أصول مدرستنا التنويرية: الإجماع وهم وليس مصدر تشريع

محمد ابن الأزرق الأنجري
آراء ومواقف
محمد ابن الأزرق الأنجري26 أغسطس 2020آخر تحديث : الأربعاء 26 أغسطس 2020 - 8:13 صباحًا
أصول مدرستنا التنويرية: الإجماع وهم وليس مصدر تشريع

محمد ابن الأزرق الأنجري
الإجماع ثالث مصادر التشريع عند الفقهاء السنة، ويعنون به اتفاق مجتهدي الأمة بكل مدارسها (فقهاء استنباط الأحكام الشرعية) في عصر واحد بشكل صريح على حكم مسألة فقهية، بحيث لا يبقى أي مجتهد إلا ويصرّح بالرأي ذاته.
ولا أعلم مسألة فقهية غير منصوص عليها صراحة في كتاب الله وقع الإجماع عليها كما هو بشروطه الأصولية.
وكلّ الأمثلة المقدمة في هذا الموضوع كذب على التاريخ والواقع، بما فيها أشهرها وهي إجماع مجتهدي الصحابة على تدوين القرآن في المصحف وتوحيده ترتيبا وحرفا، إذ لم يصرّح كل الصحابة بالموافقة، بينما عارضه آخرون من طينة عبد الله بن مسعود.
ثم اخترع الفقهاء نوعا ثانيا أسموه “الإجماع السكوتي”، وهو أن يصرّح جزء من الفقهاء برأي واحد، ثم يصمت الباقون ويسكتون، فيكون حجة “شرعية”.
وهذا افتئات على الصامتين الذين قد يجهلون الموضوع والرأي فيه، أو يبلغهم فيسكتون تكاسلا أو خوفا أو تقليدا وحياء، وليس للمتكاسل والخائف والمقلّد رأي.
ومن الظلم الشنيع الذي قرّره الأصوليون والفقهاء أن يكون خارق الإجماع كافرا أو آثما في قول، إذ زعموا أن الرأي المجمع عليه في عصر يبقى ملزما إلى قيام الساعة، تعطيلا للاجتهاد وسجنا للعقل.
وقد احتجوا على ذلك بآيات حرّفوها عن موضعها وزوّروها تزويرا، من ذلك قول الله تعالى في سورة النساء: (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (116).
إن الآية واضحة للأعمى قبل البصير أنها تتحدث عن الذي يعرف صدق رسول الله وصحة نبوته ثم يصرّ على الكفر والشرك ولا يؤمن مع الناس المهتدين، بل ويمارس العداوة والشقاق لرسول الله.
ولكي يتمّ التحريف والتزوير، يحذفون الآية رقم 116 التي هي خلاصة الآية 115.
ولا نكلّف أنفسنا بالرد على حججهم من “الأحاديث” الضعيفة أو الصحيحة البعيدة عن موضوع الإجماع الأصولي.
ومذهبنا أن الإجماع ليس مصدرا للتشريع الديني التعبدي، فلا يحرم ولا يفرض إلا الله تعالى بواسطة كتابه الكريم.
لكن الإجماع –إن تحقق- يصلح أن يكون آلية وقرينة للاهتداء إلى الآراء المستقيمة في الدنيويات من الأمور، وعلى تمييز الحسن من القبيح، والصالح من الضار.
وإجماع المسلمين في عصر على رأي يلزم الجيل الذي حدث فيه دون الأجيال التي بعده، فيحق لكل مفكر أو ذي عقل أن يجتهد ويراجع ويطوّر.
وإذا كان الأصوليون جعلوا الإجماع حكرا على الفقهاء، فإننا لا نعتدّ بأي إجماع فقهي لا يسبق أو يخالف قرار الخبراء.
الإجماع الفقهي في عصرنا يجب أن ينتظر قول الخبراء.
إن كانت المسألة طبّية، فاتفاق الأطباء يلغي حكم مليار من الفقهاء، لأن الكلمة في الطب ليست لهم بل للخبراء.
وهكذا في كل القضايا التي لها خبراؤها وأهلها.
من ذلك العلاقات الدولية، وقرار السلم أو الحرب، لا يفهمه الفقيه النحرير في أبواب الطهارة وأحكام الصلاة والصيام والحج والعمرة… بل المرجع فيه للمختص الخبير.
لقد كان سيف الإجماع أحد عوامل تخلّف العقل المسلم لأن الأصوليين الأولين فرملوه وعرقلوه.
وكثيرة هي الأزمات في تاريخنا بين الحكام الواقعيين وبين الفقهاء الجاهلين بالواقع، سببها دعاوى مخالفة الحاكم للإجماع.
بل، وهناك فقهاء ومفكرون تم تكفيرهم واضطهادهم تحت يافطة مخالفة الإجماع !
على الفقيه أن يعيد النظر في تكوينه ومستواه، فإن واقع القرن الخامس عشر يختلف جوهريا عن واقع القرن الأول والثاني حيث نشأت المدارس الفقهية وتقرّرت القواعد والفرامل والبراميل المتفجّرة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.