ذاكرة الأماكن ومغاربة العالم: رابط الهوية والتواصل عبر الزمن

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس24 نوفمبر 2023آخر تحديث : الجمعة 24 نوفمبر 2023 - 7:52 صباحًا
ذاكرة الأماكن ومغاربة العالم: رابط الهوية والتواصل عبر الزمن

*محمد عسيلة
تُعَدّ ذاكرة الأماكن ظاهرة ذات أهمية كبرى في دراسة الهجرة والثقافة. تعبّر هذه الذاكرة عن الروابط الثقافية والعاطفية التي تربط الأفراد بالأماكن التي عاشوا فيها سابقًا، والتي تحمل ذكرياتهم وتشكل هويتهم الثقافية. في حالة الهجرة، يصبح لذاكرة الأماكن دورًا حيويًا في المساهمة في الحفاظ على الأواصر الثقافية والهوية الجذرية لمغاربة العالم.

للأجيال الأولى من المهاجرين، تمثل ذاكرة الأماكن مقاطعًا مادية وروحية من تجربتهم السابقة في المغرب، وتتضمن الأماكن التي عاشوا فيها والتي شكلت جزءًا من هويتهم. يشكل هذا الرابط الثقافي والعاطفي جسرًا مهمًا بين ماضيهم وحاضرهم في البلد المضيف، ويعزز من انتمائهم إلى ثقافتهم وتقاليدهم الأصلية. بالإضافة إلى ذلك، يُظهر هذا الاحتفاظ بذاكرة الأماكن تأثيرًا إيجابيًا على اللغة والقيم والتقاليد الثقافية التي يُمكن أن تتلاشى مع مرور الزمن في بيئة الهجرة.

بالنسبة للأجيال القادمة من المهاجرين، تترك ذاكرة الأماكن تأثيرًا دائمًا على مفهومهم للهوية والأصول الثقافية. تُمكّنهم هذه الذاكرة من فهم أعمق لتاريخ عائلاتهم وأصولهم، وتعزز من شعورهم بالانتماء إلى المجتمع المغربي رغم بعدهم الجغرافي. تلعب ذاكرة الأماكن دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية المغربية والتواريخ الجذرية، وتمنح الأجيال القادمة وعيًا أعمق بأصولهم وجذورهم.

يُمكن القول إن ذاكرة الأماكن تلعب دورًا بارزًا في تعزيز الروابط الثقافية والهوية الثقافية لمغاربة العالم في سياق الهجرة.
إن توثيق والاهتمام الجاد بتلك الأماكن والتجارب يمكن أن يساهم بفعالية في تعزيز التواصل بين الأجيال والمساهمة في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي الثمين.

من هنا، يبقى السؤال المستفز: كيف يمكن تحفيز الوزارات والمؤسسات الوصية على ملف مغاربة العالم والجمعيات والفاعل المدني في أوروبا المساهمة بفعالية في الحفاظ على ذاكرة الأماكن وتعزيز الهوية الثقافية في سياق الهجرة؟

من أجل الحفاظ على ذاكرة الأماكن والتراث الثقافي أمام تلاشيها وفي ظل وفاة عدد من أفراد الجيل الأول رحمة الله عليهم، يجب على الأجيال الحالية والمؤسسات الوصية على ملفات مغاربة العالم اتخاذ خطوات فعالة حتى لا تضيع هذه الذاكرة بالخرف والنسيان والوفاة.

وهنا أقترح القيام بالتوثيق الشامل للقصص والشهادات المتعلقة بالأماكن والتجارب الشخصية والتي يمكنها أن تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على هذه الذاكرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم مشاريع توثيقية وأنشطة تعليمية لجمع وحفظ التراث الثقافي والتاريخ المحلي. يجب أن تكون هذه الجهود جزءًا من السعي لنقل هذا الإرث الثمين إلى الأجيال القادمة والمحافظة على جزء من تراثنا الثقافي عبر وسائط رقمية. وبناء متاحف لهذا الغرض وتنظيم “قوافل” متنقلة عبر دول العالم التي تحتضن مغاربة العالم.

فتوثيق والمحافظة على ذاكرة الأماكن والتراث الثقافي يمكن أن يكون مسؤولية مشتركة تتعاون فيها مختلف الأفراد والمجتمعات والمؤسسات مثل:

الأسر والعائلات والتي يمكن لأفرادها توثيق وتسجيل القصص والشهادات التي تتعلق بذاكرة الأماكن والتراث الثقافي او جعل ما في حوزتهم من صور ووثائق رهن إشارة الجهة التي ستسهر على التوثيق . وفي هذا الصدد يمكن للأجداد والوالدين وافراد العائلة أن يشاركوا تجاربهم ومعرفتهم مع الأجيال الحالية والقادمة.

المؤسسات المحلية مثل المكتبات والمتاحف والمراكز الثقافية والتي يمكن أن تلعب دورًا في تنظيم فعاليات ومسابقات وجوائز ومعارض لتوثيق التراث الثقافي وتعزيز الوعي به.
الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والتي يمكن أن تعمل في مجال الحفاظ على التراث الثقافي وتوثيق الذاكرة. كما يمكن للأفراد المهتمين الانضمام إلى هذه المنظمات أو دعم جهودها.

الباحثين والأكاديميين والذين يمكن أن يقوموا بدراسات وأبحاث تاريخية وثقافية تساهم في توثيق وفهم ذاكرة الأماكن والتراث.

السلطات المحلية والوطنية والتي يمكن أن تدعم جهود الحفاظ على التراث الثقافي من خلال تقديم التمويل والإرشادات القانونية.

استخدام وسائل الإعلام والتكنولوجيا مثل الفيديو والوسائط الرقمية لتوثيق ونشر قصص ومعلومات حول ذاكرة الأماكن والتراث وتكليف الجمعيات ولجن المساجد المغربية في المهجر بتدوين وتوثيق حكايات وسرديات وصور وقصص وسير الاجيال المتواجدة في احضان هذه المساجد والجمعيات. فنحن نعيش تدهور الذاكرة الجمعية لرجالات ونساء المهجر من الجيل الأول وندق من باب مسؤولياتنا الاخلاقية اتجاه مغاربة العالم ناقوس الخطر.

بالتعاون بين هذه الجهات والأفراد، يمكن تعزيز جهود الحفاظ على ذاكرة الأماكن والتراث الثقافي قبل فوات الأوان وضياع هذا الكنز اللامادي الذي نتحمل جميعا المسؤولية في الحفاظ عليه.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
ــــــــــــــ
*أستاذ لمادة اللغة العربية والدين الاسلامي باللغة الالمانية – مسؤول على تكوينات أساتذة اللغات الاصلية بوزارة التعليم الولائية في ألمانيا ـ مستشار لدى نيابة التعليم في قضايا الجودة والتحصيل والمناهج

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.