ببالغ الأسى بلغنا خبر مقتل الشهيد السعيد العلامة محمد سعيد رمضان البوطي على يد فلول الظلام عن سنّ يناهز الثمانين.
وذلك حينما قام انتحاري بتفجير نفسه داخل جامع الإيمان الذي كان الشهيد البوطي يلقي فيه دروسا على طلبته كلّ إثنين وخميس بمنطقة المزرعة بدمشق.وقد قضى معه ما يناهز 35 طالب علم، من بينهم حفيذه.
ويعدّ الشيخ البوطي وهو من أصول كردية سورية كبير علماء بلاد الشام ورئيس اتحاد علمائها والمفكر الإسلامي المخضرم الذي بات له صدى في كل البلاد العربية وكانت له أدوارا في نشر الوعي الدّيني لا سيما المجافي للصهيونية والوهابية والإخوان بالدعوة الحسنة والإقناع.
له نظائر في العلم والمواقف المتزنة في بلدان كثيرة. فهو من حيث مكانته العلمية وقدم باعه فيها أشبه بمكّي النّاصري في المغرب، والشيخ متولّي الشعراوي في مصر والشيخ محمد الغزّالي. فلقد رفض دعوة الإخوان والوهابية ورفض الفوضى والطائفية واختار أن يكون وطنيا.
عاش زاهدا كنّا نراه كذلك في الشّام منقطعا للعلم مصرّا على رأيه يصدح به. وكان أثناء الحرب على غزّة قد باع بيته ليدعم به حماس. ومنذ الثمانينيات حينما قام الإخوان المسلمون السوريون بمحاولة انقلاب بالسلاح، وحصلت بينهم وبين النظام أنذاك معركة مسلّحة، كان الشيخ البوطي قد وقف موقفا ضدّ العنف والتخريب.
وكانت الطليعة المقاتلة يومها قد اغتالت أحد أبنائه. ما يؤكّد على أنّ نهج القتل والاغتيالات والانتقام كما فعلوا بابن المفتي حسون، هو واحد منذ ذلك العهد.وكان دم الشهيد البوطي قد توزّع بين قبائل الإرهابيين وشيوحهم الذين حرّضوا عليه بالفتوى إمّا مباشرة أو بالإشارة.
فقد دعا مرشد الإخوان محمد بديع بقتله صراحة حين قال: “الشيخ البوطي كافر ومن يصلي خلفه كافر ومن يستطيع أن يصل إلى رقبته بسيف أو سكين فهو شهيد بإذن الله”.
أمّا القرضاوي فلقد أفتى بقتل كل من يناصر ويساند النظام في سوريا معتبرا إياهم علماء السلطان كما لو أن القرضاوي ليس من علماء البلاط القطري.
وكان الذي سأل القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة، البرنامج الذي ينشر الطائفية والكراهية والإرهاب، هو معتز الخطيب من الجيش الحرّ ومن جماعة الطلائع الإسلامية لعصام العطار. أصبح واضحا منذ اندلاع الأحداث في سوريا أنّ برنامج الشريعة والحياة هو الذراع الشرعي للجيش الحرّ. من جهة أخرى هناك حقد وهّابي قديم ضدّ البوطي يتعلّق بكتابه الشهير: “السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي”. وكان كتابا قيما أعاد فيه الوهابية إلى حجمها الطبيعي في الخريطة الإسلامية.
ولقد طعن فيه جماعة من الوهابيين وكفروه وكفروا حتى الأشعرية التي ينتصر لها البوطي كما فعل أمان الجامي. إنها حرب بين الوهابية والسنة الأشاعرة. فلقد كفّره السلفيون واتهموه في دينه. حتى أنّ الألباني كان قد دعا عليه، فاعتبر بعض المتحرقين ما حدث للشيخ البوطي هو استجابة لدعوة الألباني. ويبدو أن هؤلاء افتقدوا ملكة التمييز. ويعتبرون شهادة الشيخ البوطي بمثابة عقوبة إلهية. ويعتبرون الشهادة نقمة.
إن الصراع القادم بين الإسلام السني الأشعري والإسلام الوهابي، أي إسلام مستر هامفر، ستكون له تداعيات كثيرة. وإن تصفية العلماء السنة المعتدلين هو هدف للوهابية. واليوم لعله من المفارقة أن الشيخ الجليل لم يحفل بمقتله تلامذة القرضاوي، بل صمتوا ووضعوا رؤوسهم كالنعامة تحت الرمال.بل سيردّدون تفاهات القرضاوي نفسها الذي يسعى للهروب من المسؤولية المعنوية لقتل الشيخ البوطي بتعليقها على شمّاعة النظام على نفس الموال والأسطوانة المشروخة. سيكون من المفارقة إذن أنّ من يزعم من أبناء الجماعات الإسلامية في بلادنا أنهم أشاعرة، سينتصرون لقتلة البوطي من الوهابيين ولا ينتصرون لأحد أئمة الأشعرية. ولا يملك أحد من هؤلاء الحرية والشجاعة لينعى الشهيد الفقيد لأنّهم مع مشروع قتله ومع الفتاوى التي حرّضت لقتله.
وربما فعلوا مثلما فعل أحد بهم الإسلاميين الذي تحدّث عن الشيخ البوطي دون أن يتطرق إلى قتلته في أسلوب لا يمكن أن يكون أسلوب الرّجال.ويبدو أنّ مقتل الشيخ البوطي سيكون تتويجا لفضيحة العصابات التابعة للناتو والتي تمارس الخيانة باسم الديمقراطية في المحافل الدولية بينما دروعها المقاتلة هي في داخل سوريا من الإرهابيين ومن القاعدة. وقد كتب الحانوتي معاذ الخطيب حفيد المحميين بيانا مسموما تافها يعتبر فيه قتل الدكتور البوطي جريمة. ثم ومن دون أن يجرأ أن يشير إلى تورط النصرة التي تنسق مع ائتلافه، اتهم النظام. من الناحية الشرعية يظهر أن الخطيب مفلس فقهيا لأنّ إثبات الجريمة يتطلب شواهد وقرائن يعتد بها. والجماعة منذ زمان هي فاقدة للعدالة والرّشد.
