قضية الصحراء والحصاد الديبلوماسي المغربي المبين

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري27 ديسمبر 2020آخر تحديث : الأحد 27 ديسمبر 2020 - 1:36 مساءً
قضية الصحراء والحصاد الديبلوماسي المغربي المبين

محمد علي لعموري
لا شك أن الكل يعرف أن ملف الصحراء المغربية موضوع لدى الأمم المتحدة باعتباره قضية مفتعلة من طرف جبهة بوليزاريو التي أنشأها كل من بومدين الجزائر العدو رقم واحد للمغرب والقذافي العدو رقم اثنين مع رعاية سياسية وإيديولوجية لجمال عبد الناصر أيام الحرد السياسي ضد إسرائيل والزخم الذي كان للقضية الفلسطينية على الصعيدين الدولي والإقليمي.

منذ أكثر من أربعين سنة والمغرب صامد في وجه الأعداء ، تلقى الضربات تلو الضربات من جهة الصحراء فانتصر على الجزائر في حرب الرمال وبنى الجدار الرملي في عهد الجنرال الدليمي ، وبقي صامدا حتى سنة تدخل الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار ونشر بعثة المينورسو في المنطقة الصحراوية لمراقبة اتفاق إطلاق النار بين المغرب وبوليزاريو.

الجزائر التي لم تهضم هزيمتها في حرب الرمال ظلت وفية لعقيدتها الثابتة في دعم الجبهة إلى اليوم ، فخصصت من ميزانية الشعب المضحوك عليه إيديولوجيا واعلاميا ملايير الدولارات من أجل ربح الرهان رغبة منها في فتح بوابة استراتيجية على المحيط الأطلسي.

فمنذ اكتشاف البترول في الجزائر وحصول هذه الأخيرة على الإستقلال بعد ما يزيد على المائة والثلاثين سنة من الإستعمار الفرنسي ، والقيادات العسكرية الجزائرية تمني النفس بالنصر على الدولة المغربية وإركاعها كما فعلت مع الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة الذي تنازل عن جزء من صحرائه المحادية للجزائر لصالح هذه الأخيرة اتقاء لمكايد ومؤامرات العسكر الجزائري الذي دبر مؤامرة انقلابية على الرئيس الموريتاني الأسبق المختار ولد داده.

بعد مرور أزيد من أربعين سنة من التجاذب السياسي والتسابق نحو التسليح ما بين المغرب والجزائر ، وبعد الموجة الثانية للحراك الشعبي العربي والذي انفجر داخل الجزائر والذي أطاح بالرئيس المقعد بوتفليقة ، ورغبة القايد صالح العسكري المحنك في تغيير سياسة وعقيدة الجزائر باتجاه الإنفراج السياسي ومراجعة عقيدة العداء تجاه دول الجوار ، سيرحل في ظروف غامظة دون أن يتمكن من تحقيق رؤيته السياسية الجديدة.

سيصل أعداء المغرب إلى القيادة العسكرية وسيصل الرئيس تبون إلى الرئاسة لتنفيذ أجندة الجنرالات الذين يتآمرون ليل نهار على المغرب ، وهنا سيتحرك شنقريحة سرا لخلق وضع جديد بمنطقة الكركرات باتفاق وخطة محكمة مع روسيا وذلك لتأسيس قاعدة روسية تكون فزاعة للمغرب ستخدم أجندة الروس وأجندة الجزائر في المنطقة. الروس يودون قطع الطريق على الأمريكان حتى لا يكون لهم منفذ نحو العمق الإفريقي الذي يعتبر المستقبل الذي تستثمر فيه الصين اليوم ويتحرك فيه المغرب بخطى ثابتة بعد عودته إلى الإتحاد الإفريقي من أجل صد كل محاولة جزائرية للإستحواذ على أعضاء الإتحاد والتأثير عليهم لصالح الأطروحة الإنفصالية التي تروج لها داخل أروقته.

سيتحرك المغرب بسرعة بعد مشاورات مع حلفائه لكسب الدعم وذلك لتحرير منطقة الكركرات وسد الطريق على كل محاولة من الجزائر ودميتها بوليزاريو في تنفيذ ذلك المخطط الجهنمي الذي لو كان تحقق لعشنا سنوات عجاف مع الدب الروسي والضبع الجزائري.

بعد تحرير الكركرات ، ستأتي الصفعة الثانية وهي الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وعزم البيت الأبيض قبل رحيل الرئيس ترامب فتح قنصلية ذات طابع اقتصادي في مدينة الداخلة.

هذا الإعتراف سيتلوه اتصال هاتفي بين الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيعلن فيه المغرب نيته فتح قنوات اتصال ديبلوماسية مع دولة إسرائيل.

