22 يونيو 2025 / 16:44

العقل الديني والقومي ومعضلة التنكر للأبعاد الكونية في علوم الإنسان والاجتماع

معتز فيصل

مآلات ونتائج وعواقب تنكر العقل الديني والقومي المعاصرين في مجتمعاتنا للأبعاد الكونية في الفلسفة وعلوم الإنسان والمجتمع :

تنكر العقل الديني والقومي المعاصرين في مجتمعاتنا للأبعاد الكونية في الفلسفة وعلوم الإنسان والمجتمع ليست مسألة فكرية فحسب، بل لها مآلات ونتائج وعواقب عميقة ومتشعبة تؤثر في جميع مستويات الحياة: الفردية، والمؤسسية، والثقافية، والسياسية، والحضارية. يمكن تفصيل ذلك على النحو التالي:

1. الانغلاق الثقافي والعزلة الحضارية

يؤدي هذا التنكر إلى رفض المفاهيم الكونية مثل حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والتعددية، والمواطنة العالمية، مما يجعل المجتمعات تنغلق على سردياتها الخاصة.

هذا الانغلاق يفضي إلى فقدان القدرة على الحوار الحضاري مع بقية العالم، ويضعف المشاركة الفعالة في النظام العالمي.

2. إعادة إنتاج التسلط والهيمنة المحلية

حين يُقصى البعد الكوني، تتضخم السرديات الأصولية أو القومية الشعبوية التي تبرر السلطة الاستبدادية و”طاعة أولي الأمر”، أو “المصلحة العليا للأمة”، على حساب الحريات والحقوق الفردية.

يتم تحويل الدين أو القومية إلى أدوات لتبرير الرقابة، وتكميم الأفواه، والإقصاء.

3. نفي الكرامة الفردية لصالح الكليات الجماعية

العقل الديني أو القومي حين يتنكر للبعد الكوني، يرى الإنسان كـ”أداة لخدمة الجماعة” (الأمة، الجماعة المؤمنة، القومية)، مما ينتج تشييئاً للفرد وإنكاراً لتفرده وكرامته.

يضعف هذا من مفاهيم الضمير، المسؤولية الفردية، والحق في الاختلاف.

4. تأخر في العلوم الإنسانية والاجتماعية

رفض المناهج الكونية (مثل النقد، التحليل التاريخي، التفكيك، النسبية الثقافية، إلخ) يؤدي إلى:

جمود فكري في الجامعات ومراكز البحث.

ضعف إنتاج النظريات والمفاهيم القادرة على تفسير الواقع المعقّد.

هيمنة المقاربات التبريرية أو التبجيلية على الفكر والمعرفة.

5. ضعف بناء الدولة الحديثة

الدولة الحديثة تقوم على مفاهيم عالمية مثل سيادة القانون، فصل السلطات، العقلانية المؤسسية، والمواطنة المتساوية.

التنكر لهذه المفاهيم يقوّض بناء الدولة ويكرس أنماط ما قبل الدولة (الطائفية، الزعامة الأبوية، الولاءات القبلية أو العقائدية).

6. عجز عن فهم العالم والتفاعل معه

العقل الذي يرفض البعد الكوني لا يستطيع أن يفهم التحولات الكبرى في العالم (الحداثة، الرأسمالية العالمية، الذكاء الاصطناعي، العولمة، إلخ).

يُنتج هذا وعياً مشوشاً وعاجزاً عن بناء استراتيجيات مستقبلية للتنمية أو النهضة.

7. تفشي العنف الرمزي والمادي

العقل المنغلق غالباً ما يُنتج سرديات إقصائية تُحوّل الآخر المختلف إلى عدو أو زنديق أو خائن للأمة.

هذا يُغذي ثقافة الكراهية والانقسام والعنف الطائفي أو العرقي أو الإيديولوجي.

8. إضعاف إمكانيات التقدم والإبداع

التنكر للأبعاد الكونية يجعل العقل الجمعي خائفاً من الأسئلة الحرة، والتجريب، والخيال الفلسفي.

هذا يقتل المبادرة، ويشجع على التقليد والتكرار والامتثال.

خلاصة:

العقل الديني أو القومي حين يتنكر للأبعاد الكونية يصبح عقلاً حادياً، مغلقاً، ويعيد إنتاج الماضي كأفق للمستقبل. هذا يعيق إمكانات التحرر، التقدم، وبناء مجتمع تعددي وإنساني. المجتمعات التي تسجن نفسها في سرديات “الخصوصية” المطلقة، وتخشى الكوني، لن تكون قادرة على النجاة من أزماتها البنيوية، ولا على المساهمة في الحضارة الإنسانية الراهنة.