عن الاستراتيجيات المتبعة لمكافحة الفساد الإداري في المؤسسات الحكومية

ذ محمد جناي
آراء ومواقف
ذ محمد جناي10 يناير 2024آخر تحديث : الأربعاء 10 يناير 2024 - 10:56 صباحًا
عن الاستراتيجيات المتبعة لمكافحة الفساد الإداري في المؤسسات الحكومية

ذ. محمد جناي*

يعد الفساد الإداري من أخطر أنواع الفساد وذلك لما تمثله الإدارة من أهمية في حركة الدولة والأنظمة السياسية القائمة، قد يتمثل هذا الفساد في التعقيدات البيروقراطية والتصرفات غير القانونية وغير ذلك، فالحديث عنه، لا يخص مجتمعا بعينه أو دولة بذاتها، إنما هو موجود في كل بقاع العالم ، تشكو منه كل الدول، ويتزايد باستمرار، على الرغم من تزايد الوعي تجاهه، والجهود المبذولة للحد منه، وهو أيضا لا ينحصر بأشخاص ، أو أفراد ، بل من الممكن أن يكون على مستوى جماعات مصالح ، أو حتى على مستوى دول .

عرف روبرت كليتجارد الفساد الإداري بأنه :”سلوك ينحرف عن الواجبات الرسمية لدور عام بسبب مكاسب (شخصية أو قرابة عائلية أو عصبية خاصة) مالية أو لمكانة خاصة، أو سلوك يخرق القانون عن طريق ممارسة بعض أنواع السلوك الذي يراعي المصلحة الخاصة”.

كما عُرف بأنه : “عبارة عن الاستغلال السلبي أو الإيجابي من قبل الموظف سواء العمومي أو الخصوصي لمنصبه الوظيفي أو الشخص المتنفذ باستغلال مركزه الاجتماعي لتحقيق مصالح أو مكاسب خاصة لمصلحته الشخصية أو لمصلحة المقربين إليه أو للغير”.

وتعرفه “منظمة الشفافية الدولية” على أنه “السلوك الذي يمارسه مسؤولو القطاع العام أو القطاع الخاص سواء بصفتهم سياسيين أو إداريين بهدف إثراء أنفسهم أو أقاربهم بصورة غير قانونية عن طريق سوء استغلالهم للسلطة الممنوحة لهم .

لما كان الفساد الإداري هو ما يشوب الإدارة من خلل واضطراب غير مشروع ،فإن الفساد الإداري هنا يتمثل بالعديد من المجالات ، مثل انتشار الرشوة والمحسوبية ، والاتجار بالوظيفة العامة، والاختلاس من المال العام ، والابتزاز الوظيفي ، وسوء استعمال السلطة، والتسيب والإهمال الوظيفي ،والتفريط بالمصلحة العامة ، وعدم الحفاظ على الممتلكات العامة، وإهدار الوقت ، وشيوع النفاق الوظيفي، وعلاقات الريبة والشك بين الرؤساء والمرؤوسين ، وغياب الالتزام الذاتي، والصراع على القوة، وسوء ممارسة مفهوم الوظيفة العامة.

تتعدد الأسباب التي تدفع المسؤولين للتورط بقضايا الفساد الإداري وفي مقدمتها:

أولا: الانحراف السلوكي والقيمي،خصوصا عند كبار المسؤولين الذين يشغلون الوظائف الإدارية العليا.

ثانيا: عدم اعتماد معايير موضوعية تستند للكفاءة وتقلد المسؤولية ،عند تعيين الموظفين والمسؤولين في مناصب المسؤولية العليا.

ثالثا: عدم وجود مخطط استراتيجي حقيقي شامل لمكافحة الفساد بصفة عامة ، تتبناه الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.

رابعا: سيطرة النقابات البيروقراطية على مفاصل الدولة ، وتأثيرها على القرارات السيادية ، بما يخدم مصالح المتنفذين فيها ،الذين يحملون فكر محاربة الموظف الكفء داخل دواليب المؤسسات الحكومية.

خامسا: تطبيق القانون بانتقائية.

سادسا: وجود فساد سياسي ،يؤسس ويغطي ويحمي مرتكبي جرائم الفساد الإداري.

ومن الاستراتيجيات المتبعة لمكافحة الفساد الإداري ،التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية ،إما بالتخفيف من حدته أو إن لم يكن اجتثاته بالكامل:

أولا : اعتماد سياسة التدوير الوظيفي كلما كان ذلك ممكنا خاصة في الجهات التي يمكن أن ينتشر فيها الفساد نتيجة استمرار نفس الشخص فيها لمدة طويلة.

ثانيا : فهم ظروف المجتمع في شتى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وتحديد مواطن التوتر والثغرات التي يتسرب منها الفساد إلى الجهات الحكومية الرسمية للتعرف على الظروف المهيأة لانتشاره ومعالجتها.

ثالثا: أهمية تفعيل قانون العقوبات التأديبية ومحاكمة كل من يثبت تورطه لتحقيق الردع العام في المجتمع، وذلك من خلال خلال الأنظمة والقوانين ، عبر إيجاد أنظمة صريحة ومباشرة لمكافحة الفساد الإداري ،واختيار أفراد مؤهلين غير متواطئين لعملية المحاربة والمكافحة، مع ضرورة دعمهم وتأييد جهودهم حتى يتمكنوا من تحقيق الأهداف المحددة.

رابعا: خلق نظام فعال لخدمة المواطنين وتلقي شكواهم مع توفير آلية لمتابعتها من الجهات المختلفة.

خامسا: نشر ثقافة التمسك بالحق لدى المواطنين وتعديل منظومة التوظيف والتدرج المهني وإدخال القواعد الأخلاقية والمهنية في أداء الأعمال الإدارية العامة.

سادسا: التركيز على التربية الدينية،من خلال العمل على غرس تعاليم الدين ومقاصده في نفوس الأجيال منذ الصغر ، حتى يكونوا قادرين على الصمود في مواجهته والتعامل معه عند النضوج، وأيضا تدريس السيرة النبوية في جميع مراحل التعليم ، حتى يتم الاقتداء بها عند ممارسة العمل الإداري فيما بعد ، باعتبار أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمثل نموذجا فريدا في الإدارة الناجحة التي تقاوم الفساد وتتصدى له بقوة، مع عدم إغفال إلى أهمية تقوية الوازع الديني في نفوس الموظفين باستمرار، حتى لا يخضعوا لإغراء الفساد الإداري.

*خريج القرويين،متصرف تربوي بالمديرية الإقليمية القنيطرة

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.