مولاي إسماعيل العلوي.. المغاربة و”حارة المغاربة” بالقدس

إسماعيل العلوي
2021-05-25T18:51:27+01:00
عبر العالم
إسماعيل العلوي24 مايو 2021آخر تحديث : الثلاثاء 25 مايو 2021 - 6:51 مساءً
مولاي إسماعيل العلوي.. المغاربة و”حارة المغاربة” بالقدس

م.إسماعيل العلويمولاي إسماعيل العلوي

توطئة:
تقول الحكاية:
في عهد إمام اليمن المشهور( أحمد حميد الدين) وقعت مظلمة على رجل يمني، فحمل مظلمته وقصد باب قصر الإمام ليشتكي، فوجد كاتبا بليغا عند القصر، فكتب له خطابا مؤثرا ليحمله إلى الإمام، وقبيل رفع الشكوى قال الرجل للكاتب: اقرأ علي الخطاب، فلما قرأه عليه انهد الرجل باكيا، قال الكاتب: مالك تبكي ياهذا ؟! فقال الرجل: والله إني ما أدري أني مظلوم إلا اليوم .!

مجرد اسئلة:
هل يعلم المغاربة أن لديهم أوقافا باسمهم في بيت المقدس منذ العصر الايوبي؟ لماذا كان أول قرار للكيان الصهيوني هو هدم (حي المغاربة) كاملا ومحو آثاره؟ لماذا لا نسمع عن السكان الاصليين من المقدسيين المغاربة؟ لماذا استولى اليهود المعتدين على مفتاح “باب المغاربة” دون باقي ابواب القدس الشريف؟ هل يعلم الجيل الجديد من المغاربة أن أجدادهم شدوا الرحال للحج والجهاد وساهموا في تحقيق الانتصار؟ هل سيطالب المغرب يوما بحقوق المقدسيين المغاربة المغتصبة؟

شيء من التاريخ:
بعد الانتصار الساحق للناصر صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في معركة حطين، عبر مجاهدو الأقطار عن رغبتهم في العودة الى أوطانهم، فلم يتردد صلاح الدين في السماح للعراقيين والمصريين والشوام وغيرهم، إلا المغاربة، وكانوا يشكلون ربع الجيش، طلب منهم البقاء في القدس، فلما سُئل عن سبب تمسكه بالمغاربة خاصة، قال قولته الشهيرة: “أسكنت هنا من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى “؛ وبعد الناصر صلاح الدين أوقف نجله الاكبر الملك الأفضل نور الدين “حارة المغاربة” على المغاربة المقيمين في القدس، وتقدر مساحتها بخمسة وأربعين ألف متر مربع؛ أي 5% من مساحة القدس القديمة، وهو الوقف الذي استمر على امتداد اكثر من 800 عام، إلى حدود يونيو 1967، حيث كان أول قرار اتخذه العدو الصهيوني بعد احتلال المسجد الأقصى هو هدم حارة المغاربة، إذ سوّت الجرافات العنصرية الحارة بالأرض، وهدمت أكثر من 130 عقارا، من جملتها أربعة مساجد، والكثير من الأوقاف، بل دمرت بعض المباني، وبها كبار السن، على رؤوس اصحابها ولم تمهلهم، كما أصر الصهاينة على مصادرة مفتاح باب المغاربة، ومازال في حوزتهم لحد الآن!

هكذا قام اليهود المعتدين بمحو حياة كاملة للمغاربة بهدم حارة المغاربة، وهم الذين جعل الملك الايوبي أحكامهم إليهم، ولم يجعل يدا لأحدٍ عليهم، وتمتعوا بكثير من المزايا والخصائص في بيت المقدس، فاختفى كل ذلك، واختفى مسجد المغاربة و “شيخ المغاربة و” ونشاط “زاوية المغاربة”، وتوقفت زيارات العلماء والرحالة المغاربة، لقد تم محو حياة مغربية كاملة كانت تنبض هناك، وتم تحويلها إلى ساحة للبكاء! حيث يحتفل المعتدون سنويا بما أسموه “يوم توحيد القدس”، الذي تحول كابوسا لديهم هذه السنة، حيث شنفت اسماعهم صفارات الانذار فهرعوا هلعا للملاجئ والجحور..!

صدى هبة القدس:
بعد عقد من الزمن على الهبات العربية، وحملات الاسترداد لاستعادة الاستبداد العربي العتيد، شعر الكيان الصهيوني بالزهو والعلو الكبير، فهو يتمتع بالدعم اللامشروط من الادارات المتعاقبة على حكم الولايات المتحدة الامريكية، ويحظى بالتغطية التامة على جرائمه ضد الانسانية، وتتم دوما مساعدته على الافلات من العقاب، وقد زاد من غروره موجة الهرولة والتطبيع من بعض الانظمة العربية، إذ مرت في انشغال تام للشباب بهمومه اليومية، ولامبالاته بالقضية المركزية، التي اصبحت منسية!

