سقوط أقنعة الحداثة الغربية المعاصرة

دينبريس
2024-01-10T21:33:51+01:00
آراء ومواقف
دينبريس10 يناير 2024آخر تحديث : الأربعاء 10 يناير 2024 - 9:33 مساءً
سقوط أقنعة الحداثة الغربية المعاصرة

الدكتور محمد إكيج
لقد كشفت العديد من الأحداث العالمية سقوط أقنعة الحداثة الغربية سواء في مستواها الفكري الفلسفي أو السياسي البرغماتي وخاصة فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان والمحافظة على السلم العالمي ونبذ العنصرية وحفظ الكرامة الإنسانية… وظهر ذلك جليا في مناسبات عديدة عند وقوع المواجهة الصريحة والمباشرة بين حاملي شعارات هذه الحداثة من الغرب الأوروأمريكي أو الصهيومسيحي.. وبين من يصفهم العقل الغربي بالمناوئين والأعداء للقيم “التنويرية” لهذه الحداثة الغربية سواء كانوا من العرب والمسلمين أو من غيرهم من الملل والنحل والأجناس..

إلا أنه ومع انكشاف ازدواجية معايير هذه الحداثة في التعامل مع قضايا الإنسان المصيرية فإنها لاتزال تُحكم قبضتها السياسية والمعرفية على كثير من عقول ونفسيات العديد من البشر في كل بقاع العالم، وقد تأتى لها ذلك من خلال مجموعة من الآليات الوظيفية التي أحسنت وتحسن استثمارها لصالحها ومنها على الخصوص:

أولا: تكثيف واستدامة ثقافة الإلهاء والبهرجة أو ما يسميه الدكتور المهدي بن عبود رحمه الله بثقافة “عجل بني إسرائيل”، وذلك من خلال إطلاق العنان لأهواء الإنسان، مطلق الإنسان كيفما كان وحيثما كان، مع الاستماتة في الدفاع عن كل شذوذ ينافي فطرة الإنسان أو يتجاوز مبادئ الأخلاق وتعاليم الأديان… مما يجعل هذا “الإنسان” يقتنع طواعية أو تضليلا أن هذه الحداثة هي “غاية الغايات” في الحياة فهي”الحامية” لحريته الإنسان و”الساعية” لإسعاده بلا قيود ولا ضوابط!!!

ثانيا: تسخير الآلة الإعلامية الغربية الجبارة في تشويه وشيطنة وتقزيم أي مناوئ أو معارض أو ناقد لهذه الحداثة ومنهجيتها في التعامل مع قضايا الإنسان.. وكمثال على ذلك نجاحها في تسويق بعض المفاهيم المغلوطة على المستوى العالمي كمفهوم “الإرهاب” الذي يتم توظيفه بشكل فج ويوصم به زورا كل من يحاول الدفاع عن كينونته الذاتية أو الجمعية أو مقدساته أو وجوده الشرعي في أرضه أو حفظ كرامته الآدمية… في مقابل الهجمة الشرسة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية لهذه الحداثة المتنفذة.. أو مفهوم “الدفاع الشرعي عن النفس” الذي أصبح أداة في يد القوى الظالمة والمغتصبة لممارسة أبشع أنواع جرائم الإبادة والانتقام الجماعي في حق الأبرياء!! أو مفهوم “الكونية” الذي صار شعارا براقا لإخفاء التمكين للثقافة الغربية بكل حمولاتها الفلسفية وممارساتها الاجتماعية وسلوكياتها الشاذة في كل بقاع الدنيا مقابل إلغاء وإزاحة خصوصيات الشعوب الدينية والوطنية وثقافاتها المحلية!!!

ثالثا: السيطرة على المؤسسات الأممية وتسخيرها لشرعنة قرارات القوى الغربية الغالبة والمتحيزة والظالمة.. وقد ظهر ذلك جليا في مأساة غزة.. ولكنه ظهر قبل ذلك في الأزمة الروسية الأوكرانية رغم أن الأمر يتعلق بدولة مسيحية أوربية.. ولكنها في نظر المعسكر الغربي مارقة وخارجة عن الصف “الديموقراطي” وتشكل خطرا على السلم الأوروبي بل والدولي!!

رابعا: التمكين لثقافة الرعب والإذلال في نفسية البشر على المستوى العالمي وذلك من خلال استعراض مظاهر القوى العسكرية وأسلحة الدمار الشامل (بوارج حربية، طائرات، أسلحة نووية، أسلحة كيماوية وبيولوجية…) بل واستعمالها أحيانا-على سبيل التجربة- في حق بعض البشرية التي لا تنتمي لجغرافية الغرب.. مما يؤدي إلى تمكن الهلع في نفوس الناس والخوف المستدام من مواجهة ويلات هذه الآلة الجهنمية للفتك والدمار..

خامسا: تضليل الوعي والضمير العالميين من خلال جعل الإنسان الأوروأمريكي أو الصهيومسيحي أو اليهومسيحي هو الجدير وحده بصفة “إنسان” وهو وحده الجدير بالتضامن وهو الجدير وحده بالرفاه المادي والمعنوي وهو الجدير وحده بعدم المساس بحرياته الأساس وهو الجدير وحده بعدم انتهاك كرامته… وبكلمة واحدة هو الجدير وحده بالحياة… وأما غيره من الأجناس الأخرى وذوي القوميات والاثنيات والعرقيات والجغرافيات فلا معنى لوجوده أصلا فهو ليس بـ”إنسان”!! وبالتالي فلا معنى لآلامه ولا لمحنه ولا لبؤسه ولا لشقائه!!!.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.