محمد علي لعموري
فيروس كوفيد 19 أو إسم الشهرة كورونا ، فيروس خفي لا يرى بالعين المجردة أرعب العالم ووضعه أمام مأزقه الوجودي والأخلاقي والإنساني..
فيروس يمكنه حصد أرواح البشرية بسرعة فائقة عبر طرق التواصل الحميمي من سلام وقبل وجنس ولمس واحتكاك وتقارب…
فيروس باعد بين الناس وفاقم الأنانية وأشعل فتيل الخوف والذعر في نفوس الناس في كل أرجاء المعمور..
فيروس جعل المفكرين وأصحاب العقول المجادلة تطرح الأسئلة الوجودية من مثل : إلى أين تمضي البشرية؟ في ظل وجود مثل هذا التهديد الذي يرجح فرضيات شتى منها : نظرية المؤامرة التي تمتح من وضعية الصراع العالمي على امتلاك أسباب السيطرة على هذا العالم من طرف القوى الكبرى اقتصاديا..
الصين التي اندلع منها الفيروس تدرك جيدا حقيقة الأمر إما باتجاه فرضية أن يكون الفيروس منتوجها الذي تروم به تحقيق أهدافها الإقتصادية في إطار حربها مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا لا ينفي أن يكون الطرف المقابل هو صاحب الفكرة والتنفيذ ، بحيث تذهب الفرضية الثانية إلى كون الولايات المتحدة الأمريكية لما تملكه من خبرة وما تتمتع به من جبروت القوة تستطيع تجريب حروب جديدة ضد أعدائها مثل الصين وإيران…
كلا الفرضيتين قائمتان تنتظران من يثبتهما علميا وقانونيا حتى تعرف البشرية في أي عالم تعيش ، وتحت أي سلطان ترزح سواء مكرهة أو مستغفلة أو متلاعب بذكائها إعلاميا…
ولكن مما لا شك فيه ، أن هذه الحرب ضد هذا العدو الذي يهدد الحياة فوق الأرض وينذر بجائحة عالمية ، قد راكمت بعض الدروس والعبر لكل من أعمل الفكر وهو يتتبع ما يجري هنا وهناك من تحولات جراء القرارات المتخذة والإحترازات للسيطرة على الوباء والإنتصار عليه..
الدروس المستفادة من هذا الوضع المستجد ، أن محراب العلم يتكشف عن دور العلماء ومكانتهم ضمن منظومة الحياة وفلسفة الوجود التي تسائل المصدر والسياق والمآل والمصير..
تلك الفئة التي لا ترى كما الفيروسات إلا حين نحتفل مع العالم بتسليم جائزة نوبل لهذا العالم أو ذاك ممن ساهموا في خير البشرية ونفعها..
فئة تعتكف محراب العلم لتغوص في المعادلات الرياضية والفيزيائية والكيميائية والبيولوجية لإنتاج نظريات جديدة تستفيد منها البشرية في الأفق البعيد..
هي نفس الفئة التي تسهر اليوم على البحث عن دواء للقضاء على فيروس كورونا ، وتتضرع إلى العلم سبيلا لفك شيفرة هذا الفيروس بغية طرحه صريعا بلقاح أو دواء..
بالمقابل يزعم أصحاب نظرية المؤامرة أن العلم يخدم الدول التي ترعاه ليكون أداة لتطويع الخصوم كما حدث أيام ضرب هيروشيما وناكازاكي إبان الحرب العالمية الثانية ، وأن الزمن قد تطور إلى الحد الذي لم يعد ممكنا أن يتطاحن الأقوياء بأسلحة الدمار، وإلا فني الجميع.
بالمقابل بدأ عصر الحروب الخفية ، فبعد إضعاف العالم العربي بثورات الهدف منها إعادة تقسيم المنطقة ( تقسيم المنقسم ) بما يخدم أجندة القوى الكبرى بها ، يمكن للقوى الكبرى استعمال سلاح الجراثيم والأوبئة لإخضاع بعضها البعض وللإعتراف ببعضها البعض ، ومن سيحسم المعركة ستكون له اليد الطولى على العالم.