أما الجيل الجديد فقد تفرقت اهتماماته في فضاءات ومنصات التواصل الاجتماعي، ولا مجال للحديث عن الأحزاب والحركات ومؤسسات المجتمع المدني على طول الوطن العربي وعرضه، فتكاد ما تحس منهم من أحد او تسمع لهم ركزا، إلا بعض الاصوات الصامدة هناك في المغرب الأقصى، التي رفع أحد نشطائها صوته عاليا “بيبيوّ” بالامازيغية، التي يقابلها تعبير “واك واك آعباد الله”! وألف كتاب “الخراب بالباب” محذرا من زحف عملية التطبيع التي تجري سرا وعلنا في بلده، وكأنها صيحة في واد، لذلك قدر العدو الصهيوني أن الوقت مناسب جدا لمزيد من التهويد للارض المقدسة، فاختار بخبث مناسبة سماها “يوم القدس” لفرض هيمنته على الارض المباركة وما حولها، وإمعانا في عملية طمس المظاهر الاسلامية للقدس الشريف، وفي اول يوم من شهر رمضان، اقتحمت قوات الاحتلال فناء المسجد الاقصى لقطع أسلاك مكبرات الصوت، حتى لا يسمع الآذان وصلاة التراويح من مآذن الأقصى الأربع، فهم يريدونها مدينة يهودية الطابع بالكامل، بما ينسجم مع قانون يهودية الدولة الذي أقروه عنوة وأعانهم عليه رئيس دولة عظمى لم تجدد فيه الثقة، وتم إبعاده غير مأسوف عليه، ومازال الرئيس الحالي مستمرا على درب أسلافه في حماية الكيان الارهابي، ورئيس وزرائه مجرم الحرب، والمتهم بالفساد، بل هو مهدد بالسجن من محاكم كيانه نفسها!

وإذا كانت عشر سنوات من التفرقة على كافة المستويات، كافية ليعلن الكيان العنصري علوه الكبير، ويقوم باغتصاب ماتبقى من أراض وبيوت جهارا نهارا، ويدنس المسجد الاقصى، ويمنع كل مظهر اسلامي للبلدة القديمة، فإن عشرة أيام فقط أشعلت الارض المباركة من تحت أقدامه، وانتشرت حالة غير مسبوقة من الالتحام الشعبي حول القدس الشريف، وعادت قضية فلسطين إلى مركزيتها، واستعاد المسجد الاقصى المبارك بؤرة الاهتمام، وعاشت مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وحدة غير مسبوقة، حيث التف الجميع لأول مرة حول فصائل المقاومة الصامدة بكل أذرعها العسكرية الباسلة، مدعومة بتعاطف الشعوب العربية والاحرار عبر العالم..

وكان “يوم القدس”، الذي اختاره الكيان العنصري عيدا له بمناسبة احتلال القدس الشرقية سنة 1967، كان يوما عالميا مشهودا، إذ خرجت شعوب العالم منددة بالمحتل وبجرائمه التي انتشرت كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي كلها، قبل ان تستدرك إداراتها المتواطئة وتقوم بتقييد النشر عبر تويتر وانستغرام وفيسبوك ويوتوب وواتساب…دعما وخوفا على سمعة المعتدي، ولكن حقيقة العدوان كانت أكبر من حجبها، إذ وصلت جرائمه ضد المدنيين العزل من الاطفال والنساء للرأي العام العالمي وبشكل مباشر أحيانا، مما جعل شعوب العالم تتفاعل وتتعاطف مع أصحاب الحق من حي الشيخ جراح إلى غزة الصامدة، وإن كانت حكوماتهم تدعم المغتصب المحتل! وكأن لسان حال الرؤساء: نحن ندعم “اسرائيل” عمليا بالمال والسلاح والحماية من العقاب، ونترك لكم فرصة التعبير عن الغضب المؤقت! بما ينسجم مع سلوك الغرب المنافق، وعلى رأسه رئيس الولايات المتحدة الامريكية، الذي خرج متبجحا بدون أدنى حياء، بحق “اسرائيل” في الدفاع عن نفسها! وهي المعتدية المحتلة، والأنكى من ذلك أنه يعتبر الضحايا والمقاومين للعدوان الهمجي من “الإرهابيين”، وهو الامر الذي رفضته الشعوب وأحرار العالم المساندون لحق الشعب الفلسيطيني في الحرية والاستقال والعيش الكريم..

إنها فعلا حالة التحام تاريخية، توحدت فيها الشعوب والاجيال الجديدة حول قضية فلسطين، التي ظن الجميع أنها قد توارت عن الاهتمام، في الاذهان وفي الاعلام، بل هناك اصوات في الحزب الديموقراطي نفسه،خصوصا من الشباب، لا تتبنى الانحياز الكامل من الادارة الامريكية لـ”اسرائيل”، كما اعترف العدو نفسه في بعض صحفه انه خسر معركة الرواية والوعي هذه المرة..