حدثان بطعم مزدوج حلو ومر في آن ، فمن جهة كان الدافع لقبول العودة إلى فتح نافذة ديبلوماسية مع إسرائيل هو المؤامرة التي تحاك من طرف الجزائر والتي اكتشفتها المخابرات المغربية باكرا وتحركت الدولة على ضوئها لإجهاضها قبل أن تصبح واقعا متحققا على الأرض ، وهنا يمكن استحضار المثل المصري الذي يقول ( إيه لي رماك على المر ؟ اللي أمر منو) فالسياسة هي فن الممكن وفن القبول بأهون الضررين ، ونحن بورقة اليهود المغاربة لنا قوة ضغط ثابتة منذ عقود داخل إسرائيل وداخل الولايات المتحدة الأمريكية فلماذا لا نلعب بها في الوقت المناسب ؟!!

وعلى عكس ما توقعه البعض من أن ” التطبيع ” كما يسميه معارضو هذا الإتفاق الذي حصل بين المغرب وبين إسرائيل من أنه سيكون نسخة طبق الأصل من التطبيع الذي وقعته دولة الإمارات والبحرين ، فإن المغرب ربح ورقة ضغط أمريكية بواسطة الإعلان الرئاسي لصالح مغربية الصحراء ، وربح تعاونا اقتصاديا ودعما قويا للوبي اليهودي داخل أمريكا ، ووقع إتفاقا على الطريقة المغربية داخل القصر الملكي بوجود العلم المغربي دون العلم الإسرائيلي ، وبتوقيع رئيس الحكومة ذي التوجه الإسلاموي سعد الدين العثماني على نص الإتفاق الشيء الذي سيعزز ويقوي الطرح المغربي في المحافل الدولية التي يبدو أنها ستتجه نحو مباركة ودعم الحكم الذاتي كخيار أوحد للتفاوض بشأنه.

بالنسبة لدول الجوار وموقفها مما يحدث من تحركات المملكة المغربية على الصعيدين الدولي والإقليمي لكسب الدعم وسحب البساط من تحت أقدام المناوئين والداعمين للأطروحة الإنفصالية ، فقد تفهمت موريتانيا أن تحرير الكركرات قد خلصها من أي متاعب قد تأتيها من الجزائر التي تحصي خسائرها المادية والديبلوماسية اليوم ، أما إسبانيا التي لنا معها ثأر الإهانة التي تلقاها المغرب في عهد رئيس الحكومة الإسبانية خوسي ماريا أثنار بسبب موضوع جزيرة ليلى ، والتي كادت تتسبب في حرب بين المغرب وبين أسبانيا لولا التدخل الفرنسي وكذا الأمريكي في شخص وزير الخارجية الأمريكي كولن باول سنة 2002 لإنهاء النزاع وإخماد شرارة الحرب التي لاحت في الأفق ، فقد أدبها بطريقة ( بالمهل تايتكال بودنجال ) حين بنى ميناء طنجة المتوسط الكبير وكذا ميناء الناضور وسيبني ميناء الداخلة الكبير وذلك لخنق اقتصاد اسبانيا من جهة سبتة ومليلية المحتلتين وكذا الجزر الجعفرية المحادية للداخلة ، هذه المدن التي يعتبرها المغرب محتلة من طرف الإسبان منذ قرون.

إن تذبذب موقف اسبانيا وصمت فرنسا رغم دعمها للمغرب في قضية الصحراء جعل المغرب ينهج سياسة ( من ليس معنا فهو ضدنا ) من هنا نفهم خرجة وزير الخارجية ناصر بوريطة ليصرح أن المغرب ليس دركي أوربا ، وخرجة رئيس الحكومة الذي قال أن المغرب اليوم منشغل بقضية الصحراء وحين يفرغ سيفتح ملف سبتة ومليلية . فهل هذا الضعط من المغرب يروم من ورائه جر إسبانيا لفك ارتباطها بجبهة بوليزاريو والتخلي عن دعم مخيمات العار بمنطقة تيندوف ؟ أم هي استراتيجية جديدة للدخول في صراع خفي مع الجارة إسبانيا بغرض انتزاع المعاملة بالمثل ورد الصفعة والإهانة بأحسن منها ؟

على العموم المغرب اليوم يتحرك من موقع قوة عسكريا وسياسيا ، وسيفتح آفاقا لانتصارات إقتصادية بانفتاحه على إفريقيا التي كانت إلى حدود الأمس القريب حديقة خلفية للإستعمار الفرنسي والأوربي ، وهذا ما يفسر تقرب الدول الوازنة من المغرب لأنه بوابة رئيسية واستراتيجية نحو العالم الإفريقي.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.