والاستخبارية.
– تكررت أخطاء سابقة بسبب التراخي في التدابير الأمنية، لها سابقة في مثال السيد عبّاس ود.فتحي شقاقي، والحاج رضوان…توجد ثغرات كثيرة بعضها له علاقة بالإتقان الأمني (finition)، وربما لها علاقة ببنية عميقة في ضبط الأشياء، فمثل هذه الأشياء كانت متوقّعة جدّا، وها هي حصلت، وستستمر الأخطاء البنيوية نفسها.
ستسمح واشنطن لطهران بضرب السعودية، ولكن سترفض طهران هذا الإيحاء، وهذا من شأنه أن يفتح بابا لتحوّلات كبيرة في المنطقة، لقد مهّد الحاج قاسم سليماني بشهادته الطريق لخيارات صعبة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.