عقيدة المسلمين وحروب تزييف الوعي

بدر الدين الخمالي
2019-11-02T13:22:50+01:00
آراء ومواقف
بدر الدين الخمالي31 ديسمبر 2017آخر تحديث : السبت 2 نوفمبر 2019 - 1:22 مساءً
عقيدة المسلمين وحروب تزييف الوعي
بدر الدين الخمالي
بدر الدين الخمالي

من كثرة ترديد كلمة الإصلاح الديني من قبل دعاة الحداثة المزيفيين وكتاباتهم في المجال التداولي الإسلامي سيخيل الى المستمع إليهم أننا نعيش في عهد الكنيسة القرسطوية ونظام صكوك الغفران وأننا نغرق في براثن الطقوسية الارثوذكسية على غرار ما كانت عليه شعوب أوروبا في القرون الوسطى…مع العلم انه لا وجود لشيء اسمه كنيسة في الإسلام ولا وجود لسلطة دينية أو كهنوت في دين الله ولا وجود لمصطلح ظل الله في الأرض أو الناطقين باسم الله وكل الهرطقات اللاهوتية والكهنوتية المسيحية والبطرياركية الدينية التي يحاولون إلصاقها وإسقاطها تعسفا على مشهدنا الديني الإسلامي…لكن هؤلاء الحداثيون وبقايا اليسار يريدون إقناع الجماهير المسلمة بأننا نعيش اليوم في عصر الإقطاع الديني وسلطة الكهنوتية وهذا ما يجعلنا بحاجة ماسة الى التنوير والى المتنورين والى الدخول إلى عصر الأنوار وأن مشكلتنا في العالم الإسلامي تتلخص وتتجلى في الصعود اللافت لتيار إيديولوجي ومجموعة من الأشخاص يطلقون عليه اسم الإسلام السياسي l’islamisme وهذا التيار بالنسبة لهم هو أصل الشرور والانغلاق والتحجر والمحافظة والتزمت في العالم الإسلامي مع أن الحقيقة القاسية والمرة هو أننا نعيش اليوم بالعالم الإسلامي عصر التفسخ والانحلال والفساد والانسلاخ من القيم الدينية والإنسانية والاستبلاد المريكانتيلي والاستحمار الرأسمالي والاستغباء الإعلامي المعولم بسبب الاستبداد السياسي والعسكري والإفساد الممنهج للحياة والسلوك والقيم الذي تحميه وتدعمه الأنظمة العلمانية العالمية والقوى الدولية الامبريالية ومؤسساتها المالية التي تنهبنا جهارا نهارا بمباركة الأنظمة التبعية العميلة الحاكمة في بلداننا والتي تعتمد على سياسات التجهيل والتضليل والإفساد الممنهج لمختلف مناحي الحياة بما فيها الحياة الدينية والروحية وابلغ مثال على ذلك هي دويلات رعاة البعير في الخليج وفقهائها وشيوخ ضلالتها ومثقفيها الذين تدفع لهم بالدولار من اجل تلميع وجهها القبيح …وبدل أن يقوم هؤلاء الحمقى المطالبين بالإصلاح الديني بتوجيه أقلامهم نحو الواقع فإنهم يوجهونها نحو النصوص ونحو التراث وخاصة تلك التي تتحدث عن العقيدة …فالمشكلة ليست في أحكام الفقه لأنهم يعرفون أن أحكام الفقه المعتمدة على الاجتهاد والمقاصد هي دائمة التجديد طبقا لمفهوم المصالح الشرعية ولكن المشكل عندهم مع العقيدة والتوحيد …فالهدف هو كسر هذا الباب لأنه متى تم كسره انتهى موضوع الأمة الإسلامية للأبد ومتى تم كسره فسيتمكن المتربصون بهذه الأمة إلى القضاء عليها تماما وتحويلها الى امة تائهة وشعوب تتبنى الحيوانية ( الأكل والشرب والتناسل ) مثل باقي شعوب العالم الثالث المتخلفة التي لا هدف من وجودها سوى أنها سوق لاستهلاك منتجات الغرب أو يد عاملة رخيصة لمصانعها أو مناجم مستباحة لنهب الثروات …والمداخل لتحقيق هاته المأرب كثيرة من بينها وللأسف الروحانيات الجديدة وهي خليط بين التصوف الإسلامي والفلسفات الغنوصية والشرقية والموسيقى والرقص متحللة من جميع التكاليف الدينية في إطار ما يسمى منهج وحدة الأديان وأدواتها المزيفة هي الدعوة إلى نشر التسامح الديني ووقبول التعددية الدينية تحت يافطات حداثية تسمى حرية العقيدة والقبول بالاختلاف والقبول بالتدين الأخر وغيرها من الكلمات الرنانة ذات الأهداف المسمومة تبلغ حد اعتبار الالحاد والتنصير حريات دينية والممارسات القبورية الضرائحية تدخل ضمن نطاق التراث الشعبي والفلكلور الذي يجب الحفاظ عليه وصيانته من الضياع باعتباره يمثل تلك الأصالة والعمق الروحي الذي لا يتنافى مع الحداثة …يا لسخرية.

