بعد أن غادر بؤرة القتال.. أديب أنور يتساءل لماذا خرجت من سوريا؟

دينبريس
2020-10-17T15:45:11+01:00
آراء ومواقف
دينبريس17 أكتوبر 2020آخر تحديث : السبت 17 أكتوبر 2020 - 3:45 مساءً
بعد أن غادر بؤرة القتال.. أديب أنور يتساءل لماذا خرجت من سوريا؟

لماذا خرجت من سوريا 1:
قبل أن اشرع في ذلك أود ان أذكر أن الخروج الجسدي سبقه الخروج على مستوى الفكر والتصور؛ وكانت الشرارة أنني بدأت أطلع على وجهات النظر المختلفة للتيار الجهادي حينها؛ فما كان يربطنا به هو كتابات المنظرين الجهاديين ورسائلهم وتغريداتهم؛ لكن لما اتسع الأفق بالنظر من زوايا مختلفة وتفسيرات متعددة أدركت سعة الفضاء واتساع رقعة الاجتهاد وأن الدوغمائية واليقين في أقوال أولئك هو الذي يمنع من التحول والتحور عن مسارهم، وإعمال العقل في طريقتهم في التغيير والإصلاح ومعالجة قضايا المجتمع، فتتعطل الملكة النقدية لدى الإنسان إزاء ما يصدر عنهم ومدى واقعيته وعواقبه.

كثر في الآونة الأخيرة اللغط حول خروجي من سوريا من بعض المحسوبين على حركة شام وطرح تفسيرات ساذجة وسطحية: كالهروب والجبن والانتكاسة….اقتبس في هذا المقام الأسلوب القرآني: “وما نقموا منهم إلا أنهم لم يخوضوا في الدماء المعصومة والمحرمة” .

كما هو معلوم في الهيئة منذ فترة طويلة وهي تنهج أسلوب التغلب في التعامل مع المكونات الثورية التي تتقاسم معها الجغرافية (الشمال السوري) فهي قاتلت كل هؤلاء ووظفت جملة من الذرائع الشرعية لاستباحة دماء المسلمين والثوار؛ فمعلوم للجميع حرمة الدم الحرام وعقوبة فاعل ذلك وموقف الشرع منه؛ وأخيرا وليس آخرا ما جرى في قرية تلعادة خير شاهد على ذلك. لما انظم ورثة حركة شام للهيئة بقايا المغاربة ـ الذين هم على اطلاع بآراء “ابو احمد” في مثل هذه النوازل ومع ذلك نكصوا على أعقابهم وخالفوا نهجه في الابتعاد عن الخوض في الدماء ـ فهم فعليا باؤوا بتلك الأوزار من جهة المشاركة الميدانية في القتال ومن جهة السكوت ووضع الرأس في الرمال تحت دوافع مادية وتأويلات فاسدة. والعجيب أن الحجج التي قاتلت على أساسها خصومها وقعت فيها! أيهما أفضل الخروج أم التورط في الدماء؟

لماذا خرجت من سوريا 2:
تزامن في الفترة التي مهدت لقرار الخروج جانبين الأول نظري: تمثل في إعادة بلورة أفكاري من جديد ومراجعة المسار حيث تبين لي عقم المشروع الإسلامي ف سوريا وتناقضه مع بدهيات الفكر السياسي والشرعي، اما عن الثاني، فهي تجليات تلك المناهج والمقولات على أرض الواقع في الاقتتالات الداخلية بين رفاق الدرب (الثوار الإسلاميين) الذين كنت أحسب عليهم، حيث كنت أعاين كيف يتمزق النسيج الثوري، وأصاب بالمرارة بسبب أنني عرضت ما تعرضت له في سبيل خروجي إلى سوريا والمقابل لاشيء؛ وكان أشدها علي إدراجنا ضمن قانون يجرم الذين ذهبوا وتعريضهم لعقوبات تتراوح إلى 5 سنوات، ناهيك أننا أصبحنا ذوي عوائل بمصاهرتنا للسوريين هناك.

