قواعد في الممارسة السياسية (3/3)

قواعد أساسية للفاعل السياسي

ذ محمد جناي
2021-02-16T08:00:17+01:00
آراء ومواقف
ذ محمد جناي16 فبراير 2021آخر تحديث : الثلاثاء 16 فبراير 2021 - 8:00 صباحًا
قواعد في الممارسة السياسية (3/3)

ذ. محمد جناي
الفاعل السياسي هو كل بنية أو مؤسسة أو شخص معنوي أو طبيعي يملك تأثيرا معتبرا أو فعالا في القرارات السياسية ، إنشاء أو تعديلا أو إلغاء ، أي أن الفاعل السياسي ليس رجل السياسة فقط .

لا يعد الحديث عن رجل الدولة ونمط تفكيره من نافلة القول، فهو الذي يتخذ القرارات، فيترتب عليها إنجازات عظيمة أو انكسارات كارثية، فهو فاعل سياسي بامتياز ولا تعتمد القدرة أو الكفاءة السياسية فقط على المواصفات الشخصية والاستعداد النفسي، بل هناك عدة أمور أساسية تؤثر في رجل السياسة، وللتعليم والتدريب السياسي المحترف أثر كبير وهذا التدريب ليس نتاج البرامج التدريبية فحسب ، بل هو نتاج عدة عوامل نذكر من أهمها :

* البيئة التي نشأ فيها رجل السياسة ومستوى الثقافة المتوفر فيها ، ومدى الاحتكاك بشرائح المجتمع المختلفة، والأنماط القيادية المتوفرة فيها التي تمثل للقائد الجديد نماذج يستفاد منها .

* آلية تصعيد الكوادر السياسية في المجتمع، فهي تختلف في النظم الوراثية عن الديكتاتورية عن العسكرية عن الديموقراطية التي عادة ما تفرز قادتها من الأحزاب السياسية والاتحادات الطلابية .

القاعدة الأولى: تتكون الدولة من شعب وإقليم وحكومة وسيادة

يمكن تعريف الدولة بأنها ” كيان سياسي وقانوني منظم يتمثل في مجموعة من الأفراد الذين يقيمون داخل حدود معينة وتنظم شئونهم سلطة تتمتع بحق استخدام القوة”.

وتعني السيادة امتلاك الدولة سلطة الهيمنة الداخلية على إقليمها وأفرادها ، واستقلالها عن السيطرة الخارجية ، وللسيادة مفهومان ، مفهوم قانوني يعطي الدولة حق السيادة على أفراد محددين (الشعب) وعلى مساحة محددة من الأرض (الإقليم ) ، أما المفهوم الثاني فهو مفهوم سياسي -واقعي- وفيه تكون السيادة منقوصة بدرجة من الدرجات ، حيث تقيد سيادة الدولة بالظروف والقوى التي لا يمكن السيطرة عليها .

القاعدة الثانية: “حركة النظام السياسي هي مجموعة التفاعلات بين مطالب الجماهير وقرارات الحكومة “

أي أن الوظيفة الرئيسة للحكومة هي ” اتخاذ القرارات ” ، وهذه القرارات إما أن تكون رشيدة ولصالح الناس ؛فيصبح هناك رضا شعبي، أو تكون قرارات غير رشيدة وضد مصالح الناس؛ فيصبح هناك سخط عام يأخذ أشكالا متنوعة .

القاعدة الثالثة: “يحتاج رجل السياسة إلى وعاء معرفي كبير ، وإلى مهارات ممارسة الفعل السياسي “

أي يحتاج رجل السياسة الناجح إلى أن يمتلك وعاء معرفيا عميقا (ثقافة رجل السياسة)، ليس فقط بمعرفة الأحداث وامتلاك ذاكرة تاريخية قوية عن القضية التي يعمل من أجلها وما يرتبط بها ، لكنه بحاجة كذلك إلى وعاء معرفي متسع من العلوم التي تساعده على اتخاذ القرار الرشيد ، وهذه بعضها:

جوهر العملية السياسية: فرجل السياسة بحاجة أولا إلى معرفة لب العملية السياسية ، وهو ممارسة القوة والسلطة والنفوذ، والإلمام بالقواعد التي تقوم عليها، والتعرف على كيفية التعامل مع أدوات القوة، بالإضافة إلى العلوم التي تشكل أدوات للفاعل السياسي ، كالدعاية السياسية والتخطيط الاستراتيجي.

