18 يونيو 2025 / 11:45

إصدار أكاديمي يوثق بيعة علماء الصحراء لإمارة المؤمنين عبر التاريخ المغربي

صدر مؤخرا مؤلف أكاديمي جديد للباحثين المغربيين أمين انقيرة وياسين بن روان بعنوان “إمارة المؤمنين عند علماء الصحراء المغربية في عهد الدولة المغربية الشريفة: من التأصيل إلى البيعة”، وهو دراسة علمية توثق لتاريخ البيعة الشرعية وتبرز امتداد إمارة المؤمنين في المجال الصحراوي المغربي، بما تحمله من دلالات دينية ووطنية.

وقد جاء الإصدار في سياق تخليد مناسبات وطنية بارزة، من بينها عيد العرش المجيد، وذكرى ثورة الملك والشعب، وذكرى المسيرة الخضراء، ويعد إسهاما علميا في تعزيز الذاكرة الدينية والسياسية المغربية من زاوية نادرا ما تناولها البحث الأكاديمي.

وينطلق المؤلف من قراءة تأصيلية شاملة لمفهوم إمارة المؤمنين كما تداوله علماء الصحراء، حيث يقف عند الأبعاد الفقهية والصوفية والتاريخية التي شكلت الأساس النظري لهذه المؤسسة داخل المخيال الصحراوي.

ويبرز المؤلف دلالة إمارة المؤمنين في المرجعية الإسلامية، ويستعرض كيف تموضع هذا المفهوم ضمن المدونات الفقهية وعبر التجربة الصوفية والعقد السياسي الذي حكم العلاقة بين الدولة والمجتمع.

ويتوسع البحث في توثيق نماذج من البيعات التي قدمها علماء الصحراء للسلاطين العلويين، معززة بالوثائق والمخطوطات، ويميز بين بيعات تعود إلى القرن الثالث عشر الهجري وأخرى إلى القرن الرابع عشر، مع تحليل لمضامينها ومقتضياتها من منظور شرعي يعكس وعي العلماء بأهمية البيعة كرباط ديني وسياسي.

كما يسلط الضوء على شروط هذه البيعات ودورها في تثبيت السيادة المغربية بالصحراء على أسس دينية مشروعة.

ويولي المؤلف أهمية خاصة لأدوار الزوايا في ترسيخ إمارة المؤمنين، من خلال التوقف عند نماذج بارزة مثل الزاوية الكنتية التي تمثل الامتداد الروحي المغربي في العمق الإفريقي، والزاوية البصيرية التي أسهمت في ترسيخ الأمن الروحي بالمنطقة.

ويبرز البحث كيف شكلت الزوايا ركيزة في حفظ الثوابت الوطنية والدينية، وأسهمت في دمج البُعد الروحي بالشرعية السياسية.

ويعرّج الكتاب على القيم الإنسانية التي طبعت علاقة إمارة المؤمنين بالمجال الصحراوي، خاصة ما يتعلق بثقافة التسامح والتعايش، كما تنعكس في الخطاب الملكي وفي الممارسة اليومية لمكونات المجتمع المحلي.

ويرصد المؤلف منطلقات التعايش السلمي من خلال الإرث الصوفي في المنطقة، ويعرض نماذج من التجارب التي تجسد هذه القيم، إلى جانب تحليل لعدد من الخطب الملكية التي شكلت مرجعا لتكريس الاعتدال والتسامح.

اختُتم المؤلف بملحق وثائقي مهم يضم مخطوطات وظهائر سلطانية أصلية تؤكد على مغربية الصحراء منذ العهد العلوي، وتبرز تجذر البيعة بوصفها عقدا موثقا بين العلماء والملوك، في إطار وحدة دينية وسياسية متواصلة عبر القرون.

ويشكل هذا العمل مساهمة نوعية في توثيق الذاكرة الصحراوية المغربية وربطها بالمؤسسة الشرعية لإمارة المؤمنين، بما يعزز روافد السيادة والوحدة داخل الحقل الديني المغربي.