كرامات الطفل ريّان!

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس6 فبراير 2022آخر تحديث : الأحد 6 فبراير 2022 - 1:06 مساءً
كرامات الطفل ريّان!

سعيد طلحا ـ شاعر وكاتب مقيم بفرنسا
مات ريّان، لكن إشاراتٍ ضوئيةً انبعثتْ من حفرته! هي إشاراتٌ تشبه الكراماتْ، لم يخْتصّ بها نبي أَوْ ولي، كما في الأزمنة الغابرة.

لقد رأيناها جميعا رأي العين، عرضتها الكاميرات واضحة، كفلق الصبح، تطلب قلبا يقظا، وبصيرة لاقطة. أما الكرامة الأولى ، فهي ريّان نفسه، الذي سقط في الجب سجينا، وحيدا، صغيرا، يأمل في تنهيدة هواء ترجعه إلى حضن أمه؛ لفد ظل المسكين خمسة أيام يجابه الظلام وحده!

ما الحكمة يارب!؟ الواقفون عند حروف الاحداث قالوا: روح طفل كانت تعذب بلا ذنب اقترفته! الطالبون ما وراءها قالوا: بل روح طفل أيقظت أمة! وكم من إنسان، في تاريخ البشر ، فدى شعبا أَوْ قضية، منذ ابن آدَمَ المقتول إلى ريّان المسجون.

ولعل ما يُشْكِلُ في هذه النقطة، ويجب توضيحه، أن الموت كان نهاية غير متوقعة، أَوْ لنقل غير مأمولة، مع حجم التعاطف وكمّ الدعوات التي صدحت بها الحناجر في كل بقاع الأرض! ولكن، هل كان الموت هو النهاية حقا؟! لمن يؤمن أن الموت لا يفضي إلى أي شيء بَعْدُ، وأنه العدم الكامل، كانت خاتمة إنقاذ الطفل أكثر من مخيّبة، بل رهيبة وعبثية! أما من يؤمن بأن الموت نافذة لعالم آخر، أكثر راحة وسعة وجمالا، فريّان طير من طيور هذا العالم المحلقة والسعيدة! وأنا واحد من هؤلاء، كنت سأجنّ وتقعد بي همتي عن كل أمل أَوْ خير، لو أن نهاية ريّان المؤلمة كانت هي هذه النهاية حقا، ثم يسدل الستار! لا، هذا الطفل لا يستحق أن يموت هكذا ميتة، ثم يبتلعه القبر بعد أن ابتلعته الحفرة، وتنتهي القصة! للقصة فصل آخر، يستعيد فيه ريّان عافيته وروحه النبيلة وحقوقه ناجزة وزيادة! وهذه هي الكرامة الثانية، وكفى بها كرامة!

ولعل سائلا يسأل: وما جدوى دعاء الملايين إذن؟ أقول، وهذا نظري للأمور، أن الكرامة الثالثة لهذا الطفل، تكمن في جواب هذا السؤال! إن لله سننا، أي قوانين سارية، لا تحابي ولا تجامل، إذا احتُرمت هذه السنن آتت أكلها، و إذا ضُيّعت لم يفد الدعاء في شيء، ولو اجتمع عليه كل أهل الأرض.

فلا شك أن هناك تقصيرا ما، لن أدخل في تفاصيله، تسبب في هذه الكارثة، وله تعلق بالسياسة والتدبير؛ صحيح أن المواطنين، حكومة وشعبا، قاموا بمجهود جبار في إنقاذ الطفل، ولن ينكر هذا الجهد إِلَّا جاحد أَوْ حاقد، لكن السؤال: متى قاموا بذلك؟ وهو سؤال موجه بالأساس إلى أصحاب القرار السياسي في البلد. ولعلهم جميعهم يحفظون قول الفاروق عمر: ” لو أن بغلة عثرت في الطريق لخشيت أن يسألني الله الله عنها: لِمَ لم تعبّد لها الطريق ياعمر” وهو قول له دلالته العظيمة بخصوص موضوعنا اليوم.

إذن، على أهمية الدعاء، فإنه لن ينفع قبل التخطيط والعمل أَوْ دون تخطيط وعمل ، وعلينا أن لا نكذب على أنفسنا. وتلكم هي الرسالة التي تنبّهنا إليها الكرامة الثالثة للطفل ريّان.

وأما الكرامة الرابعة، ولها تعلق بالثالثة، فهي أن ريّان ليس إِلَّا صورة مصغّرة عن كل أطفال العالم، الذي يقتلون في كل يوم ويعيشون الحكرة والضنك! إن نهايته الموجعة تلسع ضمائرنا، وتفتحها على تمثّل مآسي أطفال آخرين، بالملايين، في بقع أخرى من العالم، في سوريا واليمن والصومال وغيرها، أطفال يضرب العالم المتمدّن اليوم عنهم صفحا، كَأَنهم لا يوجدون، ولا يموتون، ولا يتعذبون! إن ريّان هويّة كل هؤلاء الأطفال. فلعل العالم ينتبه إلى إنسانيتهم!

أما الكرامة الخامسة، فكمّ التعاطف الإنساني الهائل الذي لقيه الطفل الشهيد، تعاطف قلّ نظيره، تحركت فيه المشاعر الأكثر أصالة في الانسان، خارج الانتماءات والهويات القاتلة!

لبضعة أيام، توقف الكثيرون عن تتبع مضامين العري والرقص الماجن والتفاهات عبر التيكتوك ، ليلتقطوا أنفاسهم أَمامَ حفرة بعمق 30 متر، تنازع فيها الإنسانية لتخرج من قمقم الأنانية والتعصب والجهل ، فاتحة أذرعها لما هي به أصيلة: الحب والأخوة والرحمة.. وهذه الروح لم تكن حبيسة جدران العرب، كما قد يتوهم القوميون، أَوْ جدران الإسلام، كما قد يتوهم الإسلاميون، وإنما فاضت عن هذه الجدران الضيقة، لتعانق الإنسانية برمّتها..

و أخيرا وليس آخرا، هناك سؤال مؤرق: كَمْ من نبيل وعظيم في أرض المغرب!؟ إنهم ألوف بل ملايين! يسكنون القرى والمداشر والاحياء الشعبية، ينتظرون فرصتهم ليظهر معدنهم الأصيل ، شباب وكهول ونساء، من أبناء الشعب، مستعدون لمجابهة الموت من أجل إنقاذ ريّان! لقد رأينا ذلك، ورآه العالم أجمع! هؤلاء هم الأبطال، وحان الوقت لأن يُنظر إليهم بعين التقدير والرعاية الماديين والمعنويين. إن الوطن يصنعه هؤلاء ، ولا يصنعه الثرثارون والتافهون، يخلقون قيمة مضافة، لا قيما منكوسة !
وبذلك أكون قد بلغت السادسة، خاتمة أغصان الكرامة !

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.