في نقد غياب المثقف العضوي

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري21 يوليو 2020آخر تحديث : الثلاثاء 21 يوليو 2020 - 10:41 مساءً
في نقد غياب المثقف العضوي

محمد علي لعموري
منذ سنوات ألف الناقد والمثقف علي حرب كتابا في نقد المثقف(1) ، تطرق فيه إلى أوجه النفاق والتهافت لدى نخبة مثقفة محسوبة على فئة تدعي النهوض بالشأن الثقافي في بلادنا العربية.

كانت لدى الدكتور علي حرب قدرة تحليلية وتفكيكية للنصوص ذات الوزن والحضور في الساحة الفكرية والفلسفية ، مثل مشروع نقد العقل العربي للجابري ونقد العقل الإسلامي لمحمد أركون ، ونقد النص الديني في كتابات نصر حامد أبو زيد ..بل أفرد لعدد من المشاريع ؛ التي تحاول إعادة قراءة حداثية للتراث ؛ كتابا ذا دلالة تنظيرية بعنوان ” نقد النص ” . وتلاه كتاب مصاحب له من حيث الطرح الإستشكالي الذي اشتغل عليه علي حرب بعنوان ” نقد الحقيقة “.

وقد اعترف المفكر المغربي عابد الجابري برصانة وموضوعية الناقد اللبناني علي حرب في نقده لمشروعه الفلسفي تجاه التراث ولا سيما التراث الفلسفي : ” نحن والتراث : قراءة معاصرة في تراثنا الفلسفي ” ، وشهد له في طبعته الثانية لنفس الكتاب بالمصداقية مع التأكيد هنا أن الجابري لا يرد على خصومه إلا فيما ندر لتجنبه خوض معارك سفسطائية تلهيه عما تفرغ له منذ ابتعاده عن السياسة وتخصصه في الفكر والنقد والفلسفة..

نعود إلى كتاب علي حرب في نقده للمثقفين العرب أن الرجل قد كان قاسيا لكنه كان صريحا حين جرد مواطن الضعف التي بات يتحلى بها المثقفون العرب ، إما لذوبانهم وانصهارهم في بوثقة السلطة وما شابهها من مناصب تسيل لعاب البعض منهم حد هجر الدور المنوط بهم في تنوير المجتمع وتثقيف شبابه ، وإما لنفاقهم ومهادنتهم للسلطة ودخولهم حلبةالسياسة من بابها المغلوط حيث لا ثمة مبادىء ولا ثمة قضية يجري بشأن الدفاع عنها قلمهم المحسوب على الرأي العام القارىء الذي يتابع ما يكتب وما ينشر وما يتم الترويج له من أفكار.

إن المثقف من منظور التعريف الذي يعطى له أنه صوت الثقافة الذي يعلو بهمة للدفاع عن الإرث الذي ترفل في موجوداته أمة ما. فهو صورة للوعي الجماعي حين يكون التواصل بين فكر النخبة المثقفة ووعي الجماهير ساري المفعول في الهنا والآن دون مواربة ولا مواكلة أو مشاربة ، بل بفكر يعبر عن صحوة الضمير المبثوث في عقول ووجدان وهموم فئة تولت مهمة النهوض بثقافة المجتمع والسير بها نحو الأمام ، في رحلة ذؤوبة لتغيير ملامح المرحلة التي يمر منها وعي ولا وعي مجتمع ما.

