العثماني: ما أحوجنا هذه الأيام إلى صناعة الحب؟

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس23 أغسطس 2020آخر تحديث : الأحد 23 أغسطس 2020 - 7:37 صباحًا
العثماني: ما أحوجنا هذه الأيام إلى صناعة الحب؟

الصادق العثماني
عرف بعض العلماء الحب أو المحبة بأنها الميل إلى ما يوافق الإنسان، إما لاستلذاذه بإدراكه بحواسه الظاهرة، كمحبّة الأشياء الجميلة والمستلذّة والمستحسنة، أو بحاسة العقل، كمحبتّه للفضلاء، وأهل المعروف والعلم، وذوي السير الحسنة، أو لمن يناله إحسان وإفضال من قبله، علما أن الحب في دين الإسلام هو قيمة من قيمه العظيمة والجميلة التي يسعد الإنسان بها، وهي من الصفات الآدمية التي لاينفك عنها، فكل انسان لابد أن تجري هذه المعاني عليه؛ الحب، والبغض، والرضا، والكره، والفرح، والشدة، والحزن..

والحب بصفة عامة يسمو بالنفس ويحلق بها في فضاء من السعادة والجمال، ويضفي على حياتنا بهجة وسروراً، ويكسو الروح بهاءً وحبوراً، وهذه القيمة الناصعة في الإسلام “أي الحب” هي التي جذبت اليه الناس ودخلوا فيه أفواجا قديما وحديثا شرقا وغربا، حتى الفيلسوف الألماني الشهير “أندرياس كامس” اعتنق دين الإسلام عن حب ورغبة بعد رحلة من التأمل والتحليل المفهومي الفلسفي للحب والمحبة والتسامح والرحمة في رسالة الإسلام وفي تعاليم نبينا العدنان، وكيف لا يقتنع هذا الفيلسوف والله سبحانه وتعالى يصف نبيه المصطفى الكريم بكونه رحمة للعالمين: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً للْعَالَمِينَ”.

لذا وجدناه صلى الله عليه وسلم في كل مرة يذكّر أصحابه بخلق الحب والرحمة: “الراحمون يرحمهم الرحمن”. وفي حديث آخر شديد الصلة بالرحمة والرأفة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أُعطي الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة”.

هكذا نجد خلق الحب والرحمة بالإنسان وبالحيوان عنوان حضارتنا الإسلامية، لذلك حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم الغاية الأولى من بعثته، والمنهاج المبين في دعوته بقوله: “إنما بعثت لأتمم مكارم الخلاق”، والمتمعن في جميع العبادات التي فرضها الله على عباده المؤمنين تؤدي في النهاية إلى الحب وإلى تزكية النفوس وطهارتها من الدنس والحقد والغل والحسد، جاء في حديث قدسي يرويه لنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: “إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصرا على معصيتي، وقطع النهار في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة، ورحم المصاب، ” فالمسلم الشرير الذي يؤذي جيرانه ولا يحبهم حكم عليه الإسلام حكما قاسيا فيقول فيه الرسول (ص) : “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يا رسول الله، قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه” أي شروره.

وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال له: يا رسول الله إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال:”هي في النار” وفي هذه الإجابة تقدير لقيمة الحب والخلق العالي في الإسلام، روى مالك: أنه بلغه عن يحيى بن سعيد : أن عيسى عليه السلام مر بخنزير على الطريق، فقال له: انفذ بسلام! فقيل له: تقول هذا لخنزير؟! فقال:إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء!.

ومن أجل ذلك وسع ديننا الإسلامي في دلالة ومفهوم الصلاح والصدقة فقال (ص) :”تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة، وبصرك للرجل الردئ البصر لك صدقة”. فدين الإسلام اعتبر الحبّ قيمة جليلة عُليا وهدفاً سامياً في حياة البشر، يسعى بشتّى الوسائل لتحقيقه، وتكوينه في النفس البشرية، وإشاعته في المجتمع، وبناء الحياة على أساس الحبّ والمودّة، وبه يسعد الفرد والأسرة والمجتمع..

وعلى هذا يمكن القول: الإسلام هو الحب، والحب هو الإسلام، وهو المقصد العام الذي يريد الله تحقيقة في دين الإسلام، هو الحب.. حبّ الله، وحب رسول الله، وحب الأهل والأصدقاء والأحباب والبشر كافة، ولهذا ما أحوجنا هذه الأيام إلى إنشاء معامل وشركات لصناعة الحب، وصناعة السلم والسلام بين الأمم والشعوب والدول، بدلا من إنشاء مصانع ومعامل لإنتاج السلاح النووي والصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي تهلك الحرث والنسل وتدمر البلاد والعباد…الله المستعان.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.