لهيب الأسعار وشهبندر التجار

إسماعيل العلوي
2022-08-17T05:13:52+01:00
آراء ومواقف
إسماعيل العلوي16 أغسطس 2022آخر تحديث : الأربعاء 17 أغسطس 2022 - 5:13 صباحًا
لهيب الأسعار وشهبندر التجار

مولاي إسماعيل العلوي

حكاية قبيل الحكاية:
قال الراوي: وقعت مظلمة في عهد حميد الدين إمام اليمن المشهور، فحمل المشتكي مظلمته قاصدا باب قصر الإمام، إذ يوجد كاتب بليغ عند القصر، فقام الرجل بقص شكواه على الكاتب الذي نصحه بأن يخط له المظلمة، وما أن انتهى من كتابتها قال الرجل للكاتب: اقرأ علي الكتاب، فلما قرأ عليه مظلمته انهد الرجل باكيا، فتعجب الكاتب قائلا: ويحك! مالك تبكي يا هذا ؟! فقال الرجل: والله إني ما أدري أني مظلوم إلا اليوم.!

زعموا ان رجلا ثريا جدا اشتهر بين الناس بأنه (ولد الناس)، فلا هو بيهودي غني، ولا هو من أهل فاس، وقد عرف بالبلوكاج الشهير حيث أوقف البيضة ف الطاس، وانسلخ من الشعار السوسي الجميل والأصيل: آغراس آغراس..

بعد عهد الاستقلال توزع الثراء بين الكثير من العائلات الفاسية، وبقي أهل سوس منتشرين في “هريات” ودكاكين المواد الغذائية، إلى أن غادر أحدهم تلك البقالات، واقتحم مجال البنزين بمحطة واحدة في الاربعينيات، ليكتسح الجيل الحالي من أحفاده المجال بمئات المحطات، مستفيدين من الكثير من الامتيازات، فقد تجاوزت العائلة الثرية بيع الشاي والقهوة إلى البنزين، كما هيمنت على استيراد وتخزين الكيروسين، بل وصل كبير التجار للمتاجرة في “الهواء” والأوكسجين! وتربع على عرش الفاعلين الكبار، ورواد الثراء السريع بالهيمنة والاحتكار، فأصابوا القدرة الشرائية للشعب الصبور بالكثير من الاضرار، وعلى رأسهم من تعرفون : المسمى “شهبندر التجار”..!

فبعد خروج المستعمر رسميا من البلاد، عمت الفرحة وانتشر الأمل بين العباد، ولكن سرعان ما سرت الانانية والانتهازية بين الأحزاب، ونخرهم الفساد، وبالرغم من احترام مملكتنا لكل تواريخ الاستحقاقات، فإن “إرادة الشعب” كانت تصاغ بيد ماهرة من “أم الوزارات”، وبعد كل استحقاق نسمع نفس الأسطوانة من التصريحات، فوزارة الداخلية، مشكورة، تبشر دوما بنجاح العملية الانتخابية، وما تمتعت به من ثقة عالية، وقدر كبير من المصداقية، كما تتوجه بالشكر الجزيل لكل الساهرين على توفير النزاهة والشفافية، دون أن ينسى الوزير المعظم الثناء على كل الهيئات السياسية، لما أظهرته من حس رفيع بالمسؤولية، ومساهمتها المثلى في العرس الديمقراطي وحملاتها الموسمية، وكذا فوزها المستحق عبر الصناديق الزجاجية، تلك هي عادتنا وتقاليدنا العريقة بعد كل سهرة انتخابية، تعقبها ندوة صحفية وسلسلة من تصريحات الزعماء الرسمية..

في كل مرة يرد الشعب الأبي بهدوء وبزيادة في العزوف عن الانتخابات، فهو لم يشعر قط بقرب او ثقة من كل الحكومات، بل كان في كل فترة قهر يرفع صوته ببعض الثورات والانتفاضات…

ولكن بعد أن يئس من السياسات اللاشعبية، ومَلّ من فساد الفاسدين و”الشلاهبية”، وضع أمله أخيرا في حكومة “ملتحية”، فبالتأكيد سيقضون على الفساد، وسيرتعد منهم رموز التحكم والاستبداد، وستيسترجعون بسهولة ثقة الشباب وينشرون الأمل بين العباد..

كان المصباح أمل الكرامة وتحريك عجلة الإصلاح، ولكن – للأسف- لم يدم طويلا ذاك الشعور الجميل بالارتياح، فقد خذل “القادة” الناخبين و”خانوا الثقة” وأعلنوا الانبطاح، إذ وقع منهم ما لم يكن أبدا في الحسبان، وعرفت الكثير من قراراتهم الكثير من الاستهجان، فلا سعد اسعد أنصاره، ولم تفلح جعجعة بنكيران!

