سعيد الكحل
نشأة تيار السلفية المدخلية:
هو تيار سلفي وهابي ارتبط اسمه بالداعية السعودي ربيع المدخلي ؛ ويحمل كذلك اسم “الجامية” نسبة إلى الداعية الإرتري محمد أمان الله الجامي الذي كان يدرّس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة . ويحب أتباع هذا التيار أن يصفوه بـ”سلفية أهل المدينة”.
وارتبط ظهور هذا التيار بحرب الحليج حين سمحت السعودية للقوات العسكرية الأجنبية ، خاصة الأمريكية ، بدخول أراضيها وإقامة قواعد عسكرية تمهيدا لطرد القوات العراقية من الكويت. الأمر الذي أغضب تيار السلفية بمعظم أطيافه ، فشكل معارضة قوية لقرار “الاستعانة بالكفار لتحرير الكويت”.
في هذا الإطار سينبري ربيع المدخلي للرد على فتاوى تحريم الاستعانة بالقوات الأجنبية والدفاع على قرار السلطات السعودية بإصدار كتاب تحت عنوان”صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة على قتالهم بغير المسلمين”. فكان سندا للسلطات السعودية ضد باقي مكونات تيار السلفية وكذا تيار الإسلام السياسي. ولعل شرعنة الاستعانة بالأجنبي “الكافر” ضد المسلم الغازي ، سمحت للسلطات السعودية بتوفير الدعم الكافي لهذا التيار وتصديره خارج السعودية نحو بقية البلدان العربية .
وما شجع على هذا الدعم المتواصل لتيار السلفية المدخلية كونه يحرّم الخروج على الحاكم ويُلزم أتباعه والمتعاطفين معه بوجوب طاعة الحاكم ولو جار . موقف وجدت السلطات السعودية نفسها في حاجة إليه خصوصا مع انفجار أزمة الخليج وقرار مجلس الأمن باستعمال القوة العسكرية لتحرير الكويت . وتتمثل هذه الحاجة في وجود فصيل ديني يؤيد السلطات ويتصدى للمنتقدين .
ومن رموز التيار المدخلي في السعودية:
• محمد بن هادي المدخلي
• محمد أمان الجامي
• ربيع بن هادي المدخلي
• فالح بن نافع الحربي
• فريدٌ المالكيِّ
• عبد اللطيف باشميل
• عبد العزيز العسكر.
أدبيات تيار السلفية المدخلية
يلتقي تيار السلفية المدخلية بباقي مكونات التيار السلفي (العلمي/التقليدي، الحركي ، الجهادي/الإرهابي) في الاعتقاد بأنه على نهج السلف الصالح ويمثل “الطائفة الناجية”، بينما باقي المكونات يحشرها ضمن “المبتدعة” ، “الخوارج”، “الكفار”. فكل السلفيين ينسبون أنفسهم وجماعاتهم إلى “الجماعة” أو الفرقة الناجية من النار كما ورد في الحديث النبوي ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة). رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم. وأي فرقة تتأسس على هذا الحديث فهي تحمل بالضرورة عقائد التكفير والكراهية والإقصاء وتمزيق وحدة الشعوب حتى وإن لم تعلن صراحة عن عقائدها هاته.
