سعيد الكحل
انتهت الحملة العالمية لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي،التي دعت إليها هيأة الأمم المتحدة تحت شعار “16 يوما من النشاط لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات”، والتي انطلقت من يوم 25 نوفمبر إلى غاية 10 دجنبر دون أن تنتهي معها المطالب النسائية أساسا والمجتمعية عموما بضرورة وضع وتطوير التشريعات الوطنية الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف والتمييز القائمين على النوع.
فعلى مدى تسع سنوات، أي من تاريخ رئاسة حزب العدالة والتنمية للحكومة، والحركة النسائية المغربية تخوض نضالات مضاعفة (نضال من أجل انتزاع حقوق جديدة، ونضال من أجل تحصين المكاسب ومنع الإجهاز عليها ) فرضتها عليها الحكومة بسبب الخلفية الإيديولوجية لرئاستها وللوزيرة التي تولت حقيبة وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية المغربية. ذلك أن حزب العدالة والتنمية، وكل مكونات التيار الإسلامي ، ليس فقط لا يؤمنون بالمساواة والمناصفة كمبادئ أساسية ضمن منظومة حقوق الإنسان في بعدها العالمي، بل يناهضونها من منطلق عقائدي/إيديولوجي.
وتكفي هنا الإشارة إلى حدثين بارزين:
أولهما: مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية التي قدمه سعيد السعدي ، وزير الأسرة والتضامن في حكومة الراحل عبد الرحمن اليوسفي ، والذي تصدى له حزب العدالة والتنمية بكل شراسة مستعملا كل وسائله التحريضية ( عرائض، فتاوى فقهية ، مطويات ، أشرطة سمعية ، ندوات ، جمعيات العدول والعلماء خصوصا (رابطة علماء المغرب)، مسيرة الدار البيضاء التي حشد فيها كل أعضائه ومحيطهم الاجتماعي ..). وكانت من مبررات مناهضته للمشروع أنه أقر بمبدأ المساواة بين الزوجة والزوج في اللجوء إلى القضاء لإنهاء العلاقة الزوجية (الطلاق القضائي)، وحق ولاية المرأة على نفسها في الزواج ، وكذا الرفع من سن الزواج للفتيات إلى 18 سنة ، ثم الحق في اقتسام الممتلكات الزوجية.
ثانيهما: إصرار حركة النهضة في تونس ، حين تصدرت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011 الذي تولى صياغة الدستور، وحصلت على الأغلبية داخل لجنة الحقوق والحريات حيث ضغطت لتمرير مقترح فصل ينص على ”المرأة مكمّلة للرجل” (وافق عليه 12 نائبا ونائبة وعارضه 8 نواب ) ضد المطالبة بالتنصيص على المساواة التامة بين الجنسين. الأمر الذي لم تستسغه القوى المدنية والسياسية فخرجت في مسيرة شعبية يوم 13 غشت 2012 الذي يصادف العيد الوطني للمرأة التونسية الذي يرمز إلى تاريخ صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956.
حاولت حركة النهضة الالتفاف على مطالب المعارضة الشعبية بتغيير عبارة ”المرأة مكملة للرجل” مع الإبقاء على مصطلح التكامل داخل الدستور. غير أن الضغط السياسي والشعبي انتهى بإقرار مبدإ المساواة في الفصل 21 من الدستور”المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون، تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريّات الفردية والعامة، وتهيّئ لهم أسباب العيش الكريم”.
إن إيديولوجيا تيار الإسلام السياسي تناهض مبدأي المساواة والمناصفة من منطلقين أساسين هما :
المنطلق الأول يتعلق بالتأويل الذي يعطيه هذا التيار للنصوص الدينية والفتاوى الفقهية ، والذي يخدم أهدافه المرحلية ومشروعه المجتمعي والسياسي الذي يتنافى مع المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي . فبالإضافة إلى إخراج النصوص الدينية عن سياقها التاريخي والمجتمعي، يوظف هذا التيار تلك النصوص لتكريس دونية المرأة باعتبارها تشريعا إلهيا تنص عليه كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة: (الرجال قوامون على النساء)، (النساء ناقصات عقل ودين)؛ وهي نصوص دينية يتلاعب التيار الإسلامي بتأويلها وفق ما يخدم تنقيصه من المرأة حتى وإن تعارض مع نصوص دينية قطعية الدلالة وبديهية المعنى من مثل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، (النساء شقائق الرجال) . فهذا التيار يدرك جيدا أن المدخل للتحكم في المجتمع ، ومن ثم السيطرة على الدولة والسلطة هي المرأة المنقادة والخاضعة لسلطة الذكور. لهذا يركز التيار على فئة النساء في الانتشار والاستقطاب والفوز بالانتخابات .
