تجاهل العنصرية هو ممارسة معرفية جوهرية للحفاظ عليها

محمد عسيلة
آراء ومواقف
محمد عسيلة12 يناير 2023آخر تحديث : الخميس 12 يناير 2023 - 7:25 مساءً
تجاهل العنصرية هو ممارسة معرفية جوهرية للحفاظ عليها

محمد عسيلة، أستاذ باحث في الهجرة والدين والثقافة
هل نطالب نحن مغاربة العالم في ألمانيا كما يجب أن يطالب الجيل الجديد من الأطفال والأحفاد المهاجرين أو بخلفية مهاجرة في ألمانيا ، وكثير منهم والذين ينتمون إلى مجموعات مهمشة ومضطهدة تاريخيًا ، بنصيبهم في ثقافة الذاكرة الألمانية؟

للأسف لا نتوفر ولو على كناش يحفظ لنا تاريخنا وذاكرة مغاربة العالم ومعاناة الجيل الأول من العنصرية التي عاشوها هم وأسلافهم وما زالوا يعانون منها على هذه الأرض في صمت ومعالجتها بشكل صحيح.

قد أزعم بأن هذا المسعى سيسلط الأضواء على تفاصيل خصوصا إذا تم تمثيل هذا التاريخ في المناهج الجامعية والمدرسية والمتاحف والمواقع التذكارية، مسبوقًا ببحث تاريخي شامل وإعادة تقييم من طرفنا نحن كمترافعين وكجزء من هذا التاريخ.

لقد تم تجاهل تشابك تاريخ العنصرية مع تاريخ الهجرة في ألمانيا حتى الآن في التأريخ الألماني وتم تسييس الظاهرة واستغلالها أبشع استغلال من طرف اليمين المتطرف أو الأحزاب السياسية ذات التوجه اليميني.

وفي هذا الصدد يعتبر استكشاف الأهمية المعرفية للجهل والجهل المركب والذي قد أسميه الجهل الإبيستيمي في الحفاظ على المعرفة العرقية والمعرفة السطحية للاستهلاك الاعلامي والموسمي في المجتمعات الديمقراطية والتعددية مجال بحث جديد نسبيًا.

هذا الاسبوع من شهر يناير 2023 قدمت مفوضية الحكومة الفيدرالية لشؤون الاندماج ومناهضة العنصرية تقريرًا عن العنصرية أماطت فيه اللثام ولأول مرة عن العنصرية الهيكلية، واعتبرت أن “مناهضة العنصرية وثيقة الصلة بديمقراطيتنا بشكل منهجي”، حيث إن العنصرية ليست “خطرًا مجردًا ، ولكنها تجربة مؤلمة لكثير من الناس في بلدنا”.

وهنا نتساءل إذا أخذنا على محمل الجد مقولة ليندا مارتن ألكوف القائلة بأن تجاهل العنصرية هو ممارسة معرفية جوهرية للحفاظ عليها ، أنه من المفيد دراسة الوسائل التأويلية التي يخلق بها التأريخ الألماني هذه النقطة العمياء.

أحد العناصر الرئيسية في هذا السياق هو “ساعة الصفر” ، والتي وفقًا لها لم يبدأ تاريخ الهجرة الألمانية إلا في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ولم يكن له أي علاقة بكيفية معاملة الألمان للمهاجرين منذ مطلع القرن، ولا سيما أولئك الذين يُعتبرون غير مرغوب فيهم. علينا إذن مناقشة طرق المقارنة والحذف كأدوات معرفية رئيسية لكتابة ساعة الصفر في تاريخ الهجرة الألماني.

يتناقض هذا المسار السردي بكامل حلقاته في نظري مع روايات التاريخ الجزئي التي تكشف عن الإنتاج المستمر للمعرفة العرقية والجهل والتشابك بينهما، والتي شكلت أساس “فن التواصل” الجديد حول الآخرين بعد الهولوكوست.

تعكس هذه العلاقة الخاصة فكرة أن المعرفة والجهل في حد ذاته عبارة عن سلسلة متصلة متشابكة مع عدد لا يحصى من المقاييس الرمادية حيث يحتوي الجهل على المعرفة والمعرفة يدعمها الجهل.

وبهذا علينا استنهاض الطاقات المعرفية وربط الصلات مع المؤسسات وتغيير منظور تعاملنا مع تمثيليات المجتمع المدني في تقليص أعمالها على تقديم خدمات يومية الى خلق شبكات بنيوية معرفية أكاديمية مع المؤسسات المغربية والالمانية لكتابة هذا التاريخ ولِم منذ درجة الصفر ليبقى شاهدا على هذه المقامات الرائدة لمغاربة العالم والوقوف على مواطن هذا الجهل والحلقات المفقودة في هذا المتن الذي تعبنا من استهلاكه.

إن كتابة “ساعة الصفر” في تاريخ الهجرة الألمانية في مقدمته يستدعي تشخيص فقدان الذاكرة الغريب في ألمانيا حول المدة التي عاش فيها المجتمع كمجتمع هجرة بامتياز؛ فقدان الذاكرة هو الذي يؤثر على المناقشات السياسية والمجتمعية حول الهجرة والتي يتم فيها التعامل مع نفس الحجج ونفس وجهات النظر مرارًا وتكرارًا دون فتح النقاش على المسؤولية التاريخية في الواقع التي يتحملها هذا المجتمع في تصريف العنصرية بشكل هيكلي على المهاجرين.

نتحدث هنا على المهاجرين الايطاليين والبولنديين واليونانيين والمغاربة والاتراك والاسبانييين كذلك في عهد الرايخ والذين كانوا يشكل فيه العمال من اوروبا الشرقية “عمال السخرة” و بعد ذلك، انتقل إلى هذا المفهوم الى “العمال الضيوف” في الستينيات وطالبي اللجوء في التسعينيات.

إنه لا يزيل التاريخ المتشابك للهجرة والعنصرية، لكنه لا يزال يصف عمليات التمييز العنصري (دون وصفها بهذه الطريقة) وكيف تم ترتيب أصول المهاجرين في التسلسل الهرمي خلال الفترة الأولى من هجرة العمل في ألمانيا – والتي كانت الثانية فقط بعد الولايات المتحدة في أعداد المهاجرين الوافدين – خلال العقد الأول من القرن الماضي.

يبقى المجال مفتوحا للتفكير معا في كتابة هذا التاريخ ابتداء من درجة الصفر والوقوف على التقاطعات والامتدادات و التمفصلات بين الهجرة والعنصرية وتحقيق المواطنة والإقصاء الهيكلي والمؤسساتي.

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.