عندما تأملت فيما حولي واطلعت ما عليه المغاربة باعتبارهم أقرب الناس إلي، وجدتهم طرائق قددا وخطوطا متباينة ولا يعبرون عن القناعات التي تشكلت لدي ـ كان معي في هذه القناعات بعض الأشخاص ـ الذين سأتشارك معهم في العمل على طرح تبعات مشاركتنا في الحرب السورية ضمن إطار اصطلحنا عليه بإسم “جمعية مغاربة سوريا”، ما دفعنا إلى هذا هو أن قضايانا كمغاربة لا أحد يهتم بها وعلى رأسها مستقبلنا في ضل التحولات المستقبلية التي تتربص بالملف السوري؛ فكانت الفكرة فتح الحوار مع النظام المغربي لإيجاد تسويات تراعي وضعيتنا ومالاتها.

كانت خطواتنا مستهجنة وغريبة نوعا ما في الساحة، حيث تم توجيه مختلف التهم إلينا والى الراغبين في مسارنا بحيث تم النظر إليها من زوايا عدة: عقدية ونفسية وصلت إلى حد التكفير والتعامل مع المخابرات ضدهم!! استمر الحال كذلك لمدة ستة أشهر تقريبا عشت خلالها بعض الضغوط حتى خرجت نهائيا إلى تركيا.. لم تعرف الجنسيات الأخرى شيئا شبيها مما قمنا به، بل حتى من رأوا سوء الواقع وما قد يؤول إليه ممن خرجوا إلى تركيا.. فالخروج لم يقتصر علي، حيث تم استهدافي بحجة أني تركت سوريا، فالكثير خرجوا ممن هم أشهر مني في السياق السلفي كبعض الشيوخ والدعاة وطلبة العلم والتركستان وقيادات العجم والجزراوة ووو..

خلافي مع شتات حركة شام اليوم هو أنهم أطلقوا عنانهم لبعض المحسوبين عليهم للطعن فينا على خلفية فتح الحوار مع النظام، فاللجنة المشتركة في المغرب بدورها فتحت حوارا لحل ملف المعتقلين و”هتش” فتحت حوارات انتهت بها ان ترشح كضامن لمحاربة الارهاب !

وأما الخروج، فلست وحيدا فيه، فالكثير خرج خصوصا وأنه خيار شخصي لا يوصم بسببه بأي نقيصة؛ كيف والمبررات موجودة من ناحية الشرع والعقل !!

لماذا خرجت من سوريا 3:
خروجي لا يتنافى مع كوني ممتن لتلك التجربة بما أضافته إلي من رصيد معرفي ورؤية جديدة، اكتشفت خلالها مضامين الطرح الإسلاموي في بيئات الثورات وجدلية الإيديولوجية والواقع ـ هل الواقع هو الحكم في تشكل الأفكار أم أن الفكر حاكم وسيد على الواقع؛ فهناك من قدم من المجموعات برؤية مسبقة وخطوط فكرية سرعان ما اصطدمت بتعقيدات المشهد السوري فذابت كما يذوب الملح في الماء، وهناك من ساير الواقع وبلور أفكاره بناء على تغيراته (الجمود والانفتاح) ـ كما وقفت على طوابير ممن قضوا في هذه الثورة ممن كان يرى في سوريا بداية التمكين للدولة الإسلامية فأقدموا على الموت احتسابا للأجر والمثوبة، في المقابل ترى الانتهازيين والوصوليين؛ خليط من الظواهر الإنسانية في تعاطيها مع الأحداث.

كما تبين لي الفرق بين التنظير والمشاركة الفعلية، فالكثير منهم أحجم عن المجيء وبقي في قصره العاجي يقدم توجيهاته وخلاصاته فتساءلت كيف يتعارض الفكر مع الحركة! اكتشفت أن المجتمعات التي لا تمر بثورات ثقافية وتخوض تجارب في الوعي الجمعي لا يمكن أن تنجح في امتحان التغيير والتدافع، تبين لي سطوة المال في بناء الاصطفافات والتحالفات، فالدعم المالي يصنع توجهات داخل الثورات لضرب بقية المكونات الأخرى، وتأثير دول الجوار في الداخل (تركيا نموذجا).

سنحت لي الفرصة للاقتراب أكثر من فهم محور المقاومة (سوريا) نموذج صارخ في الجمود السياسي والبقاء ضمن حقبة تاريخية وعدم مسايرة التغيير الذي شهدته المجتمعات (الديمقراطيات وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والحريات).

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.