منتصر حمادة
بمجرد نقر عبارة “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” في شبكة الإنترنت، سوف تظهر عدة روابط تهم مؤسسة دينية، مقرها في المشرق العربي، بين قطر وتركيا تحديدا، تنظم بعض المؤتمرات والندوات كما تصدر عنها بين الفينة والأخرى بعض البيانات، التي لا تهم إلا المؤسسة نفسها أولا وأخيرا، لكن تعامل نسبة معينة مع المنابر الإعلامية مع البيانات نفسها، يصل إلى درجة وصفها بأنها فتاوى، بينما الأمر خلاف ذلك.
ما لم يتم التطرق إليه قط في تلك الروابط، سواء كانت مرجعيتها تتقاطع مع المرجعية الإيديولوجية لهذه المؤسسة، أو لا علاقة لها أساسا بها، هو الخوض بالتحديد في ماهية تلك الإيديولوجية، لأنه ابتداء من اللحظة التي يفقه فيها متصفح المادة، معالم هذه المرجعية، حينها سوف يتعامل بحذر أو بنسبية مع مضمون تلك البيانات.
نقول هذا بصرف النظر عن أن إصدار أو استصدار الفتاوى، أمر ليس بالهزل، إضافة إلى أننا نمر من مرحلة الدولة الوطنية الحديثة، وهناك مؤسسات دينية قائمة أساسا في مجمل الدول العربية والإسلامية، تتضمن هيئات إفتاء تهم بالدرجة الأولى المجتمع المعني.
على سبيل المثال، مؤسسة الإفتاء هنا في المغرب، والتابعة للمجلس العلمي الأعلى، تحت رئاسة مؤسسة إمارة المؤمنين، تصدر بين الفينة والأخرى بعض الفتاوى، وهي متوفرة في إصدارات المؤسسة، وتهم بالدرجة الأولى المغاربة، ولا تهم بالضرورة الشعوب الخليجية أو المشرقية أو الشعب الأفغاني أو مسلمي جزر القمر، والأمر نفسه مع هيئات الإفتاء في مقر وتركيا والسعودية، ومجمل الدول العربية أو دول محور طنجة جاكارتا.
تأسيسا على ما سبق، لا يمكن الحديث قط عن اتحاد عالمي لعلماء المسلمين، مادامت كل دولة مسلمة، تضم هيئة إتاء خاصة بها، وإلا، نفتح باب الفوضى أو الفتنة، على غرار ما جرى في أحداث 2011، مع الحالة الليبية الدالة، عندما أدلى الشيخ يوسف القرضاوي، برأي فقهي، يهمه أولا وأخيرا، أو يهم المشروع الإسلامي الحركي الذي كان منتميا إليه، عنوانه الترخيص لجنود المارينز بإسقاط العقيد معمر القذافي، وقد صدر الرأي في فضائية “الجزيرة”، ووصل الأمر إلى درجة التعامل معه على أساس أنه فتوى، بينما الأمر لم يكن كذلك بالمرة، إلا أن أجواء الفتنة حينها، ونزع أو خلع قناع التقية عند تلك المشاريع، وفورة الحماس الديني ــ السياسي، وتكالب الأطماع الإقليمية (التركية والإيرانية فالأحرى الخارجية)، جعل نسبة معينة من المنابر الإعلامية، الفضائية والرقمية والورقية وغيرها، تتعامل مع رأي القرضاوي باعتباره فتوى، ويمكن العودة إلى الأرشيف الرقمي للتأكد من العناوين الإعلامية التي صاحبت ذلك الرأي.
لنتخيل لوهلة لو أن باقي أنماط التديّن عند المسلمين، من قبيل التديّن السلفي الوهابي أو التديّن السلفي الجهادي أو التديّن الصوفي، انخرطت في تأسيس هيئات علمية تحت المسمى نفسه، أي “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، ولنا أن نتخيل حينها، طبيعة الفوارق بين البيانات الصادرة عن هذه الهيئات الجديدة، مقارنة مع البيانات التي تصدر عن المؤسسة أعلاه، أي المحسوبة على المشروع الإخواني، إلا إن تطرقت المنابر الإعلامية التي سوف تنشر أخبار هذه المؤسسات الجديدة، إلى مرجعيتها الدينية، وهذا أمر لا مفكر فيه كما هو معلوم.
بقيت إشارة لا بد منها في هذا السياق هي أنه يمكن أن نتفهم أن تنشر حسابات إخوانية مضامين البلاغ الصادر عن المؤسسة نفسها، بخصوص مآسي غزة، وجاءت على سبيل المثال، حسب عنوان صدر في صحيفة لندنية، محسوبة على المحور الإيديولوجي نفسه تحت عنوان “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يفتي بوجوب الجهاد المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي وتدخل الدول العربية”. (الخبر مؤرخ في 5 أبريل 2025).
لم يتضمن الخبر، كما سلف الذكر أعلاه، أي إشارة بخصوص المرجعية الإيديولوجية لهذه المؤسسة، وهذا أمر منتظر من هؤلاء، لكن يُحسبُ له أن أشار إلى أن هذا الاتحاد “يتخذ من العاصمة القطرية الدوحة، وإسطنبول التركية مقراً له”، في إحالة على المحور الجيوسياسي الذي ينتمي إليه الاتحاد نفسه.
في سياق تفاعلنا الجمعي مع مثل هذه القضايا، نتفهم أن تنشر بعض الحسابات الإخوانية والإسلامية الحركية بشكل عام، هذا الخبر في مواقع التواصل الاجتماعي أو في التطبيقات الرقمية، من قبيل تطبيق “واتساب” أو “تلغرام” وتطبيقات أخرى.
ونتفهم أيضا أن تنشر الخبر نفسه، حساسات تزعم أنها كانت إسلامية حركية، لكنها لم تعد كذلك، وهذا موضوع يحيلنا على ظاهرة الإسلاميين سابقا، من قبيل تيار “الإسلاميين التقدميين” في تونس على سبيل المثال، وهي ظاهرة موزعة بدورها على عدة تيارات، وفي هذه الجزئية التي تهم المقالة، التيار هنا يهم كل من انفصل تنظيميا عن المشروع، لكن لم ينفصل إيديولوجيا بعد.
لكن في المقابل، كيف نقرأ لجوء حسابات لا علاقة بالمرجعية الإسلامية الحركية إلى نشر الخبر نفسه؟ ولا نتحدث عن “يسار الإخوان”، أو حسابات إسلامية تمارس التقية.
هنا بالذات، تطرح عدة أسئلة عن أسباب تفشي هذا الخطاب من جهة، وعن سُبل مواجهته أو التفاعل معه، كما تطرح أسئلة مفصلية عن دور المؤسسات الدينية في الملف برمته. وهذا موضوع يبدو إنه في مقام اللامفكر فيه.