هكذا تجرنا نظرية الحرب العالمية الثالثة لتدلي برأيها في هذا المقام ، فلا أحد يفهم جيدا ما يجري سوى أن ما يقع ستكون له تبعات على العلاقات بين الدول ، والعلاقات داخل الدول ، والعلاقات بين الأفراد وعلاقة الفرد داخل محيطه ، وعلاقته كذلك مع قناعاته وأولوياته…
لا شك أن العالم يتحول وسيعرف علاقات دولية جديدة بعد استنفاد الحرب على كورونا ، وتحالفات جديدة ، ورؤية للعالم سيتم التنظير لها من طرف مفكرين عايشوا الفترة العصيبة بفكرهم وجوارحهم وما أوتوا من أدوات التحليل والتفكيك ، ومن ملكة النقد وبناء المقولات البديلة محل تلك التي كانت تنتمي لزمن ما قبل جائحة كورونا.
إن التعامل الجدي مع فيروس فتاك لا يرى بالعين المجردة ، أبان عن ثقة زائدة في قدرة العلم على صنع المعجزات بعد أن ولى زمن الخوارق والخرافات والأساطير المؤسسة للفكر الدوغمائي ، ولم يبق من كل ذلك إلا جهالات تقدس الجهل وما تبقى من فكر يرد كل شيء إلى ما وراء العلم وما وراء الطبيعة وما فوق قدرة الإنسان..
ففي الوقت الذي تتكثف الجهود لاحتواء الوباء ، بعد إغلاق الحدود وسد المعابر والموانئ ، وفرض الحظر الصحي ودق ناقوس الخطر والدعوة لملازمة البيوت اتقاء العدوى ، وخوفا على الأرواح من شبح الموت ، يأتي هاو من هواة الإتجار بالدين ليتمكن من استقطاب العشرات وراءه لكسر قرار الحظر الصحي بالخروج إلى الشارع وترديد الدعاء تضرعا إلى السماء !
وكأن الله لا يوجد إلا في الشارع ولا يوجد في البيوت..والحال أنه حيثما يوجد الإنسان يوجد الله ، وحيثما يوجد إيمان يوجد الإله.
لكن الجهل المقدس يبغي التشويش على كل مبادرة وكل شيء ينتصر لصوت العقل سواء كان عقل دولة أو عقل علم أو عقل منطق ، فمثل هذا الفكر الدوغمائي يخشى تراجع مصداقيته بين الآنام ، ويحاول بكل جهالة وغباء لفت الإنتباه وصنع الفرجة ولو على حساب سلامة الناس ، لأنه بكل بساطة يجهل أو يتجاهل أن حفظ النفس مقدم عقلا وشرعا على حفظ الدين.
المجتمع الإنساني اليوم أمام منعطف حاسم ، بينما بعض الحي عندنا ما زال يرتع في جهالة يظنها من صميم الدين ، بينما هي من صميم الجهل المقدس والدوغمائية التي تتفشى في البيئة التي تكثر فيها عوامل الهشاشة من فقر وأمية وجهل وبؤس إجتماعي..
جائحة كورونا عرت على عيوب البعض وكشفت وطنية هذا الحي من الناس ولاوطنية البعض الآخر ، أبانت عن أنانية من كانوا يتصدرون الإعلام والمواقع الإجتماعية ، وكشفت للذين كانوا يشككون في مصداقية الدولة ووطنية بعض أثرياء البلد أن الوطن يسع الجميع وأن الدولة تقوم بواجبها ، ولكن المواطن لا يفعل شيئا سوى انتظار المبادرات دون القيام بواجبه كمواطن ينتمي لهذا الوطن.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7561