محمد عسيلة، أستاذ باحث في قضايا الهجرة والثقافة والدين، أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
الاحتفال بالأعياد هو عبارة عن تقليد يمارسه البشر منذ القدم، ويختلف شكله ومضمونه بحسب الثقافات والأديان والمجتمعات. وعادةً ما تتضمن الأعياد الدينية الاحتفال بمناسبات دينية مثل المولد النبوي والفصح ورأس السنة والأضحى وعيد الفطر وغيره، فيما تشمل الأعياد الثقافية الاحتفال بالتقاليد والعادات الثقافية المحلية مثل الاحتفال بالمواسم والحصاد وغيرها.
ومن الجدير بالذكر أن المهاجرين في أوروبا، وخصوصا المغاربة، يحتفلون بالأعياد وفقًا لتقاليد بلدهم الأصلي، ولكنهم في الوقت ذاته يحترمون تقاليد الثقافة والدين للبلد الذي يقيمون فيه. وهذا يتطلب منهم التواصل والتعايش مع المجتمع المحلي بشكل حسن، واحترام تفاوت الثقافات والتعددية الدينية. وهذه المقاربة أبدع فيها مغاربة العالم في أزيد من مائة دولة ولأزيد من نصف قرن، جعلوا منها أوطانًا تحتضنهم ويحتضنوها جغرافيا وثقافيا وتاريخيا وساهموا وما زالوا في بناء حضارتها وتشكيل هويتها رغم ما يعانونه من ويلات الرفض اليمينية والاقصاءات السياسية الضيقة.
ومن الجدير بالذكر أن هذا التفاعل بين المجتمعات المختلفة يتم عبر الدبلوماسية الدينية، والتي تعني التفاهم والتواصل بين الثقافات والأديان بشكل مفتوح وصريح. ويعتبر هذا النوع من الدبلوماسية مهمًا جدًا للمساهمة في تعزيز السلم والتآخي بين المجتمعات والأديان المختلفة، وتحقيق الاستقرار والتعايش المشترك في الدول المتعددة الثقافات.
فالدبلوماسية الدينية هي عملية التواصل والتفاعل بين الحكومات والمنظمات والأفراد من مختلف الأديان والمعتقدات الدينية. وتهدف الدبلوماسية الدينية إلى تعزيز التفاهم والتعايش المشترك بين الثقافات والأديان المختلفة، وتعزيز الحوار والتعاون بين الشعوب.
تشمل الدبلوماسية الدينية العديد من المبادرات والأنشطة، مثل الحوار الديني والتعاون الدولي بين الكنائس والمساجد والمعابد والمؤسسات الدينية الأخرى. وتشمل أيضًا الزيارات الرسمية والتبادلات الثقافية والتعليمية بين البلدان والمنظمات الدينية، وتنظيم المؤتمرات والمنتديات لتبادل الأفكار والتجارب والمعرفة.
وهنا لا بد من تقييم عمل المساجد المغربية في دراسات ميدانية ولأدوارها في التأثير والتأثر بالواقع الذي تتواجد فيه على المستوى الداخلي والخارجي وخصوصا في دورها المرتبط بالدبلوماسية الدينية والتي تلعب دورًا مهمًا في تعزيز التفاهم بين الثقافات والأديان، وتعزيز السلم والاستقرار في العالم. كما تساعد هذه الدبلوماسية على حل النزاعات والمشاكل الدولية والإنسانية بشكل سلمي، وتشجع على الحوار والتعاون بين الشعوب والحكومات والمجتمعات.
فالأديان والثقافات المختلفة تحتاج إلى التعامل بشكل متبادل ومتفهم مع بعضها البعض، وذلك من أجل الحفاظ على التنوع الثقافي والديني وتعزيز التفاهم بين الشعوب. ومن خلال الاحتفال بالأعياد، يتم تبادل الأفكار والمعارف والتقاليد بين الثقافات والأديان، مما يساعد على فهم بعضنا البعض بشكل أفضل وتعزيز العلاقات الإنسانية.
وفيما يتعلق بالمهاجرين المغاربة في أوروبا، فإن الاحتفال بالأعياد يعد جزءًا أساسيًا من هويتهم الثقافية والدينية، حيث يتم هذا الاحتفال بطريقة تحترم تقاليد المجتمع المحلي وتعزز التعايش المشترك ويتم تحويل هذه المناسبات بشكل غير واعي وسلس الى ديبلوماسية دينية تلعب دورًا مهمًا في تحقيق التواصل، حيث يتم تبادل الزيارات والأفكار والخبرات والمعلومات بين المجتمعات المختلفة وتعزيز التفاهم بينها.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الاحتفال بالأعياد يعزز الروابط الاجتماعية ويساعد في تعزيز الانتماء إلى المجتمع. وعندما يحتفل المهاجرون المغاربة بأعيادهم في أوروبا، يشعرون بالانتماء إلى بلدهم الأصلي وفي نفس الوقت يشعرون بالانتماء إلى المجتمع الذي يعيشون فيه. وبهذه الطريقة، يساعد الاحتفال بالأعياد على تعزيز الاندماج الاجتماعي والتعايش المشترك بين المجتمعات المختلفة.
إن الاحتفال بالأعياد في الثقافات والأديان يعكس القيم والمعتقدات والتقاليد الثقافية لتلك المجتمعات، ويمثل جزءًا هامًا من هويته.
على الرغم من أن الدبلوماسية الدينية تلعب دورًا هامًا في تعزيز التفاهم بين الثقافات والأديان، إلا أنها تواجه بعض النواقص في مقارنتها بالدبلوماسية الثقافية، وهي كالتالي:
1- الدبلوماسية الدينية غالبا ما تكون محصورة في التواصل بين الديانات والمعتقدات الدينية المختلفة، في حين أن الدبلوماسية الثقافية تشمل التواصل والتعاون في العديد من المجالات الثقافية المختلفة، مثل الفنون والأدب والموسيقى والأفلام والرياضة.