فهل من مصلحة النظام أن يقتل شيخا يفتي بنصرة الجيش ومساندته لحماية سوريا؟ ثم إن النظام لا يملك انتحاريين يفجرون أنفسهم في المساجد؟؟إن معاذ الخطيب تحدث لكي يحمي القتلة الذين ينسق معهم لمزيد من تخريب سوريا. بالتأكيد لا يستطيع الخطيب وهو يترحم محرجا على الشيخ البوطي فيما هو يعزز علاقته وتنسيقه مع قتلة الشيخ، سواء قتلته في صفوف المسلحين في سوريا أو جماعة القرضاوي المسؤولين معنويا لقد قضى الشيخ البوطي شهيدا من أجل الوطن حيث ناضل ضد المؤامرة والتطرف.وإنه لفخر لهذا الشيخ الجليل أن يسقط شهيدا في المعركة الصحيحة على أيدي الخونة وعملاء الاستعمار والصهيونية. وقد اتضح أن لا حرمة لمسجد ولا لشيخ ولا لشيء بالنسبة لفلول الإرهاب. فلتحتفل الجزيرة والقرضاوي وعملاء الرجعية والاستعمار بمقتل شيخ رفض أن يلتحق بالمهرولين باتجاه المال الخليجي وفضل أن يكافح في بلده بعزة وإباء وكرامة بالفتوى الصحيحة والتنوير الديني. إنه شهيد المحراب في سوريا.ولا أخفي أنّي كنت أتوقّع هذا المصير للشهيد سعيد رمضان البوطي.ولا أخفي أنّي فكرت فيه في الليلة التي سبقت الحادث الغادر. لقد توقّعت أن تمتد إليه يد الغدر في أي لحظة.
فهل يا ترى تكون هذه الحادثة كافية لتكثيف الحماية والأمن للشخصيات العامة الوطنية وعلماء الدين الأحرار. ثم واضح أنّه لم يعد بيد فلول الظلام من حيلة سوى الانتقام والثأر والتخريب من الشخصيات العامة.
إنّ المطلوب اليوم من حماة الديار الذين أفتى الشهيد الراحل بدعمهم ونصرتهم حتى قضى في سبيل ذلك على أيدي الإرهاب في سوريا، أن يجتهدوا للقيام بعملية نوعية باسم الثأر للشهيد رمضان البوطي.
كما أنّه مطلوب اليوم ممن يهمّه الأمر في سوريا بتكييف الحادث قانونيا وعرضه على المحاكم الدولية ضدّ من يتحمّل المسؤولية المعنوية عن هذا القتل، ونعني المدعو القرضاوي مفتي الإرهاب وقائد القوادة الدينية في دويلة الأعراب، بوصفه دعا الإرهابيين لقتل الزعماء والعلماء وغيرهم ممن لا يرى رأي الجيش الحر وجماعة النصرة في سوريا. كما يسري الأمر نفسه على الزنديق العرعور ومن لغى لغوه في الفتيا ودعاوى الإرهاب. إنّ جميع الغلمان الإشلاميين لن نسمع لهم عزاء للشيخ البوطي. فهم راضون بمقتله فرحون بقضائه.
ألا بئس القوم الظالمين. لم تنتصر القاعدة فقط بسبب الدعم المباشر لأتباعها والمتعاطفين معها. بل انتصرت بفضل المساندة الصامتة الصادرة عن بعض الجماعات الإسلامية التي تدّعي الاعتدال. فلك أن تتأمل قليلا أين اختلفوا مع القاعدة وأين اتفقوا؟ ستجدهم اتفقوا معها في بؤر كثيرة. اتفقوا معها في أفغانستان والعراق وسوريا ومالي والجزائر وفي كل مكان. هل يقنعونا بأنهم ضد القاعدة فقط في بلادنا؟ إنّ التطبيع مع القاعدة بات يتأكد يوما بعد يوم وبطريقة ممنهجة منذ غادر بوش وجاء أوباما. الحرب على القاعدة كانت مجرد مرحلة مضت ليعود هذا الفكر ويتغلغل في أحشاء المجتمع المدني ومؤسسات الدولة. الجديد هنا أن فكر القاعدة بات يخترق صفوف العلمانيين بمن فيهم اليسار، حيث بدأنا نجد وقفات احتجاجية تحمل النبرة نفسها وتحليلات سياسية تحمل الأفكار نفسها. سيفرح بمقتل الشيخ البوطي فلول الخونة وأحفاد المحميين والزنادقة ومسّاحي جوخ الرجعية الأعرابية.
ففي زمن يقضي فيه شيوخ الوطنية والتحرر حتفهم بالإرهاب، ويزداد فيه نباح شيوخ العار والذل والعمالة، يكون الشيخ البوطي بشهادته قد فضح شيوخ الإرهاب. وإنّ القرضاوي وشيوخ العمالة يتحملون دم هذا الشيخ الجليل بفتاويهم ومؤامراتهم وتحريضاتهم. لقد ختم الله لك شيخنا الجليل بأفضل ما يتمنّاه الأحرار. فأنت متّ من أجل الوطن وهم يموتون من أجل الشيطان. إنّ ثمن الممانعة كبير. ويستحق كل عناء. رحم الله الشهيد وألحقه بالشهداء والصالحين.
{jathumbnail off}
Source : https://dinpresse.net/?p=788