سعيد الكحل
يقول المثل الشعبي “أهل الميت صبروا والعزّايا كفروا”. ذاك حال جماعة العدل والإحسان التي استغلت أحداث اقتحام المسجد الأقصى للتحريض ضد النظام المغربي وتحميله مسؤولية قرار الاقتحام والاعتداء على مقدسات المسلمين في بيان يهاجم المغرب أكثر مما يهاجم دولة الاحتلال. بيان عدائي يفتقر إلى ما يقتضيه روح التضامن والنصرة والإنصاف ووحدة الموقف لمواجهة مخططات الاحتلال الإسرائيلي. فالجماعة اعتبرت في بيانها ” إن الانتهاكات الصهيونية الجسيمة لكل الحقوق والمواثيق المتعارف عليها إنسانيا وقانونيا لا يزيدها الانجرارُ الرسمي لجملة من الدول العربية والإسلامية نحو التطبيع الذليل إلا تماديا وتعاليا وتصعيدا”.
إن البيان يقفز على الواقع ليوهم القارئ أن اقتحام المسجد الأقصى تصاعدت وتيرته بعد تطبيع عدد من الدول العربية مع إسرائيل. بينما الواقع يثبت أن جرائم الاقتحام ظل الاحتلال يقترفها قبل التطبيع وبعده. كما يتجنى البيان على الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل باتهامها بكونها “شريك في العدوان”: “نؤكد أن كل من يقف مع العدو الصهيوني في العدوان على الشعب الفلسطيني، أو يشارك في مسلسل التطبيع معه فإنه شريك له في عدوانه راضٍ عن إجرامه”.
في حين أن بيانات الاستنكار ومواقف التنديد التي صدرت عن الدول إياها لم تصدر عن الدول التي تزعم “الممانعة”. فالجماعة تتعامى عن بيان وزارة الخارجية والتعاون المغربية في موضوع الاقتحام حيث أعربت المملكة المغربية “عن إدانتها الشديدة واستنكارها القوي لإقدام قوات الاحتلال الإسرائيلي على اقتحام المسجد الأقصى وإغلاق بواباته والاعتداء على المصلين العزل داخل المسجد وفي باحاته الخارجية، مما خلف عددا من المصابين”. بل “تم تبليغ هذا الشجب والتنديد مباشرة إلى رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط”، وهو نفس الإجراء الذي قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة .
وكما تعامت الجماعة عن بيان الإدانة الصادر عن المغرب، تجاهلت إشادة الفلسطينيين بوقف المغرب الثابت في دعمه للقضية الفلسطينية وتمكين المقدسيين من الإمكانات المالية لتقوية صمودهم في وجه الاحتلال ومخططات التهويد. وتكفي هنا الإشارة إلى تقرير وكالة بيت المقدس لسنة 2021، الذي يشير إلى أن المملكة المغربية، من بين جميع الدول الإسلامية المنضوية تحت لواء “منظمة التعاون الإسلامي”، صاحبة النصيب الأكبر في تمويل الوكالة بنسبة 87 في المائة من مساهمات الدول.
وهو نفس الأمر الذي أكد عليه السيد محمد سالم الشرقاوي، المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف، في تصريح صحفي من أن الدعم الذي يخصصه المغرب يتمثل “من خلال برامج ومشاريع ملموسة، بوتيرة إنجاز سنوية بحوالي 3 ملايين دولار أمريكي.. الذي يبقى مصدر الوكالة الوحيد في التمويل بعد انحسار مصادر التمويل من الدول الإسلامية إذن أين هي إيران وتركيا والجزائر من الدعم المالي للوكالة لدعم الصمود الفلسطيني؟
إن المغرب، ومنذ بداية الاستقلال، لم يتوقف عن دعم الفلسطينيين بكل الوسائل الممكنة، كما كان في طليعة الجيوش العربية التي خاضت حرب 6 أكتوبر 1973. لهذا لا يحتاج من جماعة العدل والإحسان، وكل تنظيمات الإسلام السياسي ومن يدور في فلكها، الاعتراف بجهوده الداعمة للقضية الفلسطينية. فكل هذه التنظيمات لن ترض عن المغرب ولن تشيد بمواقفه ولا بتضحيات شعبه. بل الحقيقة التي ينبغي قولها بكل صراحة هي أن تنظيمات الإسلام السياسي الفلسطينية استخدمتها إيران وحلفائها أدوات لشق الصف الفلسطيني وتمزيق وحدته ومعاول لتخريب اتفاق أوسلو وإقبار حلم إقامة دولة فلسطينية مستقلة عبر سلسلة من العمليات التفجيرية التي من نتائجها ما يعانيه الفلسطينيون اليوم من حصار ومصادرة الأراضي وتقتيل واعتقالات بالجملة .الأمر الذي يضع الفلسطينيين أمام سؤال : ماذا قدمت تنظيمات الإسلام السياسي من مكاسب للشعب الفلسطيني؟
جهود المغرب في دعم الصمود الفلسطيني ، جهود مشرفة أشاد بها الفلسطينيون، قيادة وشعبا، وتتجسد آثارها على أرض الواقع (المنح الجامعية المخصص للطلبة الفلسطينيين، المؤسسات الجامعية والطبية التي أقامها المغرب مثل كلية الملك الحسن الثاني للعلوم الزراعية والبيئة في غزة، مستشفى القدس التخصصي بقطاع غزة، إعادة بناء كلية الزراعة التابعة لجامعة الأزهر في غزة، الأموال المخصصة لبيت مال القدس ..).
جهود أشادت بها اللجنة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني التابعة لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية والأسيوية وبموقف الملك محمد السادس. إذ عبرت اللجنة، في بيان صدر بتاريخ 19 أبريل 2022، عن “شكرها كافة الدول التي كان لها مواقف داعمة دفاعا عن المسجد الأقصى والمقدسات، وخصوصا جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، لموقفه الثابت والداعم لفلسطين وقضيتها ورفضه التام لأي إجراءات تمس الأماكن المقدسة في القدس الشريف”.
وما يميز الموقف المغربي الداعم للقضية الفلسطينية هو كونه “ليس شعبويا ولا سياسويا” كما عبرت عنه الندوة التي نظمتها وكالة بيت مال القدس الشريف بتعاون مع مركز (النهار المغربية) للدراسات الإستراتيجية والإعلام، في 3 فبراير 2021، والتي شارك فيها مؤرخون وباحثون من المغرب وفلسطين حيث أشادوا بالدور الذي يضطلع به المغرب “بقناعة راسخة بقيادة جلالة الملك” لدعم “صمود الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية، لمواجهة المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم على المستوى السياسي، والاقتصادي والاجتماعي والوبائي والمناخي”.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=17346