الاقتصاد الكلي: ويحتاج أن تكون له خلفية صلبة في الاقتصاد ، خاصة الاقتصاد الكبير ، فيعرف كيف تدار عجلة الاقتصاد العالمي ، وكيف توزع الثروات في العالم ، وماهي دورة رأس المال العالمي، وماهي علاقتها بالاقتصاد المحلي، وطريقة وآلية حركة رأس المال والقوى المتحكمة فيه؟

سيكولوجية الجماهير: فالجمهور (في الغالب) هو محط نظر رجل السياسة ، والدراية بخصائص الجمهور ، والعقلية التي يعمل بها رجل الشارع تجنب الكثير من الكوارث السياسية ، لأن السياسة في النهاية هي التحكم في الكتلة البشرية الموجودة ، سواء أكان رجل السياسة في موقع المعارضة أو السلطة ، فإذا لم يتعرف على قواعد العمل مع الجمهور العام ، فمن الممكن أن توجه له الضربات تلو الضربات ، ثم يتساءل .. لماذا خسرت ؟!! وقد يوجه اللعنات إلى الجمهور ، بينما هو لم يحدد ما الذي يريده الجمهور وكيف سيقنع الجمهور بالتحرك معه لتحقيق مايريد.

كذلك على الفاعل السياسي أن يلم بمواضيع الطبقات الاجتماعية والحراك الاجتماعي والتصعيد الطبقي ويزود علم الاجتماع رجل السياسة بكثير من المفردات المهمة للتعبير السياسي والمفاهيم المشتركة مع علم السياسة.

ثقافة المجتمع: أهم مايميز رجل السياسة إلمامه بثقافة المجتمع الذي يعيش فيه ، فإن كان في مجتمع فيه أعراق ومذاهب أو ديانات أو أفكار مختلفة ؛ فعليه أن يدرس هذه العرقيات والمذاهب والديانات والأفكار ، ويتعرف على الإرث الثقافي في المجتمع حتى يحسن توجيه الخطاب له والتعامل معه.

القاعدة الرابعة: “رجل السياسة مغامر وليس مقامرا “

لا يمكن توقع ممارسة سياسية تمتلك كل عناصر النجاح، فالفعل السياسي بالأساس فعل مغامر لكنه غير مقامر والمغامرة أو المقامرة مرتبطتان بعملية اتخاذ القرار ، فإن كان القرار منطقيا تم وفق أسس علمية وبحث في البدائل والخيارات تكون مغامرة ، ولو لم تكن النتيجة حتمية، فرجل السياسة قادر على أن يغامر ، ولولا المغامرة لن بنجح، إنها القدرة على اتخاذ قرار عندما يكون الموقف فيه نسبة من الغموض، وأما المقامر فهو الذي يتحرك بعفوية دون تخطيط ، والقاعدة النبوية تقول “اعقلها وتوكل “.

القاعدة الخامسة: ” حسن النوايا قد يجر إلى الهزائم المتتالية إن لم يحسن رجل السياسة استخدام قواعد اللعبة “

فالسياسة ليست لعبة النوايا الحسنة أو المبادئ السامية فحسب ، إذ ليس بالضرورة أن ينتصر صاحب المبدأ ، إنها أشبه بلعبة الشطرنج ، يتدخل فيها عامل الذكاء والاستعداد والإلمام الجيد بقواعد اللعبة ، وهي أبعد ما تكون عن لعبة بالنرد ، حيث يتمتم اللاعب ” يارب” ويرمي النرد راجيا تحقيق الفوز.