من سينظر إلى عالمنا العربي الإسلامي حتى بعد موجة الربيع العربي سيجد أن اغلب أنظمته السياسية هي أنظمة منبطحة مستسلمة منقادة للغرب ولتوجيهات القوى الكبرى وتعليمات مؤسساتها المالية الدولية المتحكمة في اقتصاد العالم وتوزيع موارده ومنقادة ذليلة للتشريعات الوضعية والقوانين الغربية التي تنهل من النظرية السيكولاريزمية ( فصل الدين عن الحياة – فصل الحياة الاقتصادية عن الأخلاق – ربط التشريع بالمنفعة والمصلحة الوقتية – تقديس الفردانية ) …و هذه الوضعية لم نصل إليها إلا بسبب عنصرين أساسيين امتدا طويلا على المستوى الزمني ويصعب اليوم التخلص من أثارهما بالسهولة التي كان يتصورها من خرجوا في مظاهرات الربيع العربي أولا – الاستعمار الغربي ثانيا – عمالة وتواطؤ النخب والأنظمة الحاكمة في مرحلة ما بعد الاستعمار.

لكن الإشكال مع جماهير العالم الإسلامي والذي يواجهه الغرب ونخبه التي صنعها ساسيا وثقافيا والتي ترفع اليوم شعار الحداثة – المزيفة بطبيعة الحال – لأنها لا تأخذ سوى القشور والتفاهات بدل العلوم والتكنولوجيات الحقيقية والتصنيع – هو إشكال نفسي روحي فكري مع هذه الأمة أساسه ويتجلى في العقيدة الدينية الإسلامية …فبالرغم من كل هذه السنين من الهجوم على القيم الإسلامية وضربها ومحاصرتها وتمييعها والإجهاز على الشريعة الإسلامية في التشريعات والممارسات والتكوين والتعليم لازالت غالبية الأمة تؤمن بأنها أمة الحضارة والقيادة وأننا نمتلك الإرادة والقدرة على العودة بنفس الزخم الذي انطلقت به الدعوة المحمدية لتمر من تكسير الأصنام إلى تكسير الإمبراطوريات الطاغوتية …لقد جهدوا أنفسهم وأعيتهم الحيلة والوسيلة لكي يزيفوا وعي الأمة الإسلامية ويقنعوننا بأننا أمة بئيسة بدائية متخلفة وغير قادرة على تحقيق أي شيء في عصر بلغت فيه التكنولوجيا والتطور العلمي أوجها وبلغت شعوب لا تؤمن بالله أوج الرفاهية والاستمتاع بينما نحن نقمع في البؤس والتخلف والارتكاس بسبب قناعاتنا الدينية والعقدية – التي أصبح يحلو للبعض وصفها بالتدين البدوي أو الصحراوي – ورفضنا للمنهج الغربي للتفكير والسلوك والذي أدى إلى التقدم والحداثة الذي تعيشه أوروبا وأمريكا اليوم حسب تعريفهم …يريدون أن يقنعوننا انه لا حل لنا اليوم سوى أن نتبعهم ونسير على خطاهم وهديهم إذا أردنا أن نخرج من تخلفنا ووانحطاطنا وانه لا سبيل لنا غير ذلك المنهج وانه لا يجب أبدا التفكير في أن نحقق تقدمنا من خلال مبادئ ديننا وقيمنا وهويتنا لأنه هذا مجرد هراء لن ينفعنا في شيء ما دمنا متمسكين به . لذلك أطلقوا علينا مجموعة من الصعاليك المسمون بالنخب الحداثية والعلمانية لكي يشرحوا لنا فوائد الحداثة والتقدمية التي حققت السعادة للشعوب الغربية التي أصبحت اليوم بفضل تطليقها للدين وفصلها الحياة عن الاعتقاد تعيش رغد العيش في عصر ما بعد الحداثة بعد أن حققت الرفاهية المطلوبة بفضل العلم والحرية وحقوق الإنسان وتخلصها من الموروث الديني وتبنيها العلمانية الشاملة التي تضمن لجميع الناس حرية ممارسة شعائرهم…بل ولكي يشرحوا لنا الدين في حد ذاته وفق المقاربات الحديثة في السوسيولوجيا والانتربولوجيا والتفكيك والهرمينوطيقا ويقوموا بمهمة الإصلاح الديني التاريخية التي ستنقذنا من براثن السلفيين والوهابيين والإخوان المسلمين وأصحاب اللحى …أمر مضحك فعلا ومثير للاشمئزاز في نفس الوقت .