إن المثقف الذي يجمع ما بين التجديد في الثقافة من داخلها ويستفيد من خبرات يتحصلها من انفتاحه على الآخر دونما مركب نقص ، وما بين نضاله اليومي من أجل الديمقراطية لتكون نبراس ومنهج من يباشرون السياسة حتى لا ينحرفوا عن القواعد المتعارف على كونيتها المعمور ، ومن أجل الكرامة وحقوق الإنسان ، ومن أجل الحرية التي يبخسها أصحاب السلطة ومن شابههم ممن يستعملونها بشطط وفساد في الأرض ، قلت إن مثل هذا المثقف هو من عز وجوده في زمن سيادة منطق التراضي والتوافقات ذات الملامح المصلحية والإنتهازية والوصولية وهلم أمراض مجتمعية امتد منطقها الفاسد إلى الحياة الثقافية لتجعل من هموم الوطن مجرد خطابات تتلى في المناسبات ، حتى لم نعد نميز بين خطاب المثقف وخطاب النقابي ، علما أن السياسي والنقابي في زمن مضى كان من النخبة المثقفة التي تزاوج في تنظيرها بين الفعل السياسي والخطاب الثقافي المشبع بهموم المجتمع المتكلم فيما يعاني منه العامة ، ناهيك عن الدور المنوط به على مستوى الإحاطة بقضايا الأمة العربية في انسجام تام مع فكرة وحدة المشترك الثقافي العربي/الإسلامي/الأمازيغي..

للمثقف دور طلائعي يقوم به في مسيرة عارمة ضد الإستبداد السياسي والديني خاصة داخل وطننا العربي الذي يحمل إرث ماض لما نتجاوز منظومته المتحكمة في وعي ووجدان الأمة ، ويواجه تحديات مرحلة دقيقة هي عنوان للتراجع في ميادين شتى ، ولا نستثني منها تراجع دور المثقف العضوي ذي الإرتباط بأسئلة المجتمع الحارقة والتي تنم عن نضج ووعي لكن تتحكم في توجيهه حركات شعبوية تستغل فراغ الساحة من مثقفين يحملون فكر التنوير وتحديث الفكر وتحرير العقل ، وتراجع نخبتهم التي هرمت وتراجعت خلف المشهد ، تاركة المجتمع لتيارات دينية لا تعمل إلا على مشروع ” الأسلمة المشبوه ” والعودة بطقوس الإنغلاق وفرض القيود على الفكر باستعمال أدوات التكفير والتخوين وإقصاء المختلف والدعوة إلى عودة الدين أو المكبوت الديني على أشد ما يكون البدء…

كل هذه البذاءات الفكرية والجهالات الدينية ، والتراجعات المعرفية ، والحضور القوي للفكر الديني المنغلق ” الدوغمائية ” يمتح من فراغ الساحة وانتشار الجهل والتجهيل ، وتسطيح الوعي ، وتبليد الشعب بيد من يملكون قراره ويسيرون أحواله ، ووجب في هذا الباب إعادة الإعتبار لدورالنخبة المثقفة إن وجدت وأنى وجدت ، والنهوض بأحوال الثقافة وعودة البعد الثقافي في الإعلام والتعليم ، وتخصيص ميزانية مهمة لتحسين وتشجيع دور الثقافة والمثقفين ، فبدون هذا الحضور للمثقف في دنيا الناس يتم تجهيل جيل وتأخير أو تأجيل الإجابة على الأسئلة المصيرية التي تفرضها مرحلة من عمر أمة ما ، وبالتالي يصاب فكرها بالشلل وعقلها بالخرافة وتموت مفاصل المجتمع ثم تحل الكارثة متجلية في تكالب الشعوب الأخرى على ثرواتها المادية والرمزية نهبا أو تدميرا أو تهريبا أو تخريبا…وكفانا بما وقع في العراق وسوريا من دمار لحضارة صمدت قرونا في كل من بلاد الرافدين والشام خير مثال شاهد على بؤس السياسة عندنا وعنف الثقافة ، وانسياق الشعوب وراء الإيديولوجيا ، وتكالب الآخر علينا ، وغياب التنوير الثقافي اليومي ، فكيف السبيل إلى الخروج من عنق الزجاجة؟
ـــــــــــ
1/ كتاب علي حرب ” أوهام النخبة أو نقد المثقف ” المركز الثقافي العربي ط 1 عام 1996

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.