2- في بعض الأحيان، تتميز الدبلوماسية الدينية بمزيد من الانغماس والتركيز على الجوانب الروحية والدينية للتواصل، بينما يمكن للدبلوماسية الثقافية التركيز على العناصر الثقافية والمادية.
3- قد يكون التعاون الديني محدودًا بالقضايا الدينية والروحية فقط، في حين أن الدبلوماسية الثقافية تهدف إلى تحسين العلاقات العامة والتجارية والاقتصادية بين البلدان.
4- يمكن أن يكون التعاون الديني عرضيًا في بعض الأحيان، حيث يمكن للطرفين أن يتفقوا على موضوع محدد فقط دون التعمق في العلاقات الأكثر شمولاً، في حين أن الدبلوماسية الثقافية تهدف إلى تعزيز العلاقات الشاملة بين البلدان والثقافات.
على الرغم من هذه النواقص، إلا أن الدبلوماسية الدينية لا يمكن إهمالها، حيث يمكن أن تلعب دورًا هامًا في تعزيز التفاهم والتعاون بين البلدان والثقافات والمعتقدات الدينية.
يمثل مغاربة العالم دورًا هامًا في تعزيز التفاهم والاندماج والتواصل والاستقرار من خلال المشاركة في الدبلوماسية الدينية والثقافية في أوروبا وفي بلدانهم الأصلية. ومن بين الأدوار التي يمكن لمغاربة العالم القيام بها في هذا الصدد:
– تعزيز التواصل بين الثقافات والأديان: يمكن لمغاربة العالم المشاركة في الأنشطة الدينية والثقافية في بلدانهم وبلدان الاقامة وتشجيع الحوار البناء بين الثقافات والأديان المختلفة.
– الوساطة الثقافية والدينية: يمكن لمغاربة العالم العمل كوسطاء بين الثقافات والمجتمعات المختلفة وتقديم الاستشارات والتحليلات المتعلقة بالثقافات والمجتمعات الأخرى.
– تعزيز التعاون الثقافي والاقتصادي: يمكن لمغاربة العالم المشاركة في تعزيز العلاقات الثقافية والاقتصادية بين بلدانهم وبلدان الاقامة، والعمل على تحسين التفاهم المتبادل والتعاون.
– تعزيز الاندماج والاستقرار: يمكن لمغاربة العالم المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والدينية في بلدانهم وبلدان الاقامة، والعمل على تعزيز الاندماج والاستقرار وتحقيق السلام المجتمعي.
كما يمكن لمغاربة العالم أن يساهموا بشكل فعال في تعزيز الدبلوماسية الدينية والثقافية في أوروبا وفي بلدانهم الأصلية، وبالتالي المساهمة في تعزيز التفاهم والاندماج والتواصل والاستقرار بين الثقافات المختلفة وتحقيق السلام المجتمعي والتنمية المستدامة. ولتحقيق ذلك يحتاج مغاربة العالم الى تظافر الجهود وتقوية كفاءات اللجن المسيرة لهذه الجمعيات والمساجد ودعم السادة الأئمة ماديا ومعنويا بتكوينات في اللغات وصقل معارفهم في التاريخ والحضارة والقانون و بيداغوجيا التواصل وتشبيك العلاقات بين المساجد فيما بينها من جهة وفيما بينها والمؤسسات الاوروبية الثقافية والتربوية والتعليمية من جهة أخرى وخلق بنيات ومنابر إعلامية ومنصات تتقن لغة وثقافة ومخيال مواطنات ومواطني هذه الدول.
وهذا سيمكن لا محالة من تحقيق ديبلوماسية دينية وثقافية فاعلة تعرف كيف ومتى وأين تترافع وكيف تتفاعل مع كل مكونات المجتمع الاوروبي ليتحقق التفكير والإفهام والعمل الدائري النفعي خدمة للقيم الكونية و لبناء الإنسان والهوية المنسجمة.
ولا يفوتنا التذكير بأن تحقيق الديبلوماسية الدينية والثقافية يعد من أهم المقاصد التي يسعى الدين الإسلامي إلى تحقيقها، وذلك لأن الإسلام يحث على التعايش السلمي بين الثقافات والمجتمعات المختلفة ويدعو إلى التفاهم والتعاون بين الناس، وذلك بما يحقق العدل والمساواة ويسهم في تحقيق السلام والاستقرار.
تشجيع الحوار والتعاون بين الأديان والثقافات المختلفة يعتبر من الأهداف الأساسية للديبلوماسية الدينية والثقافية في الإسلام. ويؤمن المسلمون بأن الجميع مساوون أمام الله، ويحثون على تقبل الآخر والتعاون معه في كل المجالات، وعدم الاقتصار على مجال العبادة فقط، بل أن يمتد التعاون إلى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
كما يحث الإسلام على تحقيق العدالة والإنصاف والمساواة بين جميع الناس بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين أو اللون، ويعتبر ذلك من أهم المقاصد التي يسعى الإسلام إلى تحقيقها من خلال الديبلوماسية الدينية والثقافية.
إن الديبلوماسية الدينية والثقافية في الإسلام بهذا تسعى إلى تعزيز التفاهم والتعاون بين الثقافات والأديان المختلفة، وتحقيق السلام والاستقرار والعدل والمساواة في العالم، وذلك من خلال المشاركة الفعالة في الحوارات والمناقشات والأنشطة الثقافية والدينية المختلفة.
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (سورة الحجرات، الآية 13)
و يقول رب العزة في سورة آل عمران: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (سورة آل عمران، الآية 104
صدق الله العظيم.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20039