بعد “النكبة” خرج الشهبندر مبشرا الشباب بكل حماس، وسحر بأمواله الطائلة أعين الناس، فقد خدع الناخبين بوعود رنانة تحبس الانفاس، فشتان بينه وبين الشعار الأصيل الجميل :آغراس آغراس، فقد كشر الوحش عن أنيابه سريعا، وانقض على قدرة الشعب الشرائية، بدون أي شفقة أو إحساس..

وهكذا ياسادتي الأعزاء وياكرام، سخر الشهبندر بعض الأبواق واشترى العديد من الأقلام، فمن أجل التطبيل والتضليل استعان بخدمات وسائل الاعلام، ولكن بعد حين فقط من الزمان، اكتشف الشعب ان شعار “تستاهلو احسن” كان مجرد خدعة خبيثة والسلام..!

جمع الشعب أمره ووحد صوته مدافعا عن قدرته الشرائية، فأطلق حملة رقمية نظيفة مليونية، أربك بها حسابات الصدر الاعظم قائد الأغلبية، وهو نفسه شهبندر الشركات المتوحشة “الوطنية”وحليفتها الأجنبية، فقرر مواجهتها بشراسة عكستها تلكم التصريحات المتشنجة الغبية، والغريب العجيب أنه استطاع تسخير كلا من الصحف والمواقع الالكترونية، مرورا بالقنوات المسموعة والمرئية، وبحكم علوه وغلوه وصل لوكالة الأنباء الرسمية، التي سلت سيفها منافحة عن السيد الرئيس بصفته الشخصية، ولم تعترف قط بحقيقة الحملة الرقمية، فما هي، في رأيها بحركة شعبية، بل مجرد جعجعة حسابات مزيفة سرية، تغذيها معارضة مغرضة لم تقبل بهزيمتها الانتخابية، بل حذرت المسكينة من تكرار حملة المقاطعة التي الحقت أضرارا ببعض العلامات التجارية، مذكرة المشاغبين والمتمردين باحترام نتائج الصناديق والديمقراطية..!

خلاصة الخلاصات: انهم يستكثرون على الشعب الغضب والاحتجاج ورفع الأصوات، فبعد كل انتفاضة، واقعية ام افتراضية، تسمع سلسلة من الاتهامات، رغبة في تحويل النقاش من مطالب الشعب إلى “هوية” رافعي الأصوات؟! فهم بالتأكيد مجموعة من المندسين، ولا يخرجون عن شرذمة من “الانفصاليين”، او هم من أولئك المعارضين الحاقدين الفاشلين، او مجرد عملاء للجارة الشرقية المعروفين..!

وغاية الغايات: أن يفلت الشهبندر وصحبه مجددا من العقاب، ويتم استنزاف ثروة الشعب وشفط عرقه بدون أي حساب، إذ تشرع أمام الرأسمالية المتوحشة كل الأبواب، ويسمح للشركات الكبرى الاستفراد بالشعب وسومه سوء العذاب، إن هذا لعمري لهو العجب العجاب!

وأخيرا: لقد فعلها زعيم الحمامة الزرقاء، وتقدم المتاجرين في الماء والهواء والغذاء والدواء، فبقربه من السلطان أصبح فاحش الثراء، وتزداد ثروته نماء مع كل كارثة أو جائحة او وباء، لقد اقترف، سرا وجهرا، كل الممارسات المنافية للمنافسة، وكذا الاحتكار، وأشعل في الوطن بجشعه غير المسبوق لهيب الأسعار، ونجح في تحصين نفسه بمنصب “الصدر الأعظم”، بعد ان أصبح شهبندر التجار، ففشلت في محاصرته كل المؤسسات الدستورية: فرغم فضيحة المليارات المنهوبة بطريقة لاأخلاقية، عجزت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية عن جلبه ومساءلته في القبة البرلمانية، بل قد اختلفت النسخة النهائية للمهمة الاستطلاعية –المعدلة جينيا- عن النسخة الاصلية الأولية، أما جهود مجلس المنافسة في كشف خروقات شركات المحروقات فقد أدت، بفعل فاعل، إلى نتائج عكسية!!

فأن يجمع رئيس حزب الأحرار بين الصدر الأعظم وشهبندر التجار، فذلك بالضبط ما يهدد السلم الاجتماعي ويزعزع الاستقرار، وليس أمام الأحرار من الشعب سوى سحب الثقة من مسعر الأسعار، واستصحاب النباهة ورفض سياسة الاستحمار!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.