خداع اللحظات “السعيدة”

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري5 سبتمبر 2020آخر تحديث : السبت 5 سبتمبر 2020 - 4:09 مساءً
خداع اللحظات “السعيدة”

محمد علي لعموري
كل إنسان له رغبة في أن يكون سعيدا على الدوام ، ولكن ذلك مستحيل ، فلحظات السعادة قليلة جدا في حياة الإنسان أي إنسان ، لأن طبيعة الحياة أنها تمنح بمقدار وتجود بشح في كل ما يرتبط بالسعادة الحقيقية.

قد يختلط علينا الأمر فنخلط ما بين سعادة حقيقية وأخرى مزيفة ، لأن وهم الشعور بالسعادة يحدث حين نقضي الوقت في الفوضى والإرتجال واللامبالاة والضحك السطحي والمبالغة في استهلاك المخدرات والكحول مثلا ، لنسيان مشاكل جمة نصارع لمجاوزتها في حياتنا اليومية.

وقد تبدو حياة المرء سعيدة وهو يغوص في بحر من الصداقات التي تحيط به لمجرد أنه محظوظ ماديا وعنده ما يكفي من المال لشراء لحظات وصداقات مزيفة.

وكذلك حين ينغمس الفرد من أذنيه حتى أخمص قدميه في القيام بعلاقات جنسية بشبقية مفرطة نهمة يريد من خلالها أو عبرها اقتناص لحظات السعادة التي يراها في ممارسة سادية مقرفة أو مازوشية مرضية أو شراهة في استهلاك الجسد وصولا إلى النشوة والرعاش العابر الذي يحدث به الإستواء والإرتواء.

كما يشعر المرء المريض بالسلطة – متواضعة كانت أو كبيرة – أنه وصل لقمة إثبات الذات وإثبات الوجود ، ومثله ينتشي بمنصب يخول له ممارسة السلطة وإعطاء الأوامر وتوبيخ المعارض وتأديب المتهاون بسادية تمزج ما بين الإهانة واللذة.

هذه حالات من كثير تبدو في خضم الحياة أمورا طبيعية لكنها في حقيقتها لحظات زائفة نتمسك بها لإيهام الذات أننا لا يمكن العيش بدونها : قتل الوقت في التفاهات ، استهلاك المخدرات ، الإفراط في ممارسة الجنس ، التواجد بين أصدقاء منافقين وانتهازيين ، التعسف في استهلاك سلطة ما صغر شأنها أو كبر..

فحضارة استهلاك الوقت والجهد والمال والمنتوجات والجنس تأسر أرواحنا خلف المعنى الحقيقي للعيش ، وذلك لفرض نمط عيش زائف عابر ومتجدد على مدار الساعة ، ليتكرر المشهد كل يوم برتابة تكاد تتآكل معها الروح لتمسي كئيبة شاحبة كالضحكة الصفراء ، حيث يكثر النفاق والزيف وكل تلك الأمور التي نبرر وجودها بيننا على أنها من توابل العيش المشترك كالمجاملات وديبلوماسية النفاق وتراتبية السلطة المفترى عليها والجنس/الضروري في الحياة…الخ

ومع ذلك فالإنسان الذي تثقل كاهله صروف الحياة يمضي تائها مقبلا على الإستهلاك المفرط في كل شيء زعما منه ؛ وفي غلبة اللاوعي في سلوكه اليومي ؛ أنه يبلي حسنا ويحسن صنعا ، ولا يلتفت لزيف اللحظة إلا عند حدوث الصدمة أو الإرتطام بصخرة الحقيقة في لحظة استفاقة ووعي وإدراك مفاجىء ، وحين يقع في المحظور من رتابة أوخيبة أو فشل ، ويدخل في نوبة اكتئاب وعزلة عن الواقع وتأثيراته لتبدأ معه مشاكل نفسية من نوع آخر.

الحياة تضم في ثناياها المعقد والبسيط ، الطبيعي والمزيف أو المصطنع ، الحب الفطري والحب المكتسب ، الجنس الواعي والجنس المرضي ، السلطة كوظيفة والسلطة كسادية مرضية..فحين نسلك طريق البساطة نعفي أرواحنا من عذاب التعلق بأهذاب الممتنع والصعب والمعقد والغامض الذي لا يصلح إلا كمادة للبحث العلمي ولا يصلح للعيش اليومي ، وحين نترك حب الفطرة المحاط بنا في لحظات الصدق التي نستشفها في أعين آبائنا وأمهاتنا وإخواننا ثم ننصرف عن كل ذلك للبحث عن الحب بين الغرباء ووسط أكبر عدد من الأصدقاء ، فنعثر منه على ما يروي ظمأنا في لحظة زائفة الهدف منها تجزية الوقت واستهلاكه بعد إيهام الروح أننا محبوبون من هذا ومن ذاك ثم بعد ذلك نكتشف حقيقة الوهم في أوضح تجلياتها ألما وندما وحسرة.

هكذا نعيش زيف اللحظات السعيدة في غمرة انشغالنا بحياة متعبة لكنها تستحق العيش لكن بأي أسلوب ؟

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.