المنطلق الثاني يتمثل في التظاهر بحماية المجتمع ضد التغريب والدفاع عن هوية الشعب ، وهي مبررات الغاية منها مناهضة مشاريع التحديث والعصرنة والدمقرطة التي تحرر النساء ثقافيا ، اجتماعيا ، سياسيا ، وتساويهن في الحقوق والواجبات مع الرجال . فالإسلاميون يرفضون كل المبادئ والقيم التي أنتجتها المجتمعات الغربية بحجة أنها منتوج “مسيحي” أو “غربي” أو “علماني” ، لهذا يتصدون إليها باسم الخصوصية والهوية. والأمر يسري كذلك على حقوق الإنسان، وحقوق الطفل.
من هذا المنطلق، عمل حزب العدالة والتنمية بعد قيادته للحكومة ، على تعطيل الديناميكية الحقوقية والسياسية التي عرفها المغرب، والتي أثمرت مدونة الأسرة ورفع التحفظات عن كافة أشكال العنف ضد النساء، ثم دستور 2011 الذي يتبنى منظومة حقوق الإنسان في بعدها الدولي. فالحزب لا يؤمن بالمساواة ولا بالمناصفة، وقد كرس عقيدته هاته عبر مؤسسات الدولة بحيث جاء بمشروع القانون الجنائي مشرعنا للعنف الهمجي ضد النساء ومحرّضا عليه بتخفيض عقوبة قتل الزوجة من الإعدام إلى بضعة شهور من السجن، فضلا عن رفضه الاستجابة للمطالب النسائية بوضع قانون إطار لمحاربة العنف ضد النساء. بل حتى حين جاءت وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بقانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، أصرت أن يكون ناقصا بعد أن أقصت الجمعيات النسائية الفاعلة في الميدان من المشاركة في صياغته.
ورغم الانتقادات التي وجهتها الجمعيات الحقوقية والنسائية (التحالف المدني لتفعيل الفصل 19 من الدستور الذي يضم 650 جمعية )، تشبثت الوزارة بمشروعها . وكذلك الأمر فيما يتعلق بقانون هيأة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز الذي جاء محبطا للآمال ومخالفا للدستور نصا وروحا ، ولم يحترم التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق النساء بصفة خاصة ؛فضلا عن خرقه لمبادئ باريس خصوصا فيما يتعلق بعضوية الإدارات الحكومية (رئيس الحكومة يعين 10 أعضاء من أصل 14 مما يلغي مبدأ الاستقلالية )؛ بينما تنص مبادئ باريس على التالي (وفي حالة انضمامها ( أي الإدارات الحكومية) لا يشترك ممثلوها في المداولات إلا بصفة استشارية). الأمر الذي شكل انتكاسة حقوقية عبرت عنها السيدة لطيفة بوشوى رئيسة فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة “باعتماد هذا القانون يكون المغرب قاد عاد إلى نقطة الصفر في مجال حقوق الإنسان”.
إن مسؤولية هذه الانتكاسة لا يتحملها البيجيدي وحده وإن كان يتحمل الجزء الرئيسي منها ، بل تشاركه فيها الأحزاب المشكلة للحكومة من حيث كونها ، أولا ، وافقت على إسناد وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية إلى حزب العدالة والتنمية المعروف بمناهضته لحقوق النساء، وثانيا، الموافقة على القوانين التي يأتي بها وزراء حزب رئيس الحكومة (وزير العدل والحريات ووزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية في عهد بنكيران )؛ وثالثا لم تطبق مبدأ المناصفة في هيآتها الحزبية ولم تطالب به عند تشكيل المؤسسات الدستورية المحدثة. هذا الفراغ وغياب المقاومة شجعا البيجيدي على تعطيل الديناميكية الحقوقية والسياسية وتشكيل مؤسسات دستورية كسيحة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=12519