ومن أبرز مواقف التيار المدخلي:
1 ــ الولاء المطلق والسمع والطاعة للحاكم . فالتيار المدخلي يفتي بعدم الخروج على الحاكم المسلم حتى وإن كان فاسقا؛ كما يفتي بعدم جواز معارضة الحاكم ولا حتى إسدائه النصيحة علنا.ففي رسالة للشيخ المدخلي بندر العتيبي بعنوان”رسالة الحكم بغير ما أنزل الله مناقشة تأصيلية علمية هادئة” يقول فيها: ” فما قرره أهل العلم مِن الكفر الأكبر، ووقع فيه الحاكم؛ فإنه لا يلزم منه جواز الخروج عليه ولو أقيمت عليه الحجّة، بل لا بد من النظر في الشروط الأخرى المبيحة للخروج “.بل ذهب تيار المدخلية إلى الإفتاء بوجوب طاعة ولي الأمر حتى ولو كان كافرا. لكن هذا الموقف ليس مطلقا . وهذا الذي على الحكام الانتباه والحذر منه ، إذ لا يغرّنهم إفتاء المدخلية بوجوب طاعة ولي الأمر. فالطاعة مطلوبة ما افتقر المدخلية إلى أسباب القوة لمواجهة الحاكم والانتصار عليه .فزعيم المدخلية في مصر محمد سعيد رسلان يشدد التأكيد على منهج هذا التيار في مواجهة “الحكام الكافرين” بالقول :”ومع ذلك لو توفرت هذه الشروط – يقصد شروط الخروج على الحاكم- فإنه لا تُنزع يد من طاعة ولا يُخرج على حاكم متغلب وإن كان جائرًا ظالمًا بل وإن كان كافرًا، إلا عند امتلاك العُدّة أم تريدون أن تخرجوا عليه بسكين المطبخ وعصا الراعي”. فهو يعدّون القوة ويسعون إلى توفير أسباب التغلب على الحاكم وإنجاح الخروج عليه والثورة ضد حكمه. لهذا يبقى إظهار الطاعة تقيّة وليس اعتقادا ثابتا.
2 ــ تحريم الاعتصامات والمظاهرات والاحتجاجات ضد الحكام. في هذا الإطار يقول صالح السحيمي: “الدخول في هذه المظاهرات التي تقع في بعض البلاد الإسلامية مهما كان الحاكم، ومهما كان الظلم، ومهما كانت المخالفات، فالدخول في المظاهرات عمل يهودي ماسوني، ليس من عمل المسلمين ولا يقرّه الإسلام وليس عليه دليل من الشرع، ولا نلتفت إلى من يفتي به من الذين يتسرعون.”
3 ــ طاعة الحاكم القوي: فعقائد المداخلية تأمر بطاعة الحاكم ذي البأس والقوة وفق قاعدة “من اشتدت وطأته وجبت طاعته”، وأن “سلطاناً غشوماً خير من فتنة تدوم”.
4 ــ تعطيل الجهاد واشتراط إذن الحاكم. فالمدخلية لا يحرمون الجهاد ولا يمنعونه صراحة ولكن يعطّلونه بحجة أن المسلمين اليوم في حالة ضعف لا تسمح لهم بمواجهة العدو المتفوق بالعدة والعتاد ويصنع أسلحته بنفسه ويحتكرها . فالجهاد مطلوب لكن متوقف على قوة المسلمين وإذن الحاكم .
إن هذه المواقف شجعت السعودية وبعدها عددا من الحكام العرب على دعم المدخلية والسماح لعناصرها بتنظيم أنشطتهم الدعوية وتوسيعها .والغاية من دعم المدخلية هي مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وفروعها في الدول العربية وكذا التصدي للسلفية بفصيليها الحركي والجهادي .
فتيار المدخلية معروف بتبديع كل مكونات الإسلام السياسي ، أكانت معتدلة أو متطرفة ، وتنفير المواطنين منها.
وتجدر الإشارة إلى أن الأنظمة العربية لم تتعظ من خلق ودعم جماعات دينية حتى إذا تقوّت انقلبت ضد أولياء نعمتها وداعميها. فالسلفية التكفيرية ( تنظيم القاعدة وداعش ) خرجت من رحم السلفية الوهابية التي تلقت كل الدعم من السلطات السعودية وسرعان ما تنكرت لها باستهداف أمنها واقتصادها وأرواح مواطنيها والعاملين بها.
وما ينبغي التنبيه إليه هو أن تنظيمات الإسلام السياسي (سلفية وإخوانية وشيعية)، مهما ادعت الاعتدال وتبنيها للديمقراطية وقبولها المشاركة في الانتخابات، فإن فتوى فقهية/سياسية من زعمائها كافية لنقلها من حالة الاعتدال إلى حالة العنف.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15106