وصاحب المبدأ الحق لن ينتصر إذا افتقد أدوات تحقيق النصر، إن العناية الإلهية تتدخل لنصرة الحق، لكنها لا تنحاز غالبا إلى أصحاب البطالة والسذاجة ، والقعود عن الإعداد سوء ، والزهد في امتلاك أدوات الفعل السياسي سوء، وكل تقصير في فهم السياسة سوء يؤدي بصاحبه إلى الخسارة، وإن عظمت نيته، وخلص قلبه ، وسما هدفه.

القاعدة السادسة: ” الفاعل السياسي يرى الواقع كما هو ، لا كما يتمنى أن يره حين يتخذ قرار الفعل أو الممارسة السياسية “

ينطلق الفاعل السياسي من الواقع الذي يعيشه بهدف تغييره، لذلك ربما يكون مقبولا أن يشرد في الحلم الذي يتمناه، لكن من غير المقبول أن يسيء تفسير الواقع الذي يعيشه، فيتهم خصمه بالغباء في حين أنه هو المسيطر، أو يتحدث عن أن فكرته إلى زوال، رغم أنه لا يملك أسباب إزالتها، أو يرى أن كل من يخالفه على خطأ ، أو أن خصومه كتلة واحدة لايجب الحديث مع أي طرف فيها.

هذه المبالغات يجب أن يحذر منها رجل السياسة، فهو ليس بصدد خداع نفسه ليبرهن أنه أفضل من الآخرين، لأن الملعب السياسي في النهاية سيكشف القدرات، ويبرز مدى التفوق، لذلك ينطلق رجل السياسة من علمية وعقلانية شديدة في فهم الواقع، فإن أحسن تفسيره استطاع أن يتفاعل معه، ويضع خطة لتغييره، وإن رسمه كما يتخيل هو فإنه يصارع في معركة خيالية، والنماذج التاريخية تشهد بوجود قادة حالمين يبتغون عالما أفضل، ولكن الكثير منهم سقطت أحلامه في واد سحيق عندما أخطأ في قراءة الواقع، وفي العصر الحديث تقف ألمانيا الهتلرية وإيطاليا الفاشية والاتحاد السوفياتي كأمثلة واضحة؛ ونلاحظ حاليا أن الولايات المتحدة بسيادة العقلية الأيديولوجية الدينية على قيادتها كم أخطأت في قراءة الواقع في أفغانستان والعراق ،وكما هي تكاليف هذه الأخطاء.

القاعدة السابعة: “يفرق الفاعل السياسي بين المكاسب الصلبة والمكاسب الهشة، وهو يسعى لتحصيل مكاسب صلبة”

فهناك نوعان أساسيان من المكاسب: مكاسب صلبة وهي التي يستطيع الدفاع عنها والحفاظ عليها ، ومكاسب هشة وهي التي يعطيها الخصم لرجل السياسة ، لكنه قادر على استردادها في أي وقت يريد.

لذلك في كثير من الأحيان نرى النظام السياسي في الدولة أذكى من المعارضة، فعندما يمر بفترات ضعف، أو يقع تأثير ضغوط خارجية لايرى من مصلحته مجابهتها في زمن معين، فإنه يقدم تنازلات هشة ، وعندما يزال الضغط عنه، يسحب هذه المكاسب فلا تستطيع قوى الضغط العودة للمربع الذي كانت صاغطة فيه.

وختاما وباختصار ، وأنه على رجل السياسة أن يتأكد أن هدفه سياسي، ولو شك في في إمكانية تحقيق هدفه فعليه أن يتريث ، ويقطع شكوكه باليقين ، فاللعبة السياسية خاصة في العالم الثالث عادة ماتكون صفرية ، إما منتصر أو مهزوم، فالخاسر يخرج من اللعبة السياسية ، وقد تتطلب عودته إلى المشهد السياسي جهدا كبيرا وسنوات مديدة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.