المسجد الاقصى والمغرب الأقصى:
وإذا كانت القدس قد اطلقت حالة الالتحام غير المسبوقة بين كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وربطت بين نضال الاجيال، فإنها كانت سببا أيضا في هبة المغرب الأقصى مجددا لنصرة المسجد الأقصى، فمن كان يظن ان مروجي شعار “تازة قبل غزة”، بالامس القريب، سيختفون بالمرة ويدعون المجال لرافعي شعار “كلنا فدا فدا لفلسطين الصامدة”، الذي تردد في ما يقارب 60 مدينة بربوع المملكة الشريفة، ومن ذا الذي كان يظن أن صاحب نداء “بيبيو الخراب بالباب” ورفاقه سيفرحون بالشعارات التي رفعها الشباب في عشرات المدن، نصرةً للشعب الفلسطيني وتنديداً بعدوان الاحتلال رفضاً للتطبيع مع كيان مغتصب، بل آن لقامة النقيب و الأيقونة اليسارية عبد الرحمن بنعمرو أن تنتصب مجددا من “سقطة” يوم الارض على ارض الرباط بسبب تدخل عنيف لبعض عناصر الامن! وآن له أن يمضي في دربه الشامخ وهو الشيخ الذي بلغ الـ 88 سنة، وما زال يمشي مرفوع الهامة مناهضا لكل خنوع أو تطبيع مع ما يسمى “إسرائيل”، فتجده أحيانا وهو ابن التسعين يسبق شباب العشرين لساحات النضال والاحتجاج، وهو الحقوقي الاصيل والمكافح النبيل..

بل من كان يظن أن رئيس الحكومة المغربية الذي وقع و”طبع” مع الاحتلال الغاصب، سيخرج مجددا منددا بالعدوان الصهيوني، ومهنئا اسماعيل هنية بـ”الانتصار الذي حققه الشعب الفلسطيني ومقاومته”، ففي شهور قليلة يعبر عن رفضه للتطبيع كخط احمر ثم يطبع في صورة لا يحسد عليها! ثم يستعيد موقفه مجددا بفضل هبة القدس، بل ويتحدث حزبه علنا عن زوال “اسرائيل” وهو موقف دراماتيكي أهدته هبة الاقصى فكان لابد من التفاعل معها، فمرحبا به مجددا في معسكر المقاومة والممانعة، الذي يتطلب الكثير من الصبر والصلابة والصمود!!

وبكلمة: فقد أعادت هبة القدس ومعركة “سيف القدس” الامور إلى نصابها واستعادت الارض المقدسة مكانتها، وهي تلك الارض التي كانت في يوم ما تضم “حارة المغاربة” التي على اجيالنا الجديدة تذكرها وعدم نسيانها لاسترجاعها يوما، فحرب الذاكرة لا تقل اهمية عن الكفاح المسلح، وإذا كان لليهود المغاربة “بيت للذاكرة” في الصويرة يحظى بكل الرعاية والاهتمام، فللمقدسيين المغاربة ذاكرة يجب ألا تمحى كما محيت “حارة المغاربة” عن بكرة ابيها من اليهود المغتصبين.

خاتمة:
ونحن في طريقنا إلى المهرجان التضامني الذي نظمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الدوحة، أثار انتباهي شباب اللجنة المنظمة، الذين ولد أغلبهم بعد اتفاق اوسلو والانتفاضة الثانية، شباب كله حماس تكلف بتنظيم أول تظاهرة جماهيرية تنديدية تعرفها دوحة قطر، وسهر على إنجاحها، والأعجب من ذلك التحاق جيل ولد بعد الربيع العربي، وانخراطه في مناقشة الاحداث الجارية في المسجد الاقصى وحي الشيخ جراح… وعلى هامش التظاهرة لمحت طفلا مغربيا لم يتجاوز العشر سنوات غاضبا بسبب منعه من الالتحاق بالمهرجان! لأن اللجنة المنظمة تمنع الاطفال، اقل من 16 سنة من المشاركة، إنها فعلا هبة عالمية للتضامن من القدس الشريف، أجمل مافيها ان جيل النكبة والنكسة وما عاشه من يأس وشعور عام بالاحباط أمام جرائم “الجيش الذي لا يقهر”! قد خلفه جيل الانتفاضة الباسل، الذي تسلم المشعل بجدارة، وتلاعب بعبقرية “القبة الحديدية”، وسخر منها بأنها مجرد “قبة ورقية”!.. ومما لاشك فيه ان جيل الانتفاضة سيخلفه جيل التحرير، الذي لن يوصل فقط صاروخه الذكي الذي يربك القبة الحديدية، بل ستطأ أقدامه الشريفة تلك الارض المباركة وماحولها، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، وماذلك على الله بعزيز.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.