نقول لكل أولئك إن درس التاريخ قاس وقاس جدا تماما مثل درس الفلسفة لأنه يكشف كل الزيف لذي يتم تغليف هذا الخطاب به ويكشف الحقيقة المرة لذلك الغرب الامبريالي الهمجي الذي يحلو لأحد صعاليك العلمانيين في معرض استهزائه بالوضع الحقوقي والمعيشي بالبلدان الإسلامية الرازحة تحت حكم خدام الامبريالية الطيعيين أن يوجه خطابه للبؤساء المتمسكين بعقيدتهم وهويتهم والمثابرين على العشي في أوطانهم بقوله اذهبوا إلى الغرب وسترون النقيض مما تعانون فيه من رغد ورفاهية وسعادة وحريات ومتع الحياة وبهجتها التي لا نظير لها في بلاد المسلمين المتخلفة…

نقول له ولأمثاله من المنبطحين السذج المغفلين إن هذا الغرب الذي تقدسون نموذجه السياسي والاقتصادي والثقافي ما كان له أن يعيش الرفاهية التي يعيشها لولا الإجرام والقتل والاستعمار والنهب المتواصل لثروات الشعوب التي مارسها ولازال يمارسها إلى يومنا هذا …وانه ما كان لنا أن نعيش في هذا البؤس والفقر والتخلف نحن وجميع دول العالم الثالث بما فيها الدول التي تعتقد أنها مسيحية لولا النهب الذي ترتكبه الامبريالية في حق ثرواتها والتخلف الممنهج الذي تمارسه في حق شعوبها …وانه ما كان للاحتلال الصهيوني لفلسطين ان يوجد وان يستمر لولا ذلك الدعم اللامشروط الذي يقدمونه للكيان الصهيوني من اجل ارتكاب جرائمه الشنيعة والبشعة في حق الفلسطينين

الدرس التاريخي يكشف كل شيء ويكشف لنا الحقيقة الواضحة الجلية عن الغرب وخدامه …حقيقة من باع أوطاننا وحقيقة من تسبب في تخلفنا وحقيقة من عرض عقيدة أغلب المسلمين للانحرافات التي هي عليها وفي أية ظروف ولأية دواعي …كل تلك المسرحيات الملحمية والسياسية التي تم لعبها على هذه الأمة وأرختها لنا كتب التاريخ والتراث يمكننا أن نكتشف حقيقتها وزيفها والسلطة التي كانت تتحكم في صناعتها بالعودة إلى النص التاريخي كما يمكننا ان نكتشف الانحرافات والانزلاقات والتفاهات التي يعتقد بها البعض خاصة تلك المذاهب النحل والمدارس الكلامية والصوفية وغيرها لمن أراد أن يفهم أصل الداء ويعرف القواعد التي من خلالها تمت كل تلك البهرجات والانقلابات وظروف نشأتها … وسيعلم في المقابل كيف تمت الانتصارات والأمجاد وكيف بنيت الحضارات الإسلامية وما هي أعمدتها ومحركاتها وماذا كانت أهدافها ودوافعها ومن هم رجالها وعظمائها وسيرهم وسلوكياتهم وإيمانهم وما كانوا عليه… وسيعلم الوضع الذي كان عليه الغرب وأممه وكنيسته ودوله التي تعاقبت على حكمه.

المزيفون للحقائق والتاريخ الملبسون على هذه الأمة حقيقتها لا يستهدفون اليوم ماضيها فقد بل يستهدفون مستقبلها ومصيرها الجمعي فلذلك يضربون الأساس بشدة …وليس الأساس عصر الأمويين أو العباسيين وما تم خلالهما أو من جاء من بعدهم بل الأساس الصلب الراسخ الواضح الناصع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده التي تنهار أمامها كل الخرافات والتأويلات والتفاهات العلمانية والانبطاح الذي عليه علماء البلاطات والموائد والسيارات والقنوات من سلفيين وصوفيين وأزهريين ورفقائهم العلمانيون وغيرهم ممن أصبحوا مثل دمى القش تستعمل من قبل الامبريالية للسخرية واستغباء الجماهير المسلمة وتشويه وحصار الملتزمين بدينهم وهويتهم خارج منظوماتهم المزيفة وفي نفس الوقت حصر الدين والتدين في خطابهم الواهي والمتهافت مؤسساتهم المأجورة وممارساتهم التي تزكي الانبطاح والخنوع والانقلاب على القيم الحضارية الإسلامية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.