النموذج الديني المغربي والحق في الرفع من وتيرة “السياحة الروحية”

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس8 مارس 2025آخر تحديث : السبت 8 مارس 2025 - 9:11 مساءً
النموذج الديني المغربي والحق في الرفع من وتيرة “السياحة الروحية”

منتصر حمادة
سواء في شهر رمضان المعظم أو في باقي الأشهر السنة، يصعب حصر عدد الملتقيات الدينية التي تنظم في المغرب، ذات الصلة بمميزات التدين المغربي، العقدية والمذهبية والسلوكية، والتي تندرج بشكل أو بآخر في تغذية خيار “الأمن الروحي” للمغاربة، إذا استعرنا اصطلاحا شهيرا صدر يوما عن أحد المسؤولين المغاربة في تدبير الشأن الديني.

على سبيل المثال، اشتهرت مدينة فاس منذ عقد ونيف بتنظيم مهرجان فاس للثقافة الروحية، والأمر نفسه مع المهرجان الأشهر الذي يُنظم في المدينة نفسها، أي مهرجان فاس للموسيقى الروحية العالمية العريقة.

ومعلوم أن مدينة فاس تلقب بأنها عاصمة دينية وروحية، بمقتضى الثقل التاريخي لعلماء المدينة، وبمقتضى وجود أقدم مؤسسة علمية، والحديث عن جامع/ جامعة القرويين، في مبادرة جعلت من فاطمة الفهرية تدخل تاريخ الإبداع والعطاء.

في مدينة الصويرة، من الصعب إحصاء عدد المهرجان الفنية والثقافية، وما يهمنا منها المهرجانات المرتبطة بقضايا التسامح والمشترك الإنساني، بما فيها تلك الذي ينظمها المستشار الملكي أندريه أزولاي.

في مدينة سلا لوحدها، يبلغ عدد الأضرحة والزوايا 199 ضريحاً بالضبط، بما فيها خمس أضرحة خاصة بوليات صالحات.

بخلاف المشرق الذي يوصف بأنه بلد الأنبياء، فإن ما يُميز الساحة المغاربية، وخاصة المغرب، هو كثرة الأولياء والصلحاء الذين أنجبتهم هذه الأرض الطيبة، وبالنتيجة، أصبح المغرب يوصف بأنه “بلد الأولياء”، إلى درجة أنه “يُصدر الأولياء” إلى المشرق، ومن ذلك الأولياء الكبار الذين يعج بهم المجال الثقافي والديني المصري، من قبيل أبو الحسن الشاذلي بمحافظة البحر الأحمر والمرسي أبو العباس في الإسكندرية والسيد البدوي في طنطا وعبد الرحيم القناوي في قنا.

في سلسلة رمضانية سابقة، اشتغل فيها الباحث والروائي المصري يوسف زيدان على التعريف بثلاثين صوفياً من أهم صوفية المنطقة، وتم بثها على إحدى فضائيات المنطقة، في غضون 2013، اتضح أن حوالي ثلث هؤلاء من المغرب العربي والمغرب بالتحديد.

تحتضن بلدية مداغ، قرب مدينة بركان، في صيف كل سنة، وكذلك على هامش الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، احتفالات بمقر الطريقة القادرية البودشيشية ، ومما عايناه هناك في ثلاثة مناسبات، على هامش الاشتغال على كتاب حول التصوف في المغرب، أن هذه الاحتفالات تتميز بحضور العديد من الضيوف الأجانب من أتباع الطريقة، أو من أتباع العمل الصوفي بشكل عام، بمن فيهم نجوم في الحقول التي يشتغلون فيها (السياسة، الاقتصاد، الفن.. إلخ).

طيلة أيام السنة، وخاصة في فترة احتفال الطائفة اليهودية المغربية بمناسبة “الهيلولة”، يعج الآلاف من اليهود المغاربة من شتى أقطار العالم، إلى عدة مدن مغربية لإقامة هذه الاحتفالات، مجددين الصلة بين الذات والوطن، رغم إقامتهم في الخارج، وحمل أغلبهم جنسيات أجنبية، إلا أن تعلقهم بوطنهم الأم، لا يتغير، ولا يبدو أنه سيتغير، لأننا إزاء مسألة وجدانية/ غيبية، غير قابلة للتحول بين ليلة وضحاها.

وأخيراً، وليس آخراً، وما دمنا نتحدث عن الحالة المغربية، لا ننس أن المغرب يتميز دينياً بوجود مؤسسة إمارة المؤمنين، باعتبارها حالة دينية ــ سياسة خاصة فريدة في الوطن العربي والعالم الإسلامي، بحيث لا يوجد أي نموذج يقابلها في الساحة العربية والإسلامية وغيرها، ولسنا في حاجة للتذكير بالفوارق بين الحديث عن “أمير المسلمين” وبين الحديث عن “أمير المؤمنين”.

هذا غيض من فيض، هدفه تنبيه المسؤولين عن القرار إلى أهمية الاشتغال على وضع سياسة دينية استراتيجية تحت شعار “السياحة الروحية”، على غرار السائد في عدة دول مشرقية، ونخص بالذكر الثنائي تركيا وإيران، مع أن الوجود التاريخي للمغرب يُضاهي هذا الثنائي، دون الحديث عن الخصوصية المغربية، السياسية والثقافية والدينية، بدليل فشل المشروع الاستعماري التركي/ العثماني في غزو المغرب.

صحيح أن استحضار الأمثلة أعلاه يصب في وجود ما يُشبه “سياحة روحية”، ولكنها غير مهيكلة ولا تندرج تحت هذا الشعار بشكل صريح، لأنه في اللحظة التي سيتم فيها الإعلان بشكل رسمي عن وجود مشروع مغربي يرفع شعار “سياحة روحية”، كما هو السائد في النماذج المشرقية، سوف تتغير العديد من المعطيات، وسوف يُصبح هذا المشروع، باباً أو مقاماً من مقامات “القوة الناعمة” التي بمقتضاها توظفها الدول في الظفر بنقاط ومكاسب استراتيجية هنا وهناك، وهذا ما نعاينه فعلاً مع النموذج التركي على الخصوص.

للمغرب عدة مقومات، أشرنا إلى بعضها دون التفصيل فيها من جهة، ودون التوقف عند مقومات أخرى، تخول له إطلاق مشروع سياحة روحية، لولا أن هذا المشروع يتطلب الاشتغال الجماعي بداية، قبل الانتقال إلى مرحلة التفعيل والتطبيق.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.